الرئيس “سيقرر” سحب الاعتراف بإسرائيل
نقلت المواقع الفلسطينية، عن مصادر فلسطينية، عن نائب رئيس حركة فتح، عزم الأخير إبلاغ الدول العربية سحب اعترافه بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني ” المقدس”.
في العادة أجري حديثا أحادي الجانب مع الرئيس، وأعطيه أفكاري ونصائحي العظيمة. الا انني انظر الى العناوين هذه المرة وأفكر، كم هو غير مجدي هذا الحديث الأحادي الجانب، الذي يؤثر تدريجيا على الاعصاب والصحة. فهم الوطن عظيم، لم يعد الكلام مع الرئيس او غيره سيؤثر على انهياره المحتم.
التأمل في تصريحات الرئيس ومن يمثلونه، مثيرة للشفقة. فلم يبق للرجل ما يقدمه من تنازلات. علينا فقط التخيل ان ما بقي من “قوة” بيد الرئيس هو التلويح بتوقيف التنسيق، الذي أعلنه من قبل مرارا ولم يتم تنفيذه. وموضوع الاعتراف بإسرائيل الذي لا يعني لإسرائيل او غيرها أي شيء. فإسرائيل لم تعد بحاجة للفلسطينيين من اجل شرعنة وجودها، فهي تنام في أحضان الدول العربية ” الشقيقة” متى أرادت، وتستبيح “ضفة” الرئيس المعززة بالمستعمرات والحواجز والجدران والسياج متى شاءت، فتعتقل وتهدم وتقتل، وأمن الرئيس آمن على رئيسه ورجاله. وبينما يجول الرئيس الفلسطيني “الوطن العربي” من أجل طلب “قرض” مقابل مستحقات الضرائب الفلسطينية المحتجزة من قبل إسرائيل.
تخيلوا إلى أين وصلنا، إسرائيل تحتجز أموال الضرائب التي دفعناها نحن الشعب مقابل مشترياتنا من إسرائيل، وإسرائيل تحتجزها، والسلطة تريد هذه الأموال من اجل دفع رواتب موظفيها (أو هكذا يقولون). في الطرف الآخر للسلطة والضغوطات او بالأحرى التلويح بالضغوطات على إسرائيل، هناك موضوع توقيف التحويلات الطبية للمرضى الفلسطينيين الى المستشفيات الإسرائيلية، ومحاولة الرئيس كذلك تحويل المرضى الى مستشفيات في الدول العربية.
بعد ما يقترب على الثلاثة عقود من “بناء المؤسسات الفلسطينية”، وبعد ١٨ حكومة، يشملها ١٨ وزير صحة (الأرجح ان الرقم يمكن ضربه باثنين، لان هناك بالمقابل وزير فاعل في غزة)، وبعد الأرقام المالية بالمليارات التي تم ضخها في جيوب السلطة المختلفة، وبعد ما نسمعه يوميا من إنجازات فلسطينية في مجال الطب واختراعات فردية تبدو لمن يتابعها، مهمة، وبالتالي يبدو ان هذا الشعب متفرد بالإنجازات، وحتى هذه اللحظة، يعتمد قطاعنا الصحي على التحويلات الى المشافي الإسرائيلية.
مدير مستشفى هداسا الإسرائيلية، لم يستطع حتى تحمل فكرة توقف التحويلات لما يدره المرضى الفلسطينيين من أموال على المستشفيات الإسرائيلية، وناشد الرئيس عباس بعدم وقف تحويلات المرضى.
هل نعيش مهزلة أكبر من هذه؟
الحقيقة تعدينا مرحلة الهزل بهذا الامر ودخلنا مرحلة “اللطم” على شدة البلية.
بينما تحصد إسرائيل إنجازا تلو الاخر في تمكين الاحتلال وتأكيده، وجعل الامر الفلسطيني مسألة يمكن حلها بتقديم خدمات على حساب الفلسطيني او الدول العربية المجاورة او أوروبا وإذا اقتضى الامر أمريكا، لا تزال السلطة الفلسطينية تلوح بمفاوضات لا تعني إسرائيل. فمن اجل ماذا تفاوض إسرائيل ولقد حصلت على كل ما تريد وأكثر بلا عناء وبتنسيق فلسطيني محكم، او بالأحرى مقدس.
هل بقي للرئيس الفلسطيني ما يتنازل عنه؟
وهل بقي لأولي السيادة من مستشارين من أفكار تسحب من تراب هذه الأرض لتحولها الى ذهب تفاوض عليه إسرائيل؟
وهل بقي للسلطة مكان أكثر من المقاطعة والفلل والوزارات والمؤسسات المهيمنة على مصادر رزق الانسان الفلسطيني العادي؟
العرب يهرولون لإرضاء أمريكا وإسرائيل. والتنسيق والتطبيع بالعلن، وحق إسرائيل بالوجود صار شعار الكثير من دول الجوار العربي الإسلامي. فهل للسلطة مكان في المسألة العربية الإسرائيلية؟
بينما تضيق الأرض وينعدم الأفق من الحلول.
أبو مازن والسلطة والمنظمة خسروا اقرانهم العرب، منذ تحويل القضية الفلسطينية الى شأن فلسطيني يستطيع الفلسطيني صاحب السلطة فيها التنازل والتنسيق والتفاوض وكأن إسرائيل هي الشريك وليست العدو المحتل.
بقي امام أبو مازن امر واحد ممكن، لا اعرف ان كان سينجح به، لأن الشعب لم يعد يثق به. فهو والسلطة وفتح والمنظمة، لا يدركون او يرفضون إدراك ان الشعب هو آخر لا ينتمي لحزي يستفيد منه، سئم مما يجري، وفقد ثقته، ووصل هو الاخر لمرحلة يفكر بجدية بأن الاحتلال قد يكون بالفعل هو الحل الأفضل. يعني بالمحصلة فإن الكثيرين من افراد الشعب وصلوا الى مرحلة يرون فيها إسرائيل كحل أفضل. وما جرى من انتخابات أخيرة في إسرائيل، وذهاب أكثر من ثلث الأصوات العربية (من المنتخبين) فيها لأحزاب إسرائيلية صهيونية، كان للسلطة جزء من دعم هذه الأحزاب فيها (كدعم السلطة لحزب ميريتس) (وقد تكون المطالبة التي تم تداولها من قبل مكتب رئيس لجنة التشبيك مع الاخر(إسرائيل) الى رئيس السلطة محمود عباس بدفع ١٥ مليون شيكل تكلفة نفقات المساهمة بالانتخابات الإسرائيلية، دليلا قاطعا على ضلوع السلطة في انتخابات “الاخر” على حسب تعبير المطالبة).
ولا اعرف ان كان أبو مازن سيسمع او يقرأ ما أقول، فلقد ذهبت نداءاتي واستغاثتي الى عرض الحائط في أمور اقل أهمية ويستطيع هو البت فيها، كخروقات السلطة في شأن امن المواطن الفلسطيني، من جرائم قتل النساء، كقضية نيفين العواودة التي دفنت وشاع سرها ويجول قاتلها بلا حساب، وسحل المواطنين كما جرى في نابلس قبل أسابيع قليلة من قبل الامن الفلسطيني، وكمقتل شاب في نفس الفترة في سجون السلطة، وكإطلاق النيران الكثيفة وتهديد السلامة العامة في احتفالات فتح في فوزها بفروق الأصوات بانتخابات جامعة بيرزيت.
لو كنت مكان الرئيس في هذه الأوقات التي ينتظر فيها كغيره اعلان صفقة قرن لا يعرف تفاصيلها أحد، لأعلنت منح الجنسية الفلسطينية للفلسطينيين في داخل إسرائيل المحتل والقدس.
لن استرسل بفكرتي “التي سيكون وقعها جنوني”، لأني اعرف ان الرئيس لن يستجيب، والأكثر، لا اعرف ان كان الشعب نفسه يريد حتى التلويح بهذه فكرة…. لأن الحلم الفلسطيني بأرضه لم يعد يتعدى بيت الفلسطيني وعائلته ومصالحه المباشرة.