حمى الانتخابات الإسرائيلية بين قاطع وشارك … نحو نتانياهو أو غانتس

 

 

 

في كل حملة انتخابات كنيست إسرائيلية، أقرر عدم الكتابة في الموضوع لعدة أسباب: الأولى شعوري بالغيظ لمعاصرة انتخابات إسرائيلية، الواحدة تلو الأخرى، بينما أعيش كفلسطينية حالة انتظار لانتخابات محتملة او متوقعة. المصيبة في هذا السبب، ان فكرة احتمالية الانتخابات الفلسطينية لم تعد تثير غيظي او تمنياتي، لأنها لم تعد موجودة أصلا. الثانية هي فكرة ان الانتخابات الإسرائيلية، تعتبر شأن إسرائيلي خالص، لا يهم ان تغير فيه وجه لوجه اخر، فكلهم في القبح واحد، وفي سباق العنصرية والفاشية متزاحمين. والثالثة، مرتبطة بالثانية، بأن القادم لن يؤثر أكثر بالسوء او اقل امام قضيتي، فإسرائيل بالبدء والنهاية كيان مستعمر كل ما تقوم به باطل.

ولكن، كما في كل مرة، حمى الانتخابات تتصاعد، لدرجة تشعر بها أنك ان لم تفهم ما يدور قبل انتخاب الرجل المسيطر القادم، ستدوسك عجلات صفقة القرن هذه المرة.

من ناحية حرب ضروس مشتعلة ما بين غانتس ونتانياهو، او بيني وبيبي. بنيامين غانتس الذي خدم كرئيس هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال، والذي شارك في حروب كيانه منذ حرب لبنان الأولى، والانتفاضات الفلسطينية، وحرب لبنان الثانية. ولد في مستوطنة لوالدين من رومانيا، وما يعتبر يساريا في إسرائيل لا يمكن اعتباره اقل تشدد من أي يمين فيها.

أما بنيامين نتانياهو، والذي يكبر بني بعدة سنوات، تخضرم مع السنوات ليحارب حروبه الضروس من اجل الانتخابات. حياته لا تختلف عن خصمه عند المرجع العسكري، فخدم بالوحدات الخاصة بالفترة بين ١٩٦٧ و١٩٧٢. وهو من مواليد تل أبيب (الشيخ مؤنس) لأب بولندي وام أمريكية المولد.

ولو أردنا تتبع سير حياة كل المرشحين في معركة المقاعد على الكنيست، لرأينا تشابها كبيرا بين الجميع.

التغيير هذه المرة في موضوع الانتخابات، هو دخول أمريكا وروسيا بصورة مباشرة من اجل دعم نتانياهو، كما رأينا بالأمس بتدخل روسيا المثير للدهشة بهذا الشكل من “الوقاحة” بدعم نتانياهو من خلال خرق سيادة سورية، بإرجاع رفات جندي إسرائيلي الى الكيان الصهيوني.  وسواء قامت روسيا بأخذ الرفات خفية عن الرئيس السوري، او بالاتفاق معه، فلق عرضت السيادة السورية لهزة حقيقية، في مسألة دور روسيا في سورية الذي يبدو وكأنه احتلال اخر، إذا كانت سورية لا تملك حق ما يوجد على أراضيها. المخزي في الموضوع هو التوقيت، الذي يمكن ان يكون سيئا فقط، بالوضع العادي، ولكنه مأساوي، وذلك القيام بتقديم هدية الى نتانياهو تزامنا مع اعلان أمريكا الجولان أراضي إسرائيلية.

من الواضح جدا، ان هناك رغبة دولية بكسب نتانياهو لهذه الانتخابات، لان هناك تغيير جوهري على وشك ان يحصل بالمنطقة، وستؤدي خسارة نتانياهو بالانتخابات الى البدء من جديد في وحل محاولة إيجاد “تصفية” مناسب للقضية الفلسطينية ودول الجوار.

