تخطى إلى المحتوى

متاهة التحرر..الحق في الحجاب ،الحق في التعري

الحق في الحجاب والحق في التعري ومتاهة التحرر

 

تحرر المرأة، مصطلح تعيش من اجله المرأة على مدار عصور الاستبداد التي تلتصق بها. ومحاولات المرأة للتحرر كانت كما تزال محاولات غير متوقفة من اجل المساواة والحرية.

ولكن المرأة وقعت في فخ الحرية كما المجتمعات الحديثة او المجتمعات التي تغيب عنها الحريات. فتأتي فكرة التحرر هجينة على المبنى الاجتماعي والثقافي لهذه المجتمعات.

عندما خلعت هدى الشعراوي نقابها عند محطة سكة الحديد في القاهرة في بداية القرن العشرين، قامت بتلك اللحظة بإسقاط لتهميش واذلال عاشته المرأة نتيجة انهيار الحكم وبالتالي انهيار الحقوق على كافة الأصعدة. وما قامت به هدى الشعراوي ورفيقاتها في حينه لم يهدد المجتمع ولم يقد من سباته، فكانت ثورة ناعمة ضد ظلم بحق المرأة لم تخرج المرأة حينها عن متطلباتها بالتحرر، فبقيت جزء لا يتجزأ من النظام الاجتماعي. بحجاب او بدونه كانت الرمزية للحجاب حينها أقرب لان تكون رمزية الطبقات الاجتماعية لا وضعية المرأة وحجبها.

نوال السعداوي مشت على خطى هدى الشعراوي من خلال بعد فكري أعمق، فنوال كانت ابنة قرية في صعيد مصر على عكس هدى شعراوي ابنة القاهرة والعائلات سليلة الانساب، فحرب نوال السعداوي من اجل الحرية جاءت مفعمة بطعم مرارة ظلم يقع على المجتمع يملأه الجهل والحط من قيمة الانسان ثم المرأة كمخلوق أقل إنسانية. فكان موقف نوال السعداوي ن الحجاب أكثر قسوة ومباشرة، حيث وضعت يدها على المشكلة وحارب بطريقة مباشرة المجتمع الذكوري بكافة اطيافه. وما من شك، ان زمن نوال السعداوي كان زمنا أصعب، فالإسلام الوهابي كان قد تشكل وهيمن على الازهر، وبالتالي سيطر بإحكام على كل فئات المجتمع الذكوري وترك له زمام التسلط وتثبيت القمع والاذلال تحت مسميات أعطت الفتاوي فيها التحكم بالمرأة والمجتمع.

ولكن، إذا ما نظرنا الى تجربة كل من هدى شعراوي ونوال سعداوي، نجد ان هدى شعراوي خلعت النقاب ولكنها لم تخلع الحجاب. ونوال سعداوي انتقدت الحجاب على مدار مسيرتها ولكننا لم نر لها صورة في مايوه او لباس غير محتشم او مثير للشهوات.

وقبل ان يذهب القارئ لتشويه شكل نوال سعداوي، وبالتالي منطقة عدم لبسها للملابس الخليعة، اؤكد ان ما نراه اليوم يعيد التأكيد ان الخلاعة لا تحتاج الى شكل مثير او جميل. الموضوع مبدئي بكافة اشكاله.

ما نراه اليوم لمن ينسبن أنفسهن لهدى شعراوي، بعد الضجة التي اثارتها “تنويرية” مصرية بكتاب عنوانه ” المجد لخالعات الحجاب والنقاب”، يخلط الحابل بالنابل، ويحط من مسيرة نساء صنعن تغيير ثوري حقيقي بمجتمعاتنا الذكورية المتخلفة.

لم تكن حرية المرأة ابدا مرتبطة بخلعها لملابسها، كما لم تكن مرتبطة بحجابها. المصيبة هي بالتطرف الذي بلينا به كمجتمعات لا تعرف التوازن بأي شيء. لن أخفي موقفي من الحجاب الذي حجب المرأة عن مركزها الأصيل في المجتمع على مدار السنوات، ولكن لا يمكن التطرق كذلك الى حرية المرأة التي اختارت الحجاب ليكون طريق حياتها. وقد أقول بصوت مسموع، ان هذه المرأة لا تمثلني كامرأة لا أرى بالحجاب طريق وصولي الى الله. ولن اخوض في الكلام هنا أكثر بين ما هو حلال بين وما هو حرام، فالموضوع في هذه اللحظات يرتبط بتركيبة المجتمع الثقافية والحضارية لا الدينية. فالمرأة العربية ليست فقط مسلمة، وعليه يجب الا يكون الحجاب ما يشكل رمزية شكل المرأة العربية.

ولكني أقول بصوت عالي وقد اصيح إذا ما تطلب الامر، ان تلك المرأة التي تجعل من الحجاب مشكلتها ومن خلعه رسالة حياتها وإبراز صوت المرأة من خلال تعري جسدها الفاضح لا تمثل الحرية التي اريدها كامرأة.

كما الحجاب، فان العري أوصل المجتمع الى حالة من تردي القيم والأخلاق. فالحجاب خلق حالة من التمييز بالمجتمع قسم الايمان والكفر من خلال الحجاب، وبالتالي وصلنا الى مرحلة صارت المحجبة فيه أداة الله على الأرض في حالة قناعتها، واختبأت محجبة أخرى وراء الحجاب لتمثل رسالة الله على الأرض كذلك.

اما العري، فهو المصيبة الأكبر، لأن العري لا دين له! فما نراه من عرض للأجساد وكأننا في سباق لعرض اللحم البشري من ممثلات وراقصات واديبات وكل من أراد شهرة، يحط الاف المرات من قدر المرأة. فيصبح بالتالي الحجاب هو الامر الحميد. فاذا ما قرر الانسان الطبيعي وضع نفسه على جهة تأييد، يصبح الاحتشام هو الخيار. لان العري الفاضح لم يترك للاحتشام فرصة الا عن طريق الحجاب او الاحتجاب.

قد تكون تلك المرأة التي قررت عرض جسدها بطريقة فاضحة او تسويقية ترى من هذا حريتها، وهنا يتوجب على السكوت والقبول تحب طائلة فكرة احترام الحريات. ولكن هنا يجب ان أسلم أيضا، ان المرأة التي تريد الحجاب او النقاب حرة تحت طائلة نفس المبدأ.

قد يكون الزمن الذي نعيشه هو زمنا قاسيا، فكل شيء صار مكشوفا وتحت رحمة التقدم التكنولوجي الذي لم يعد فيه مستور. ومن اجل هذا تصبح المسؤولية أكبر علينا، كأناس نعتبر أنفسنا بقدر المسؤولية على مستقبل شعوبنا. فما نراه من عري صار بالفعل مثير للاشمئزاز. تعدت فيه تلك النساء كل أصول الاحترام، ومع هذا نلوح جميعنا بحق الحرية.

وعليه، يبقى الحجاب في صوره المختلفة ارحم، لأنه على الأقل يردع من هذا الكم الفاضح من التعري، الذي صارت فيه المرأة سلعة للإثارة، كبدت مسير المرأة من اجل حريتها خسائر فادحة كانت هدى شعراوي احدى ابطالها كما نوال سعداوي.

لن تكون المرأة التي تجعل من جسدها رأس مال حريتها ابدا تنويرية ولن تكون في التاريخ أكثر من ورقة يلف بها المحمصات والذرة عبر التاريخ.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading