زلات أبو مازن الكارثية
لا يمكن القول أن أبو مازن يقول ما يقوله من تصريحات، يعتبر فيها الكثير من الزلات الكلامية بسبب طول العمر. ولا يمكن وصف ما يصرح به من كلام أمام الوفود الإسرائيلية او الاعلام الإسرائيلي بأنه من قبيل المجاملة.
ما يمكن تمييزه بلا شك، هو التمايز في خطاب ابو مازن ما بين الإسرائيلي والفلسطيني. ولكن هذه المرة كانت الكلمات التي تم البوح بها من اجل استمالة الرأي الإسرائيلي ثلاثية الابعاد من حيث كارثيتها. فلم يتنازل هذه المرة عن حقه كلاجئ. فلا داعي لكي يعترض على مخططات ترامب في هذا الصدد، فهو في نفس الركب الذي لا يريد للاجئين عودة. ولكن في وقت يعلن فيه ترامب إيقاف دعمه للاونروا، ونيته عن اعلان إلغاء حق العودة . ولكن في وقت أعلن فيه الرئيس أبو مازن مرارا وتكرار عن توقيفه للتنسيق الأمني وتجميده وتلويحه بفضه، بين اجتماعات اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي وغيرها، يقوم أبو مازن بالتفاخر بتصريحه بأنه يلتقي رئيس الشاباك الإسرائيلي أسبوعيا، اونه يتفق مع الشاباك بنسبة ٩٩٪، فهذه مصيبة …. بل كارثة. هل كان التنسيق وثيقا عندما تم اغتيال باسل الأعرج وأحمد جرار؟ هل كان التنسيق وثيقا ومتفق عليه بنسبة ٩٩٪ عندما تدك غزة وعندما تجتاح الدبابات الإسرائيلية الضفة وعندما يتم اصطياد الشبان كما تصطاد العصافير؟
ليس لأننا لا نعرف هذا، وليس لأننا نشك في الامر، وليس لأننا تغاضينا أو نسينا أو غضضنا الطرف عن عبارة التنسيق الأمني المقدس. ولكن من اجل حفظ ماء الوجه مع الأعداء أنفسهم. فنتانياهو نفسه يقوم بالتحايل على الشاباك ويختلف معه أكثر من الاتفاق بنسبة قد تكون ٩٩٪!!!!!
طبعا إذا ما قسنا اتفاق أبو مازن مع الشاباك بهذا القدر، فمن البديهي اختلاف نتانياهو معهم. لأن نتانياهو ينظر لابي مازن كعدو مهما حاول أبو مازن التقرب إليهم.
هل يؤمن أبو مازن بالفعل أن من يزوره بالمقاطعة من وفود إسرائيلية مختلفون عن نتانياهو؟
الكارثة في باقي تصريح أبو مازن في ذلك اللقاء هو طرحه لموضوع الكونفدرالية مع الأردن.. والحمد لله أن الأردن ليست فلسطين ، فلا يمكن استباحة سيادتها كما تستباح فلسطين.
أستغرب وبحق كيف يتعامل الرئيس الفلسطيني مع هذه الأمور. عندما اسمع كلامه في اللقاءات، اتفهم طريقته، لأنني فلسطينية، وهناك عادة ربما في السياق الفلسطيني، يترتب عنها الانفتاح والتقرب الى الاخر بالكلام، والتأقلم السريع ووضع الثقة، ومعاملة من يجلس امامنا كأنه من باقي العائلة. يعني أحاديث غرف الجلوس الفلسطينية. ولكن عندما أتذكر ان من يتكلم هو الرئيس، اشعر وكأنني اريد ان اصفع وجهي لأصحو من هذه المصيبة. أنا كمواطنة ساذجة، غير مسؤولة، لا أفقه الالف والباء من السياسة، انتبه في حديثي الذي اجريه في السياق العام وذلك في السياق الخاص. انتبه كذلك انه ليس كل من اجري معه حديثا واشرب معه فنجان قهوة أستطيع ان افيض له ما طاب لي من مشاعر وكلام.
المشكلة، ان الرئيس لا يأبه في حديثه المريح سواء في اجتماعاته مع هيئاته التي يرأسها من سلطة ومنظمة ومركز وغيرها، فيتكلم براحة يقول بها ما يرتاح له لسان حاله، ولكن ان يكون الرئيس في نفس الراحة مع الجانب الإسرائيلي، فهذا بالفعل مريب.
وهنا ندخل في مسألة التمايز فيما يتم التصريح به بهذا المجلس وذاك. فعندما ترفع شعارات العودة واللجوء وتحرير القدس في منابر المجالس المحلية والتهديد والتلويح بوقف التنسيق، ثم نسمع من نفس الانسان تأكيدا وثيقا بقوة التنسيق والتأكيد على التعامل المباشر والدوري مع الشاباك، ومن ثم يتم اقتراح كونفدرالية تأخذ الأمور الى مجرى خطير جديد، يدخل فيه دولة سيادة أخرى، فان هناك بلا شك خلل كبير.
هل يعمل عقل الرئيس ومن يملي عليه الاستشارات بأن ما يقال في هذا المجلس لن يخرج منه، وما تتناقله الجهات الإسرائيلية لن يصل الى الجمهور الفلسطيني؟
كنت اظن اننا تعدينا هذه المرحلة من الخطابات الارتدادية التي تعودت فيها القيادات العربية على مخاطبة الجماهير في السبعينات، وفهموا اننا اليوم في عصر الانترنت.
في كل مرة يخرج بصيص امل من الشارع الفلسطيني في إمكانية ان يقلب أبو مازن الطاولة على إسرائيل، نراه يقلبها علينا.
محبط ومحزن ومؤسف ما يجري.. فأبو مازن يصر على مسح كل فرص التعاطف معه ومحاولة فهمه او تفهمه في كل مرة يلتقي فيها بوفد إسرائيلي. في كل مرة نراه مرتاحا مع نفسه خلال لقائه معهم، ومتلعثما يقرأ مما أملي عليه في طلاته القليلة في خطابه للجمهور الفلسطيني. في كل مرة تصبح لغة التنظيم هي لغة الحوار في المجالس الممثلة لما نسميه فلسطينيا.
في كل مرة يصر فيها أبو مازن على عدم انتمائه لهذا الشعب.
في كل مرة يصر فيها أبو مازن ان الهوة ما بين ما يعيشه ونعيشه تزداد عمقا.
في كل مرة تصر السلطة فيها على التمثيل على نفسها وعلى الشعب بأنها سلطة ذات سيادة….
في كل مرة تصبح فيها زلات الرئيس في عباراته نهجا حقيقيا لما يمثل حكمه وفلسفته.