مهر الصياح للكاتب السوداني أمير تاج السر …اوروك اوروك
غرقت خلال أيام ما بين أسبوعين في تيه رواية مهر الصياح للكاتب السوداني أمير تاج السر. البوكر مشكورة لجعل القراء يبحثون عن
رواية لكاتب سوداني شق بلاده الاستعمار إلى قسمين واحتفل به أبناء الجلد الواحد.
وبما أن الكتاب كان الثاني بقائمة الفائزين كان على أن أخرج من رأسي الكتاب الفائز تماما. فلقد جاهدت نفسي في قراءة عمل إبراهيم نصر الله الفائز بجائزة البوكر هذا العام، لأنني لا أجد بالعادة قراءة إبراهيم نصر الله ملفتة لذائقتي الأدبية.
المهم…..
أمير تاج السر، لم أسمع به من قبل، وبطبيعة الحال قادني الفضول لمعرفة من هو صاحب هذا العمل المبدع، وانتهت إثارتي بتسليم عندما تبين أن الكاتب يكون ابن أخت الكاتب الخالد الطيب صالح. فهنا مبدأ ثلثين الولد لخاله بدا جلي.
ولأن الكاتب يستحق عدم ربط اسمه عند إبداعه بغيره حتى ولو كان خاله الطيب صالح، فعلي التوقف الآن والتبحر في هذا العمل الرائع، الذي لم تعطه البوكر شرف الفوز بأفضل عمل روائي أدبي.
ولكن كم من الروايات الرائعة فرمت تحت عجلة الجوائز؟
مهر الصياح، كما يضيء لنا الكاتب في بداية العمل بأن مستوحى م التاريخ القديم لسلطنات كانت سائدة في السودان. ولقد استوحى الكاتب شخصياته من كتاب ألفه رحالة عربي في القرن السابع عشر. والكوراك الذي يتردد ذكره في الرواية هو الصياح، او المناداة بصوت عالي.
سرعان ما يحمل الكاتب القارئ إلى أزمنة خيلاء، ولا يمكن الكف عن ربط الماضي بالحاضر عما كان عليه العرب والى ما صاروا اليه. من قبلية ودكتاتورية مطلقة الى تبعية يحيطها دخان البارود من المستعمر لقتل الانسان لأخيه الانسان.
تدور أحداث القصة في سلطنة سودانية أشبه الى القرية النائية في لا مكان يعيش فيه من غبر عليه الزمن وتحكم في أهله من تسلطن عليهم وتحولوا الى رعاع. وصاحب الأمر يعدل مزاجه ويحرك ضميره كل أسبوع في مجلس الكوراك حيث تمتد سلسلة بشرية مختارة من المستشارين التسعة أو السبعة يأخذوا فيها صياح من كان محظوظا ليكون اسمه على القائمة. ويا ليت الجمعة الظليلة تكون هي الجمعة التي يقررها السلطان ويتنبأ بها الرعاع والمنجمون والمستشارون وأصحاب المصالح والمستغيثون. فبها تفتح أبواب سماء السلطان المتصلة بالجنة او النار وتلبى فيها الصياحات …. أو تهوي بصاحبها الي قعر الجحيم.
هذا كان نصيب أدم نظر ابن قارع الطبول الذي مات حسرة لعدم تمكنه من الاستفادة من منحة الكورال في الجمعة الظليلة والتي عاش من أجلها بسبب إصابته بآفة تحجبه عن الذهاب. آدم أصبح رجل البيت وهو لا يزال مراهقا يحلم برجولة تؤهله ليكون الاب الشيخ. المكانة الأعظم في صدر خيمة السلطان. وحلم ذات ليلة انه يصبح الاب الشيخ فقرر ان يجرب حظه وينادي في الجمعة المنتظرة ليطلب هذه المكانة الرفيعة.
كان الزحام نحو الجمعة الظليلة كبيرا واستطاع آدم نظر تسجيل اسمه باللحظات الأخيرة. الا ان اسمه تم اختياره من ضمن الأسماء الأولى بمجلس الكوراك ذاك. كم هو محظوظ فكر الفتى. “أريد آن أصبح آبا شيخا …اوروك اوروك”
انقطعت السلسلة وسكت السلطان وفض المجلس. كيف يتجرأ طفل على طلب هذا؟ انه خطر محتمل، سلاطة لسان وتعدي على المقامات.
في حي آدم الفقير، نام آدم نظر والحلم يملأ كيانه، بينما استيقظ الحي مترقبا لما سيحدث او قد يحدث للفتى المجنون.
لم تمض أيام الا وكان آدم نظر في عتاد المفقودين. وجد الصبي نفسه في مكان معزول أمام رجل محور (تبدل جنسه) ويلق بأبي القلوب. فرس الملك المفضل.
سيأخذ القارئ وهلة ليستوعب ما المقصود. فرس الملك المفضل؟ في تلك الحظيرة الإنسانية يتحول البشر فيها الى دواب يركبها الملك، ويتسابق المحظورون للوظيفة الجديدة قبل أن يتم تحويرهم الى خصيان يخدمون في قصر السلطانة او السلطان او الجدة الحكيمة.
تحمل القصة القارئ بلهفة عجيبة وألم يشبه لدغة البعوضة. تضربها بيدك وتعود.
بين ماضي مؤلم يشبه حال من التاريخ الذي يفترض أن تطور منذ وقته الانسان، الى محاكاة واقعية تبدلت فيها الخيم بالقصور المشيدة، وزاد البذخ من مفهوم القرية للمدينة الواسعة. وتحول رئيس العشيرة الى ملك، وزاد البطش على الرعاع وأصبحوا في أحسن الأحوال رعايا. بين خصيان وجواري ومحورون، تأتي المؤامرات من اجل الفوز بكرسي الحكم لاستباحة المزيد من خيرات الأرض واستعباد العباد.
سرد متحكم بالنص، وعذوبة بالكلام أقرب لأن تكون شعرية. لا أفهم كيف يتمكن الكاتب هكذا بجعل النصوص الأصعب بهكذا سرد يجعلك تتمتم كمن يلقي نشيد اثناء القراءة، وتتذكر فجأة أنك بصدد نص لا تختلف القصة فيه عن تغريبات الشعوب العربية المستباحة في كافة الاصقاع، وسودانها مثال آخر في ترنيمة الضياع.
نحو حلم بحياة تكون فيها كرامة الانسان هي العنوان.
اوروك اوروك