من الناحية الأخرى هناك حرب في الوسط العربي مستعرة الوصيد، بدأت منذ اعلان الانتخابات بين الكتل والأحزاب والجماعات والافراد بين مقاطعة او مشاركة في الانتخابات. في البدء كانت الحرب بين الأحزاب وكيفية مشاركتهم، ليدفعوا على ما يبدو بعد اتفاقهم (المحدود) ثمنا جديدا متعلقا بمشاركة او مقاطعة الفلسطينيين في الداخل المحتل للانتخابات.

لا يمكن عدم التفكير بأن أحد الأسباب المباشرة لمقاطعة الجماهير العربية للانتخابات، مرتبط بعدم الثقة بالأحزاب العربية خصوصا بعد ازمة انحلال او التهديد بإحلال القائمة العربية المشتركة التي بدأها احمد الطيبي بعيد الإعلان عن موعد الانتخابات. فكان من الواضح ان الحرب الدائرة على المشاركة او عدم المشاركة متعلق بأطماع سياسية بعدد المقاعد تحت قبة الكنيست.

خرج من الانشقاق هذا مشكلة حقيقية بذهاب الكثير من الأصوات علنا للأحزاب الصهيونية، كما تبين ان الأحزاب الحالية تتبنى الصهيونية كأداة مباشرة تستمد منها شرعيتها، فالتحالف (الاجتماع) مع نتانياهو وغيره كان موضع الانتقادات للكثيرين.

وهناك من يدافعون بمبدئية عدم المشاركة بالانتخابات، بصفتهم الفلسطينية الطبيعية التي ترفض ان تشرعن الاحتلال والجلوس تحت قبة مجلسه التشريعي وحلفان قسم الولاء امام علم الاحتلال. وهؤلاء باتوا قلة مهمشة، لدرجة صاروا اشبه بحركة نتورى كارتا اليهودية اللا صهيونية. تسمع ما يقولونه ويرددونه من مبادئ وطنية، وتظن انهم زمرة تعيش في عالم افلاطوني مستحيل التحقيق.

فالغالب هو الاندماج المبني على الخنوع والولاء أولا وأخيرا للحصول على بعض حقوق المواطنة السلبية او الدرجة الثالثة. اندماج صار امرا واقعا نراه في كل التفات. فإسرائيل بالنسبة لهؤلاء الأكثرية هي الواقع الوحيد المراد الاستمرار به، والهوية الفلسطينية المتمناه، واقع افتراضي يعاش به في المظاهرات السلمية وعلى صفحات التواصل وفي الجنازات واحياء أيام نكبوية موسمية.

في المحصلة، مشاركة العرب الفلسطينيين سواء ذهبت لأحزاب عربية، او ذابت ولم تستخدم، فان النتيجة واحده: فوز نتانياهو او غانتس، وفي الحالتين لا امل او احتمال لأي تغيير او تواجد في أي تشكيل وزاري لا يريد العربي ان يكون به، لأنه بالمبدأ “عليه” او يرفض هذا. لان العربي بالكنيست يمكن ان يجلس على المقعد ولكن لن يقبل ان يكون وزيرا في حكومة هو ضدها. وفي كل الأحوال ومع أي حكومة، فلن يكون هناك حكومة يكون للعرب فيها قيمة.

أنتم مجرد “دخلاء” على كيانهم، الأفضل منكم الميت.

ولمن يلهث لهاث المستغيث بشرعية وجوده من خلال الكنيست، مدعيا عدم وجود افاق أخرى او حلول بديلة.

هناك حلول بالمقاطعة، فوجودكم بالكنيست يعطي شرعية للاحتلال، ولا يعطيكم شرعية الوجود.

يعطيهم شرعية التبجح والعنصرية والمن عليكم، ولا يعطيكم حق كونكم أبناء الأرض الاصليون.

يعطيكم درجة دنيي من المواطنة ويأخذ منك اصالة وجودكم.

لو قاطعتم الانتخابات لأفسدتم شرعيتهم…

بالتواجد العربي تحت هذه القبة العنصرية الصهيونية الفاشية، أنتم فقط بوق لتأكيد ديمقراطيتهم.

فهل أسقط وجودكم بالكنيست قانون القومية الذي مرر امام عيونكم؟

 

 

اترك رد