تخطى إلى المحتوى

دقيقة صمت! اعتبروا يا مشاهدي المسلسلات

 

” دقيقة صمت” مسلسل سوري، عرض على الشاشات بشهر رمضان، جعل المشاهد يتوقف امام الكثير من دقائق الصمت، من اجل استيعاب لعبة الدولة والفساد.

عمل بلا شك جريء، يطرح فيه دائرة تصنيع الفساد الصغيرة في الحكومة (السورية في وضع المسلسل)، وكيف تتحكم هذه الدائرة الصغيرة القريبة من صنع القرار والتي تستخدم كل ما يطول يدها من عناصر دولة للوصول الى مبتغاها. مبتغاها السيطرة من خلال اعمال فساد تزيد في جبروت هذه الفئة التي يقع عليها بالمحصلة الامن العام للدولة.

هل يبدو هذا المشهد بغريب عن واقعنا الفلسطيني؟

من السهل جدا، او لعله من الاسهل تنقيح وتفتيت التركيبة المتحكمة بالشأن الفلسطيني، وبالتالي فهم كيفية التحكم بوضع البلد من رأسه الى أخمصه.

قبل أيام انتشرت وثيقة تحت اسم هيئة مكافحة الفساد وبتوقيع رئيسها مرفوعة الى الرئيس الفلسطيني. تتناول الوثيقة قضية تحقيق فساد بشأن أحد وزراء السلطة وأذرع الامن الأساسيين في السلطة الفلسطينية. الوثيقة واحدة من عشرات ان لم يكن مئات الوثائق المسربة من مكتب رئيس السلطة الفلسطينية لرسائل من مختلف الجهات والوزارات والشخوص. كل منها في الأيام العادية لشعوب العالم الطبيعي، قد تسقط حكومات. على مدار سنوات السلطة ونحن نعيش مع هكذا قصص تروي حكايات الفساد الذي يستمر بالاستفحال في جسد السلطة الفلسطينية. في مقابل هذا تسلط السلطة الضوء فجأة وتكرارا على فساد من نوع اخر في كل مرة، القبض والعثور على مشتل لزراعة أنواع المخدرات من حشيش وقنب الى اخره، اغلاق مطعم لفساد لحوم، وقهوة لفساد الفواكه والبرتقال، واتلاف مواد غذائية هنا وهناك …. الى اخره كذلك.

وصلنا الى مرحلة، صار الانسان العادي بالفعل يخاف ان يذهب فيها الى مقهى او يأكل خارج بيته. حتى اللحوم التي نشتريها صرنا نخاف ان تكون تالفة او من جسد حيوان ليس بقرة او غنمة.

التهاء يبدو وكأنه محكم بتوافه الأمور. نعيش فيما يبدو وكأنه نميمة مجتمعية متكاملة في وضع يتهالك فيه الجسد الفلسطيني المستفحل بأعضائه الحيوية بالفساد.

وان لم تكن الوثيقة المتعلقة بفساد الوزير المعني هي أكبر المصائب في وقت تقع ازمة الرواتب المتوقع ان تتفاقم في سلم أولويات او قلق الشعب الكادح، بينما انتشرت وثائق تؤكد ان الحكومة التي تدعو للتقشف قد ضاعفت رواتب وزرائها والمحسوبين عليها اضعافا وبلا مقدمات.

وقعنا في أزمة أكبر، وهي تبرير المصاب فيما يبدو وكأن الفساد واجب وطني، وان المعترض على الفساد خائن ومجرم.

ذلك الذي يمكن ان يزج فيه في غيابات غرف تحقيق السلطة يعتبر مجرما، وذاك الذي لا يمكن ان تطاله يد السلطة يعتبر عميلا.

من السهل تكذيب الورقة وانكارها. ما رأيناه في مسلسل دقيقة صمت لم يكن امرا خارجا عن المألوف. فكم من قضية شهدنا عليها بهتانا وزورا وكنا شركاء فيها عند سكوتنا كشعب.

قضية نيفين العواودة التي راحت ضحية صرخة حق من اجل فساد رفع الى اعلى المستويات، واغلق بحبكة باهتة ودليل ملقط حواجب، ولم نسمع يوما عن حيثيات تلك الجريمة بما سببها من فساد كان في دائرة سلطوية ما في حينها. تعتيم محكم، لا يستدعي سلطات عالية جدا في حينها.

مقتل الشاب الغروف الذي وجد مرميا على ارض فندق كبير في رام الله، واختفاء الكاميرات وتحويل الضحية الى مجرم، وتلبيس الجريمة للأضعف في حلقة فساد او اجرام لم نفهم ابدا من وراءها الا بتعبيرات واهية واشارات صارمة بالصمت وعدم الخوض في هكذا أمور.

أستطيع ان اجول في عقلي المحدود حول العديد من المصائب الحقيقية التي اصابتنا، وكانت الإشارات والوقائع واضحة وشبه صريحة نحو الفاعلين والمجرمين والفاسدين، ولم نشهد محاكمة واحدة ولا اقالة واحدة ولا تحقيق عرفنا بنتائجه مرة واحدة.

وصلنا اليوم الى مرحلة من تكميم الأصوات صارت فيها الوقاحة في توصيف من يتكلم عن الفساد او يشير اليه بأنه يخدم اجندات العدو، أي خائن، ويزج فيه بالسجن بالفعل ويكون عرضة للمحاكمة والتعويضات والمساءلة بدلا من مساءلة الفاسد ووضعه امام محاكمة واجبة.

قد لا يفهم ارباب السلطة من الفاسدين الكثر، بأن دق الخزان على الفساد ما هو الا محاولات حفيفه ووحيدة من اجل انقاذ هذه السلطة التي لا يمكن لدوامها ان يكون في هكذا وضع يستمر بالتدهور.

قد نصاب بالذعر واليأس والإحباط مع استمرار العنجهية في افراز المزيد من الفساد بلا مساءلة او محاسبة، وهذا بديهي. ولن استغرب ان يأتي يوم نصمت فيه بدل الدقية دهرا.

ولكن هذا الصمت سيكون هو نهاية هذه السلطة.

لن نحتاج الى تحريض ضدها، ولن يكون هناك مظاهرات لإسقاطها. فنحن نشهد كما شهدنا زورا بصمتنا لدقائق كثيرة عن الفساد الذي يكاد ان ينهينا، على بدء مرحلة النهاية.

في دقيقة صمت، استطاع أحد اركان الفساد الهرب لأنه كان الأقل تأثيرا وقربا من دائرة السلطة المحكمة، مجرد عقيد رفيع في بدلة عسكرية. وعليه وقع الباقون لأن هناك كان عنصرا غير فاسد، بدا تجرؤه على المواجهة خيالي، وربما متطلب درامي للمسلسل. في النهاية لا يوجد فساد دائم. وان دام يتعفن وتصبح ازالته مطلبا كونيا، لأنه لا يؤثر فقط على جسد متهالك واحد فقط، ولكن على المحيط. فان كان جسد السلطة الذي ينتشر فيه السرطان قد اقترب من التهالك، فان عدم هلاكه سيؤدي الى مضاعفات تخرج من الجسد المصاب فيروسات وبكتيريا تنتشر لتصبح وباء.

إذا ما كان طاعون الفساد قد بدأ بالتفشي، فلن يسكت الشعب المستكين كثيرا، فلا بحر يمكن ان نهرب اليه، ولا حدود ابعد من حاجز ممكن الوقوف امامها.

دقيقة صمت

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading