أزمة الرواتب الوزارية: مسؤولية وزير ام الرئيس ؟
فشل نتانياهو بتشكيل حكومة جديدة بعد فوزه ( بتزكية رئيس دولته) بالانتخابات الاسرائيلية الاخيرة ، اثر معركة سياسية على المقاعد والوزارات استأسد فيها ليبرمان، وزير حرب حكومة نتانياهو السابق ، واراد هذه المرة ان يصبح نائبا لرئيس الحكومة مع حفظ خمس مقاعد لحزبه. لا يمكن عدم التنويه هنا الى ‘فكرة’ ليبرمان التي تجعل منه دائما مثل حصان طروادة في كل انتخابات . يبدو ان ضغوطه على نتانياهو هذه المرة كانت ستكلف نتايناهو بالاضافة الى خسارة معسكر اليمين الديني المتطرف والمستوطنين، أدت كذلك الى شرخ ظهر في داخل حزب الليكود .
من المزعج بصراحة الخوض في موضوع الانتخابات الاسرائيلية ، والسياسة الاسرائيلية . من المزعج التكلم عن فسادهم وعن قوانينهم وعن انتخاباتهم المتتالية وعن مشاكلهم وسيادة القانون عندهم . لانه بالمقابل ، يوجد -عندنا- والعندنا فارغ من كل شيء ، الا ارتدادات أصواتنا . فعندنا فساد لا يقابله سيادة قانون . عندنا حكومات لا يقابلها انتخابات تشرع وجودها . عندنا نزاعات وحروب سياسية لا تتعدى المكاسب فيها اكثر من تحصيلات يحصدها فرد بعينه. وفي نهاية كل أزمة تتصدر التجاوزات كلام الشارع، فيخرج الأب الرئيس ليحلها وينهي المسألة، مرضيا بها افواه الشعب المعرضة لان تثور.
لا اعرف ان كان للكلام اثر ممكن . ولم اعد اعرف كذلك ان كان هناك اي حل ممكن تقديمه لأي مسألة يتم طرحها . هل السبب هو استفحال الفساد لدرجة صارت شراييننا تضخ بدل الدم فساد يبقينا على قيد هذا الامر المعاش؟
فلم يعد للقضايا المهمة تعريف ولم يعد معروف ما هو المهم والأهم : كل ما يجري في حياتنا الفلسطينية ما هو ارتداد لأصوات تحمل في طياتها غضب وسخط كامن لا نعرف ان كان من الممكن ان يتحول لغضب جارف يبطل في يوم ما سطوة هذه السلطة .
لم يعد ارتقاء شهيد بنيران الاحتلال على الحواجز في أواخر رمضان اكثر من تعطيل لفرصة المرور من الحاجز للقدس… والتبضع في الأسواق الاسرائيلية بحجة الصلاة في الأقصى!
لم يعد الغش في اللحوم من قبل تاجر كبير اكثر او اقل كارثية من غش الحزب في شراء وتوزيع أموال الصدقات من اجل الفقراء.
بينما تغير اسرائيل حكومات وتسقط وزراء ، وتكيد المكائد صوب الشرق ومع الغرب، تتوقف حياتنا نحو توافه الأمور لنجعلها الأهم .
موضوع رواتب الوزراء وسياراتهم ومواكب المستحقات التي تتكشف لنا بعدكل هفوة او استياء من شخص كان مهما في تركيبة السلطة ولم يعد. ما المفاجيء في رواتب الوزراء ولماذا لم تتكشف هذه المعلومات التي كان من المفترض ان تكون عامة الى الان ؟ أين منظمات المراقبة وشبكات الشفافية ولجان الفساد؟ لماذا كل هذا الهجوم على ما اقترفه رئيس الوزراء السابق وكأنه كان منفردا بالسلطة والأب الروحي للفساد ؟
أين كان الشعب بينما كانت المواكب تجول أمام نظره والوزراء يتصرفون وكانهم وزراء دول حقيقية . أين كان وزير المالية السابق الحالي؟
الأهم من كل هذا هو سؤال جوابه واضح، من هو المسؤول الحقيقي عن التجاوزات المتكررة ؟ هل هي مشكلة تقع على عاتق شخص رئيس الوزراء بذاته وحكومته السابقة؟ لماذا لم نسمع اعتراض ولم نعرف عن هذا التجاوز في حينه، في وقت ضاجت الشوارع فيه من اجل قانون الضمان الاجتماعي وحقوق المعلمين . كم يبدو الامر هزليا، حيث انه تم الاستهزاء بهذا الشعب الذي ثارت ثائرته ولم تهدأ من اجل بعض الشواكل من المحفزات ورفضها ، وكان الوزراء في المقابل يجلسون فيما بينهم ليخرجوا بطريقة تضاعف من رواتبهم بالاف الدولارات.
ما أعلن عنه الدكتور رامي الحمدلله بالأمس عن الوضع يؤكد انه لم يكن صاحب القرار في هذا الامر، بل جاء القرار بناء على مرسوم او قرار الرئيس. وبين ما تكلم فيه الوزير السابق شوقي العيسة وبين ما جرى بالفعل ، يبدو ان الامر قد خرج الى ما هو أسوأ من طلب وزراء بما يرونه حقهم بزيادة المعاش من خلال طاولة اجتماع مجلس الوزراء الى ذهابهم الى الرئيس مباشرة لطلب الزيادة ، والأب الرئيس هو من يستطيع العطاء … ويعطي… ولانه كان صاحب اليد العليا في القرار فكان له قرار سحب هذه الزيادات الان.
فهل الرئيس مشكورا كان عادلا وأعاد الحق الى نصابه؟
التعيينات في كافة المناصب السلطوية التي تصدر بمرسوم رئاسي ، التجاوزات، الاستحقاقات، الدفعات، وغيرها من الأمور الكثيرة التي تأتي لنا على هيئة تسريبات، ليست الا قشور مأساة حقيقية نعيشها لا عنوان لها الا استفحال الفساد .
من السهل لوم حكومة رامي الحمدلله اليوم وتحميلها إخفاقات ونعتها بالفاسدة. واليوم ليس بغريب عن امس صار فيه سلام فياض بؤرة الفساد عند انتهاء ولايته( المؤقتة والانتقالية) ،وغدا سيكون محمد شتية حاملا لعبء فساد مستشري اخر واكبر لما تبقى من مص دماء هذا الشعب.
المشكلة ليست برئيس وزراء ووزراء(مؤقتون وانتقاليون) ، او بأعضاء سلطات عليا من اصحاب النخبة الحاكمة (دائمون يفتشون عن سر التحنيط ليضمنوا الأبدية).المشكلة الحقيقية عند الرئيس ، الذي لا يزال يتمتع بشرعية بسبب حجبه للانتخابات التي لم يعد اصلا هناك امل في انعقادها ، الا على هيئة انتخابات مجالس طلاب جامعية.
المشكلة بنظام فسد من الرأس حتى القدم ، فالرئيس في تجاوزاته المستمرة بصناعة قوانين وقرارت حسب مصالح شخص او أشخاص بعينهم، أوصل الشعب لدرجة يسطيع فيها كل متمكن من زيارة الرئيس الى الخروج من مكتبه بمرسوم به قرار لمصلحة ما . وكان الشعب ومصالحه تتجلى بهولاء. كان هؤلاء هم الشعب …. او ربما يعتقد الرئيس ان هؤلاء هم الشعب …. فيده تطول لتعطي ، ولسانه يحكم ليحجب ما يريد .
الرئيس يعطي والرئيس ياخذ… لم لا وهو الأب الرئيس. فالأب حق العطاء والأخذ وللولدان حق الطاعة والخنوع والشكر والحمد.
اذا ما كان الرأس فاسد ، فالقدم التي تحمل هذا الجسد فاسدة كذلك…
المشكلة لا تنحصر في رئيس وجالية مقربة ومنتفعة، المشكلة في شعب لا يرى بهذا الفساد الا فرصة اخرى متكررة لإخراج سموم دمامل طفحت من الجسد ، بلا تفكير بان الدمامل ليست الا عوارض مرض قاتل لا يتم استئصاله بالتخلص من دمل.
المشكلة الحقيقية تعيدنا دائما الى الرئيس . فهو الذي يصدر هذه القرارات ، على اعتبار انه صانع القرار وصاحبه- وهو كذلك- فهو الأب- وللأب حق على الرعيةوالولدان! وهو الذي يبطل القرارات او يجمدها عندما تطفح الدمامل الى الى الوجه!