تخطى إلى المحتوى

السلطة الفلسطينية والشرعية: من اعلان وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل الى حل مجلس القضاء الأعلى لضمان حرية التعبير

 

 

أعلن الرئيس الفلسطيني قبل أيام، في خطاب متلفز، تم التحضير له على مدار أيام، من اجل إعداد المجتمع نحو خطاب ناري سيغير كل المفاهيم ويقلب الطاولة على جميع الأعداء. طبعا كان هناك سببا وجيها لخطاب، يخرج فيه الرئيس الفلسطيني بعد هدم عشرات المنازل الفلسطينية في إحدى قرى القدس الخاضعة جزئيا، حسب أوسلو لسلطته.

ما جرى في صور باهر من عمليات هدم واسعة لبيوت وتشريد عشرات العوائل وإلحاق الخسائر المادية والمعنوية لمئات من الافراد، يدمي القلوب. وكأن النكبة ترفض الا ان تبقى مستمرة. تهجير وتشريد وحرق قلوب.

وما جرى ليس الا مرحلة أولى في مشروع هدم سيطال العشرات من البنايات والمنازل في مناطق مختلفة من القدس وضواحيها في نفس النسق الجمعي. فلقد نهجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الهدم بطريقة فردية على مدار سنوات الاحتلال. ويبدو ان الحكومة الحالية في سلطات الاحتلال ترى من الوضع الحالي فرصة لاستخدام أكبر قدر من الهدم في ظل تواطؤ عربي ودولي وفلسطيني بشأن مصير القدس.

كالعادة، لم يكن هناك مفاجأة متوقعة من خطاب الرئيس الفلسطيني. فتأثير خطابات الرئيس كتأثير المفرقعات المنتهية الصلاحية، بالكاد تضيء. فعلى الرغم من تغيير استخدام الكلمات من “تهديد” بوقف التنسيق والاتفاقيات كما يردد في كل كرة، واستخدامه هذه المرة لكلمة ” قرار” بوقف. ولكن باقي الجملة لم يكن بالمثير، فالقرار هو وقف العمل بالاتفاقيات. فما الذي تعنيه كلمة وقف العمل؟ اين كلمة الغاء من قاموس المصطلحات لدى الرئيس الفلسطيني؟ وطبعا، بقية الجملة اشتملت على عبارة ” تشكيل لجان”.

وللحقيقة لن ابدد الكثير من الوقت في تحليل المقصود من كلام. فالأهم هو عن أي اتفاقات يتكلم، وهل له سلطة إيقاف العمل بأي اتفاقات؟ اليس من البديهي ان يفهم المستمع ان إيقاف العمل بالاتفاقيات يعني إيقاف عمل السلطة كذلك؟ وان صدق الشعب نيته فلن يصدق بالتأكيد جدية الوضع عند ذكره اللجان. فالله وحده اعلم بعدد اللجان التي تم الإعلان عنها بتحقيقات سياسية ووطنية وشعبية وجنائية وإفسادية ولم نعرف أي شيء عنها بعد إعلانها وتشكيلها الا مزيدا من الهدر للأموال العامة.

المهم أكثر بما جرى بعد الخطاب وإعلان الرئيس، هو عدم اكتراث أحد الى إعلانه، طبعا، هناك الشعب الذي يجدد مبايعته الأبدية للرئيس باعتبار فتح هي الشعب، ولكن باستثناء الشعب الفتحاوي المبايع للرئيس، فلم يلتفت باقي الشعب للخطاب، ولم يتأثر بكلامه. والجهة المقابلة من الاتفاقيات وهي إسرائيل، سكتت تماما وكأن الخبر لا يعنيها، حتى ان الصحافة الإسرائيلية لم تهتم للكتابة عن الموضوع.

فما المفترض فهمه من عدم اكتراث الشعب في عمومه وإسرائيل بجهاتها الرسمية والشعبية؟

قد يكون وصل أبو مازن الى نهاية الطريق، فهو مثل الراعي الذي طالما استغاث اهل القرية من اجل الذئب كذبا او مزاحا، وعندما جاء الذئب بالفعل لم يهتم ولم يصدق استغاثته أحد. فلم يعد الشعب يرى الا محاولات تعيد نفسها من التضليل والتطبيل لم يعد يعبأ لها الا المستفيدين المباشرين للسلطة.

في إطار اخر، أعلن الرئيس الفلسطيني قبل أسبوع او أكثر بقليل، فض مجلس القضاء الأعلى، ليقوم وسط انشغالاته بإعلان “وقف الاتفاقيات” بتعيين رئيس لمجلس قضاء اعلى انتقالي جديد. وكما كل شيء في هذه السلطة انتقالي دائم، قام رئيس مجلس القضاء الأعلى بخطاب سلطوي كسر فيه مفاهيم القضاء، جعلنا نشعر وكأننا في وسط حكم البروليتارية. لنفهم على ما يبدو ان اقالة مجلس القضاء الأعلى كان سببه اعتراض القضاة على موضوع الفساد في معاشات الوزراء. فكان تصريح الرئيس الأعلى لمنظومة القضاء الفلسطيني بوعيد وتهديد لكل من تجرأ على ان يفتح فمه بالاعتراض على القرارات “السامية”.

وسط كل هذا هناك إعلانات عن اقتراب انتخابات. قبل ان يتهور القارئ ويفكر بالانتخابات، عليه اخذ نفس، والاسترخاء قليلا، فنحن نتكلم عن انتخابات مجالس بلدية. فمعلوم ان أعظم انتخابات نحلم بها هي تلك البلدية ومجالس الطلبة في الجامعات. والنقابات طبعا محسومة بين أصحاب الحزب الأوحد، بما لا يختلف كثيرا عن انتخاب المجالس البلدية. طوابير المنتظرين لمنصب سلطوي جديد بين إعادة تدوير او ادراج قريب او محسوب على مصالح. هناك حاجة لانتخابات، لأي انتخابات ليتم فيها فرز المناصب للمنتظرين لفرصة سلطة.

وبين هذه الاحداث، ونحن في غمرة وقف الاتفاقيات وتعيين رئيس مجلس قضاء اعلى “مبايع” ومهدد بفرض “سطوة” القضاء، يبشرنا رئيس الوزراء بضمان حرية الرأي امام هيومان رايتس واتش، وكأن معتقلي الرأي غير موجودين، والتهديد والتنكيل الذي يجري للمواطنين من قبل أجهزة الامن المختلفة واذيالهم من صنع خيال المواطن. فاذا ما خرج رئيس القضاء الأعلى بالتهديد فما الذي نتوقعه من أجهزة الامن؟ إذا ما كان القاضي مهدد بالإقالة بسبب ابداء رأيه، فعن أي ضمان لحرية رأي يتكلم رئيس الوزراء؟

 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading