نحن المسؤولين عن الحوادث المروعة، أفراد أولا ثم حكومات
لماذا كل هذا الهلع والغضب لحادث السيول الذي أودى بحياة ١٧ طفلا على الأقل؟ بينما سمعنا عن حادث تفجير حافلة الطلاب باليمن وابادتهم العشرات ولم نصب لجام غضبنا على أي حكومة. حكومة الأردن الشريكة بالعلن او بالخفاء بالحرب على اليمن. السلطة الفلسطينية التي تشيد بديمقراطية النظام السعودي.
الموت بكل اشكاله صعب، فكيف عندما يكون موت أطفال بهكذا طريقة مؤسفة.
لم يغب عنا هكذا حادث في فلسطين قبل أعوام قليلة عند مفترق جبع. أعاد هذا الحادث اليوم نفس الالام في حادث حافلة الأطفال في جبع.
قبل أيام قليلة قتل ٣ طلاب جامعيين على احدى الطرقات، قبل أشهر بلع نفس المفرق في جنين العديد من الشباب وفي حوادث متتالية. في صبيحة أحد الأعياد لقيت ام وأربعة أبنائها حتفها في حادث مروع على أحد مداخل رام الله. حوادث مميتة على مفرق أبو ديس وأخرى بوادي النار تكاد تكون شهرية. حوادث من السهل حصرها وعدها وتثبيت كم المأساوية التي تقع على كتف الكثيرين بلا حساب او ردع..
من الملام في هذه الحوادث؟
البنى التحية غير المؤهلة للاستخدام البشري لهذا الزمن؟
تهور السائقين بين سرعة وعدم انتباه وعدم احترام او اتباع لقوانين المرور؟
عدم تأهيل الحافلات في الكثير من الحالات والنقل بصورة خاصة مما يزيد من نسبة الحوادث القاتلة؟
حادث الأردن الأخير اعد الى الاذهان حادث حافلة جبع. لم نعر الكثير من الاهتمام لحياة الأطفال الذين جرفتهم السيول في النقب بنفس الظروف قبل يوم واحد.
من السهل لوم المدرسة والحكومة والتربية والتعليم والبنى التحتية والسائق. والأفضل طبعا ان يكون المتهم أكثر أهمية. لكني لم أستطع الا التساؤل، لم المطالبة بإقالة وزير التربية والتعليم؟
على من يقع عاتق ارسال الطلاب في تلك الرحلة؟
الوزير، المدير، المعلم المرافق، السائق، ام الاهل؟
لماذا لا تحدث هذه الحوادث في بلدان أخرى؟
عندهم بدل السيول فيضانات واعاصير.
كيف ومتي نحمل السلطات المسؤولية؟ اليس من الاجدر ان نتحمل نحن الاهل المسؤولية أولا؟
هل كان تغير المناخ وتوقع السيول سرا تستثني فيه الأرصاد الجوية الاهل؟
لنقل ان المدرسة لم تنتبه، وان السائق لا يتابع الاخبار، الم يكن هناك والد او والدة على قدر المسؤولية بعدم ارسال ابنه او الاعتراض عن الرحلة. لو تقدم الأهالي الى المدرسة بطلب او تنويه، الم تكن المديرة لتلغي تلك الرحلة؟
نحن شعوب نعيش حياتنا على الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل. والاعلان عن التغير في حالة الطقس يتناوب عليه المدونون والمغردون والمتابعون من كل الاطياف، اين كانت مسؤولية الافراد في هذا الحادث.
من السهل لوم المسؤولين، ولكن المخطئ الأول في هذه المصيبة هو كل والد ووالدة لم يعر تغيير الطقس في هذا اليوم أهمية ولم يكن في قدر المسؤولية للتكلم او الطلب او محاولة الغاء الرحلة.
هكذا نحن كشعوب تقترن حياتها بالمصائب.
هناك مشكلة حقيقية في الحس الجمعي بالمسؤولية. يبدأ هذا بالسلوك البسيط، لما يعنيه الالتزام والاهتمام بالمجتمع.
يبدأ هذا بمنظر الشوارع الممتلئة بالنفايات في شوارعنا واحيائنا. في طريقة تصرفاتنا على الطرقات من عدم احترام للقوانين والاخرين. كل ما يريده الواحد منا هو الوصول الى غايته، لا يهم على حساب من. كل يوم نخرج فيه الى الشارع نكون عرضة لمصيبة ما، مصدرها قلة الاخلاق وانعدام القيم الجمعية. تلك القيم التي تنادي بالاهتمام العام من اجل ان يكون الشخصي أفضل، وليست القيم التي تبدأ وتنتهي بالشخص.
استوقفني كثيرا هذا الصباح، مجموعة من النساء في المطار. كنا على نفس الطائرة، فكانت التجربة معهن منذ الاصطفاف الأول في طابور الانتظار. في كل طابور كنت اشعر بأحد ما يزاحمني. لم يعر احدى النساء أي نوع من الخجل بينما حقيبتها تضرب في ظهري وكأنها كلما اقتربت مني أكثر في زحام خانق لم يكن أي داعي له ولن يغير التزاحم من امر الانتظار شيء. وكأنها هواية. تدخل الطابور واحدة من طرفه ثم تشق طريقها الى الصف وتجد ثلاثة فأربعة فخمسة فستة صاروا امامك. وكأن من حولهم غبي لا يرى ولا يفهم ولا يعي. كل هذا من اجل ماذا، التقدم خطوة للجلوس في مقعد معد بالطائرة؟
استمر الامر نفسه في كل طابور. منظر محبط، محزن، مزعج. لم تكن تلك النسوة من بيئة يمكن القول عنها اقل درجة في سلم المجتمع، وفي هذه الحالة، التي لم تكن استثنائية، بل تعيد نفسها في كل مرة، كن من القدس، وعند اختلاس النظر الى بعض الأسماء، كانت أسماء العائلات مألوفة، ولو اردت لوم العمر، فلقد أحبطت عشرينية متزينة بينهن امر حكمي عليهن.
المقصد من هذا الكلام هو التأكيد على ان المسؤولية تبدأ من كل فرد. من كل فرد يضع نفسه امام مسؤولية جمعية تحسن او تؤدي الى كوارث.
ان غياب الوعي الجمعي، وعليه الاهتمام، يؤدي الى هكذا حوادث.
هذا الحادث لم يكن ليحصل في مكان اخر، لأن الاب والام لطفل ما في مدرسة ما، يعوا جيدا ان امن الاخرين هو امن ابنهم. ان المدرسة مكمل للبيت لا جسم منفصل عنه. فما يغيب عن المدرسة من أمور يجب الا يغيب عن البيت.
ما الذي جنيناه اليوم من القاء لوم على جهة ما؟
هل تخلصت ضمائرنا من عذابها وارتاحت؟
كم يختلف هذا المصاب عن مصاب بيع العقارات في القدس. عندما اكتفينا باللوم والشجب، ويخرج المسربون ليدافعوا عن أنفسهم ويدخلوا بدائرة اللوم على أحد اخر ما، وها هي العقارات تتسرب من بي أيدينا ونكتفي بالنظر.
حياة الأطفال انتهت، ولكن لم تنته الكوارث التي ستعيد نفسها ربما في نفس الأماكن، لان الوعي الجمعي كما المسؤولية الجمعية مفقودة في نهجنا.
في اللحظة الذي يأخذ الفرد منا على عاتقه مسؤولية تصويب خلل ما، بلا التفكير بكم مكسبه الخاص او مخسره منه. في اللحظة التي يفكر فيها الفرد منا ان الأوطان تبنى بالتكاتف والتكافل والاهتمام. في اللحظة التي تحترم فيها الاخر مهما كان، ونراعي في النظام والاهتمام على انه امر الخاص فيه هو العام. عندها فقط ستنتهي هذه الحوادث. وان لم تنته ستخفف على الأقل كارثيتها.
لأنه وقتها فقط، سيصر والد ان الرحلة في طقس سيتغير لن تحصل.
عندها فقط سيفكر المدير ان التزامه نحو الأطفال ليس بعدد الرحلات ولكن بالأمن أولا.
عندها فقط يستطيع السائق ان يرفض الذهاب في رحلة مهلكة…..
لأن الاب لن يتم مقاطعته من قبل الاخرين لتخريبه الرحلة، والمدير لن يتم تأنيبه وتحذيره لتأجيل الرحلة، والسائق لن يتم استبدال خدماته بسائق مستعد للمغامرة بلا أسئلة.
عندها كذلك، نكون قد احترمنا الوقوف بالطوابير، وفكرنا ان الشارع النظيف من نظافة بيتنا. وايقننا ان احترام القوانين على الطرقات هي امن لحياتنا وحياة احبتنا من قريب وبعيد.
One comment