رامي الحمدلله …زوغزوان لعبة الشطرنج العباسية
زوغزوان، مصطلح يتم إستخدامه في نظرية توليفات اللعب، وتعني تغيرا مباشرا في نتيجة اللعب من الفوز إلى الخسارة. إلا أنه في لعبة الشطرنج يستخدم ليساعد الجانب المتفوق على الفوز بالمباراة، وفي أحيان كثيرة تكون وضعية الزوغزوان تظهر في نهاية اللعبة، وعليه تعتبر مهمة.
بداية، أنا لا أفهم بالشطرنج ولست بكاسباروف بطل العالم السوفياتي السابق؛ ولا ببطلة العالم الحالية ؛ مثل ماغنوس كارلسن . ويمكن حسم اللعبة معي من أول عشر دقائق إذا ما فكرت باللعب. ولكني مثابرة في متابعتي للعب الشطرنج الذي نشاهده كطريقة حياة للمسؤولين. في حالتنا، فإن اللعبة أحادية الجانب يلعب أطرافها ببعضهم البعض. فالملك وأحد والوزراء كثر {والملكة تعبيرا مجازيا عن الوزير} يمكن ضمانها في زيارة خاطفة لهيئة المرأة. فبعد الضمان المبدئي بأن الخصم غير موجود، تأخذ اللعبة بما يشبه العته في تبديل أماكن البيادق وتحريكهم كما يهيأ للملك من قبل وزرائه. المهم بقاء الملك محصن في قلعته يتجول كلما أراد، ويستمتع وزرائه ومعاونيه بما يبقيهم جميعا في نعيم.
ولكن هناك حد للمط في زمن اللعبة وها نحن إقتربنا من مرحلة الزوغزوان.
فالبيادق (الشعب) تم استهلاكهم لدرجةأصبح إسمه “البين” (كلمة مرتبطة بمثل شعبي يقول: رضينا بالبين والبين ما رضي فينا)، وهي ما يمثل آخر إعتراف لأحد الفيلة (الفيل هو أحد قطع الشطرنج وقيمته النظرية ثلاث بيادق يتحرك الفيل بعدد إختياري من المربعات يمكنهالقفز قوق القطع التي تعترض حركته) على رقعة الشطرنج الفلسطينية.
الرقعة الفلسطينية مليئة من هذه الفيلة بأمثلة كثيرة تقفز فوق الشعب وتركله وتستهلكه ثم ترميه. من المعروف كذلك عن دور الفيل بلعبة الشطرنج، وهذا دور تبدل وتطور مع الزمن، حيث يمكن لملك وفيلين إماتة ملك وحيد والقيام بأنماط مختلفة من الإماتات، وهنا قد تكون الأمثلة كثيرةفي ساحة فلسطين من اللعبة، حدث ولا حرج!
والفيلة في لعبتنا الفلسطينية، لهم مزايا كثيرة وأسماء متعددة، والكل يريد أن يصبح فيلا. فالفيل له راتب مدى الحياة وسيارة وحارس ومزايا يمكن أن تورث وأخرى تنفذ بتوقيع به ترويسة الملك.
أما دور“ الملكة [الوزير]” ، والذي تصل قيمته النظرية في اللعبة إلى تسع بيادق، فإن قيمته الأهم بإتساع رقعة حركته بعدد غير محدود من المربعات أفقيا أو عموديا أو قطريا، وله الحق مع الملك إماتة ملك وحيد والقيام بأنماط عديدة من الإماتات.
إلا أن تطور الملكة في لعبة الشطرنج لا يمكن مقارنته بملكة أو وزير“ اللعبة الفلسطينية“. فلقد شهد دور الملكة تغييرا مثيرا على مر التاريخ فكان أول تغيير في الحركة السماح لها بالقفز ثلاثة مربعات قطريا في النقلة الأولى لإبقاء حركة الملكة تحت سيطرة الملك وتم تقييد ترقية البيدق إلى ملكة إن لم يتم أخذها من قبل.
الملكة– الوزير تلعب دورا مهما في نهاية اللعبة، وهناك حتى النهايات يكون الفوز فيها للملكة، حيث يتم ترقية بيدق الملكة والقيام بإماتة الملك بالملكة “الوزير“، وتعتبر هذه من أسهل الإماتات الأساسية.
ولكن في حالة ملكتنا–الوزير– من الصعب إيجاد بيادق لا ينتمون بالولاء والطاعة للملك. فالقلعة محصنة ويدفع لها من ملك للعبة شطرنج كبيرة، يشكل فيها ملك الشطرنج الفلسطينية أحد خطوط المربعات التي تحوي بيدقا.
والقلعة مليئة ببيادق الملك، بيادق خفية يتم إستنساخها كما تم إستنساخ العنزة دوللي، فأموال التنسيق الأمني يمكن أن تصنع من العنزة رجل أمن يحمي ديار الوجود الصهيوني لوقت أبعد.
بعيدا الآن عن الشطرنج واللعب، لنركز قليلا بالساحة الفلسطينية.
ما الذي جرى مع “رئيس الوزراء رامي الحمدلله“، لتتم إزاحته كمن يمحي كلمة من ورقة؟
الرجل حتى أيام قليلة مضت، كان يتحرك بحرية ويمارس دوره براحة واضحة. قانون الضمان الاجتماعي فوق أي حراك ومع الضمان حتى التخلص من آخر مواطن، كان شعار الحكومة.
فتح لجنة تحقيق بحق الوزير الأعرج الذي سب الشعب وقال: “رضينا بالين والبين ما رضي فينا” لم تغير ساكنا ولم نسمع أي إعتراض أو تفويض لرئيس الوزراء الجالس بثبات على مهامه.
إقالة مفاجئة للنائب العام بحجة عدم شرعية تعيينه، لم تستدع حتى تعليق من أحد.
شجب رئيس الوزراء وهدد بصوت عالي إذا ما دخلت المدرعات الإسرائيلية أحد مباني حكومته خلال جولات الأخيرة في رام الله على مدار الأسابيع.
وعلمنا من الصحافة الإسرائيلية، أن رئيس الوزراء أعلن عدم قبوله بالمنحة الامريكية بشروطها الأخيرة، التي من الممكن أن تجعل كل فلسطيني عرضة للمساءلة من قبل الكل الأمريكي. لا بد أن رئيس الوزراء خاف بالفعل أن تتم مساءلته على الصعيد الشخصي في لحظة قادمة ما، فوقف بصرامة ضد تلك الشروط.
فهل كانت تلك الشعرة التي قسمت ظهر البعير وأردته ليتم ضربه طعنات الموت الأخيرة؟
في وقت لا يمكن إلا وصفه بالأسوأ، على صعيد الواقع المعاش للفلسطينيين من كل الإتجاهات، فالسلطة تتهالك كمن أكلها العث وبات المشهد مقززا، وغزة تستباح علنا من السلطة كما من إسرائيل، والقدس تتهود وتتسرب فيما تبقى من معالم وعقارات وبنى تحتية وفوقية على مرأى العالم وأهل المدينة وكأن الامربالنسبة لهم أصبح تحصيل حاصل. رام الله تستباح من قبل آليات الاحتلال في رسالة واضحة بأن السلطة هذه يمكن إنهاؤها بجولة لمدرعة واحدة.
يصل الأمر إلى الإعلان بأن الحكومة القادمة ستكون حكومة فصائلية لا وطنية بلا حماس. لا خجل ولا إهتمام. وها نحن وصلنا إلى نهاية المهزلة، ستكون حكومة فصائلية، على إعتبار أن الفصائل كلها هي فتح. وفتح طبعا كلها هي فتح أبو مازن. وما تحتاجه المرحلة هذه هي بيادق وفيلة وملكة “وزير“ يموتوا ويفنوا ويذوبوا من أجل الملك الوحيد والأوحد.
والتنافس الآن بعد التخلص من رامي الحمدلله، إشتدتوطئته ليوصلنا إلى مرحلة مخزية في قضيتنا. فالصراع على المناصب التي يتم تدويرها بين أبناء حزب أبو مازنأصبح كمن يعيش في خرابة. هذه الخرابة نحن الشعب ويتم الدوس عليهم من أجل تنافس الضباع المستميتة على جيف ما تبقى من وطن.
مهزلة وقلة قيمة لشعب لا يزال يتلقى الضرب من كل الإتجاهات وهو قابع تحت الإحتلال.
قبل أقل من شهر تم إعلان لانتخابات نعي جيدا بأنها لن تأتي، ومع هذا، وكأنهم في وضع يريدون فيه كسر هذا الشعب والتأكيد من عدم أهميته، يأتي اليوم خبر التسابق على منصب رئاسة الوزراء الجديد.
رامي الحمدلله أقل الخاسرين في كل الأحوال…
فرقعته التي يتربع على عرشها لا تزال تحت سيطرته… جامعة النجاح تنتظره رئيسا مفرغا، بحركة زوغزوان نهائية.
ملك “الكاتب سعد الله ونوس“ في مسرحيته {الملك هو الملك} يضوج ويبحث عن تسلية . ليجد أبا عزة التاجر الملفس ،فيلبسه ثوبه ويجلعه ملكا كي يضحك ويرفه عن نفسه . فهل يكسر ملكنا جداره الرابع ، ويبحث عن أبو عزة جديد من رعيته ، ولكنه غير مفلس . بل غنيا بثوابته ووطنيته ، خادما لشعبه.