تخطى إلى المحتوى

من البطريركية الى الاوقاف، غياب المحاسبة وتغييب الوعي..وكلنا في المتاجرة بالوطن شركاء

من البطريركية إلى الأوقاف، غياب المحاسبة وتغييب الوعي.. وكلنا في المتاجرة بالوطن شركاء

ما يتم تداوله من أخبار عن تسريب عقارات تابعة للبطريركية اليونانية في قلب القدس، ليس بخبر جديد. البيع حاصل منذ سنوات، والمحاكم بين الجهات الاستيطانية التي اشترت العقارات والمستأجرين تقف وتتحرك في نفس المحطات منذ أكثر من عشر سنوات. في وقت كان من الممكن انقاذ الموقف، تخلت السلطة تماما عن مسؤوليتها في مساءلة ومحاسبة من كان يقف وراء هذه التسريبات. تكاثرت الأحاديث والاقاويل والشائعات حول تسريب العقارات التابعة للكنيسة وكان المتهم واحد، ومعروف، ومع هذا استمر هذا الشخص على رأس منصبه وفي أحد أزمات الفضيحة الخاصة بالبيع قبل وقت ليس ببعيد، كان الرجل يجلس كضيف شرف على كرسي المجلس الوطني الفلسطيني والاحتفاءات الخاصة بالسلطة في ارفع اماكنها. دعوات شرف على ولائم واستقبالات وتكريم. شخص بعينه كان مسؤولا عما جرى، ولم تجر بحقه أي مساءلة، على العكس تماما، وقف هذا الرجل جنبا الى جنب بصور كثرة مع الرئيس.

فلماذا نتكلم الآن؟ بعدما حصلت الجهة الاستيطانية على امر اخلاء؟

البيع تم والأموال وزعت وصرفت بين المنتفعين من باعة الوطن، سواء كان هذا الخائن يلبس عباءة دين ما او عمامة دين اخر او زي سلطة.

تسريبات العقارات بين تلك التابعة للكنائس وتلك التابعة للأوقاف تدق على أعمدة حمت القدس من التهويد الصهيوني على مدار احتلال المدينة. كان الانسان الساذج من أمثالي على يقين ان الاعمال الفردية لمن يبيع حصة في منزل او يزيف توقيع لتنازل او يقبض خلوا ويسلم، ستبقى في إطار الفردية ولن نتأثر طالما تتملك الأوقاف والكنائس المباني الأساسية وما يرافقها من مساحات وما يتبعها من منازل ومرافق.

ولكن الموضوع في مصيبته لا يتمثل في فرد خائن بعينه. ما يجري يؤكد ان منظومة الفساد في هذا الشأن جمعية. لا يمكن لفرد بعينه ان يتحكم ببيع هذه العقارات. وهنا الطامة الكبرى.

مما يواسينا بالعادة هو فكرة ان من يقوم بهكذا اعمال خائنة هو فرد. ولكن ما يجري او بالأحرى ما يتكشف لا يمكن لفرد ان يقوم به. هناك منظومة فساد كاملة في الكنيسة المعنية كما في الأوقاف، مترابطة مع السلطة في مركبها العام.

لا يمكن لفرد ان يتواطأ لوحده مع الجهات الاستيطانية. ولا يوجد مؤسسة او جهة لا تتبع بطريقة ما وبجزئية ما بشرعية وجودها بالمدينة للسلطة.

من السهل السب واللعن على الشخص المسؤول بالعلن امامنا. خرج الناس في مسيرات وتظاهرات ضده وطالبوا بإقالته منذ أعوام وتكرر الحال مع كل تكشف لتسريب يدمي القلب عند اكتشافه. ومع هذا، بقي الرجل في منصبه وحافظ على شرعنة وجوده. هل هذا يقول لنا شيئا ما؟

الحقيقة ان الأمور واضحة، فنحن نعيش بداخل منظومة فساد عفنة متكاملة.

ماذا تبقى من القدس إذا ما كان “حاميها حراميها”.

نكتب ونعترض ونخرج في بيانات ومسيرات ومظاهرات ولا سامع لمن ينادي، وكأنهم يعرفون ويفهمون تمانا ان اصواتنا خاوية لا تقدم ولا تؤخر، وراس مال عوائنا عدة أيام قبل ان يشغلونا بتفاهة ما لبضعة أيام أخرى وهكذا هو حالنا على مدار عشرة سنوات على الأقل من المشاهدة اليومية لضياع المدينة من هدم بيوت ومصادرات وترحيل واخلاء على مرأى وشهادة السلطة.

الملايين ضخت من اجل حماية العقارات، والنتيجة ان ملايين ضخت في المقابل في جيوب بائعي الوطن من هؤلاء الخونة وها نحن نجلس على عروش خاوية.

من الواجب الان النظر الى الامام، فيما يمكن إنقاذه قبل صفقة بيع او تسريب أخرى قادمة.

من السهل القول ان تبعية بعض الكنائس الى جهات خارجية، فاللوم اليوم كله على البطريركية اليونانية، وهكذا يمكن الادعاء ان المسؤول عن هذا يجلس في اليونان. وهكذا الامر لكنائس كثيرة أخرى. مع العلم ان هذا الامر مجزوء، لان السلطة هي المسؤول الحقيقي عن وجود أي جهة لأن المرجعية للسلطة.

والامر نفسه بالنسبة لموضوع الأوقاف.

لم اعد أتساءل لماذا لا تحرك السلطة ساكنا عن هذه الأمور. بالأحرى هذه الفظائع والجرائم بحق هذه المدينة. لأن المدينة تتسرب امام اعيننا. فهل هناك أكثر ذلا من ان يجول المستوطنون والجنود بساحات الأقصى هكذا؟

ننتفض للحظات، لساعات، نملأ نشونا بدماء شهيد يجعلنا أكثر وطنية، ونردد شعارات لاحتلال نريد اسقاطه، نعلم جيدا اننا جميعنا جزء من بيع هذه المدينة.

كل ساكت، كل يائس بعبارة ” ما هي مبيوعة” او ” ما الموضوع مخلص من زمان” او ” ما هو فلان وفلان باعوا”، او ” ما هي السلطة باعت وبتبيع ومتواطئة”. لأن الحساب يبدأ من عندنا، ولكن صار معروف لديهم بأننا سنردد بعض الاحتجاجات ليومين او أسبوع وننتصر لأنفسنا وننتهي بنشوة زائفة لسنوات ونلتهي بتفاهة ما لا محال.

إسرائيل نخرت في نفوسنا، وصار بيع العقارات وتسريبها والاستفادة منها تجارة، الشاطر منهم هو من يأخذ منفعة ما.

قبل شهر اثرت موضوع بركة البطريرك. لم اسمع تعليق ولا تصريح ولا بيان من الأوقاف او السلطة او أي جهة متورطة أو مسؤولة (لن اذكر اسم الجهة المسؤولة الأخرى لكيلا اتهم باني اشخصن الأمور- لأننا صرنا هكذا، نتبع دائما في مواقفنا لجهة ما، لا يوجد ما هو فعل خاص للوطن، الكل يحمل اجندة فيها مصلحة يستفيد منها من جهة ما).

التواطؤ بلغ لمرحلة صار فيها كل ساكت شريك في هذه الجرائم.

لن يرحمنا التاريخ بينما أضعنا هذه المدينة المقدسة وعيوننا تنظر.

لن يغفر لنا الله أيا كانت وجهة ايماننا به بينما نتاجر في أماكن خصصت في سبيل عبادته.

حان الوقت ان نرابط إذا ما أردنا ان نبقي لفلسطين درة تمثلها، ليس بالهرولة للحظة وراء تكبير يريد المنادي به إحلال صفقة ما او تفريغ غضب ما. إذا لم نحارب هؤلاء بمقاطعتهم ونبذهم وفضحهم واخراجهم من بيننا فلن تقوم لنا قائمة.

في كل مرة نعرف ان فردا ما او جهة ما او مؤسسة ما او أي كان ما.. ضالع او ساكت او متواطئ بصفقات تسريب أيا كان شكلها، فنحن شركاء.

العطاري باع العقار ولم نسمع لهذه اللحظة كلمة عن محاسبته، بينما يجول ويصول ويخرج ببيانات.

عقل باع وسلم كتسليم أسرى الحرب لأمريكا، ولم نسمع تعليق او تبرير او نية لتحقيق.

الأوقاف تؤجر وتجير لبلدية الاحتلال وسلطاتها الاستيطانية ولا يبذلون الجهد حتى للتوضيح.

ليس لأنهم كفروا ففجروا ففسدوا، ولكن لأننا سكتنا عنهم ولا نزال نعطيهم شرعية.

ربما حان الوقت ان نتوقف عن الذهاب لدور العبادة ونقاطعها حتى تتنظف من هؤلاء.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading