تخطى إلى المحتوى

الحج في زمن الانهيارات

 

الحج في زمن الانهيارات

في ظل الوضع المأساوي العام والخاص الذي يعم البلاد المسلمة العربية، من تهجير وقتل وفقر. تلك المشاهد التي نتداولها جميعا كمتدينين، علمانيين، فتحاويين، حمساويين، دحلانيين، عباسيين، مسيحيين، مسلمين، جبهة النصر، نظاميين، اخوانيين، سلفينن، قاعدة ,داعش،اشتراكيين، وشيوعيين. نتفق جميعا على بؤس هذه المناظر، والظلم الواقع على أصحابها. فلا تزال صور الحروب التي يشنها المسلمين على بعضهم عالقة في اذهاننا لا تتحرك من هولها. بين غارات على سوريا من كل الاتجاهات، وغارات على اليمن، وتقسيم جديد للسودان وقمع، وانحياز كامل لدولة الاحتلال. دمار مستمر يكتب عنوان المرحلة ويسطر اتجاهاتها. كلنا نرفع نفس الصوت وبنفس الحرقة، لنتساءل أين الحكام وأين العدل وأين الدين وأين الإسلام مما يجري للمسلمين؟

ويأتي موسم حج آخر، ويتسابق المسلمون بشتى الالوان والاعراق والاقطار من اجل الحظي بحجة تقربهم الى الله ويكملون فيها دينهم. لا يمكن التنكر ابدا بسعي المؤمن  نحو هذا الشعورالى قمة الوصول تقربا من الله في الحج. ويمكن فهم حلم كل مسلم بالحج الى بيت الله الحرام. ولكن حج البيت مرتبط بالاستطاعة. والاستطاعة لا تكون فقط بالاستطاعة المالية. فليس المطلوب ان نجوع من اجل الذهاب الى الحج، وان نحرم ابناءنا وذوينا من اجل هذه اللحظة. والحج اليوم ليس كما كان في السابق، فهو مكلف بتكلفة الإعمار الذي يجري للمكان. فمن اجل الحج يحتاج الانسان العادي الى ما بين ٥٠٠٠-الى ١٠٠٠٠دولارليحظى بحجة محترمة، اي في فندق وطيارة. والانسان الغير مقتدر تكلف حجته اقل بقليل من ال٥٠٠٠ في أحسن الاحوال. ناهيك عن الحجات المتميزة التي تتعدى تكاليفها العشرة الاف، وتلك الملوكية، والرئاسية، وغيرها التي تقفز تلك الارقام بكثير. ويترتب على الحج المصاريف التي تأتي بعده من هدايا واستقبالات وولائم وغيرها كل كذلك على حسب مستواه. فاذا ما ذهب مليوني (٢مليون) حاج هذه السنة بمتوسط ال ٥٠٠٠ دولار سيكون مدخول الحج ١٠٠٠٠،٠٠٠،٠٠٠ اي ١٠مليون المليون بأضعف حسبة ممكنة.

نصف هذا المبلغ هو بأقل تقدير من اموال الفقراء الذين يعيشون كل حياتهم من اجل هذه اللحظة. ولن اتكلم عن المشهد الذي آل اليه بيت الله الحرام من تحديث حتى أزعج في وصفه غير المسلمين كذلك، لانعدام روح المكان القدسي منه، وتحول المنطقة الى ما يشبه التجمعات التجارية السياحية.

فإذا ما كنا كمسلمين مؤمنين بأن هذا الموسم هو موسم الوصل الى مرضاة الله. موسم الحجيج لبيت الله حيث يكون الله أقرب وملائكته، فلم يبتعد الله عن بيته في هذه الايام؟ ايعقل انه غضب الله على امة الاسلام الذي وصل كفرها ذروته اذا ما كان الكفر غياب اخلاق وقيم وقتل وذبح واستبداد؟ ايعقل ان يرضى الله بان تحارب اليمن من قبل العرب وقيادة السعودية؟ أيعقل ان يرضى الله بأن يرمى ابناء ملة حبيبه محمد بالبحر كمن يرمي الطعم للسمك بالآلاف؟ ايعقل ان يرضى الله عن امة يهرب شعوبها طلبا للحياة في وقت يدعم قادتها الموت من كافة الاتجاهات؟

في المقابل، هناك كذلك المعضلة الفلسطينية، فتشهد الساحة الفلسطينية هذه الايام حالة غضب شعبي تنعكس على السعودية، بين طرد “مطبع” من المسجد الاقصى وبين اغنية زجلية تغنى بالافراح تعبر عن الاستياء من السعودية، فكيف ينفصل الموقف الشعبي هذا من استياء عن الذهاب الى السعودية؟ ومع هذا يبدو ان هناك حريا ضروسا من اجل الذهاب الى الحج، تجري في وزارة الاوقاف المسؤولة عن الحج، وقد يكون موضوع ما جرى في الخان الاحمر مجرد قشة في كوم المشاكل والقصص في هذا الصدد.

ولكن على الصعيد العربي والاسلامي، فهناك فرصة لأن يقول المؤمنين كلمتهم بشأن حكومة السعودية التي تقود حملات الحروب في المنطقة وتلعب دورا اساسيا في تصفية القضية الفلسطينية لصالح الاحتلال الاسرائيلي.

في خضم كل ما يجري من مآسي متلاحقة، علينا كأمة تتوجه بكل ما لديها الي الله في هذه الايام، من اجل طلب مغفرة، وغسل ذنوب، والسعي الى طلب، في دعاء. نفكر وكأن الله لا يرى الا الشخص الآني منا. وكأن الله لا يهتم لما صرنا اليه كأمة تتقاتل فيما بينها وتتآمر على نفسها، ولا تتوانى عن الاذى والاذية.

نستعد للوقوف امام الله ولا نخجل الطلب…. نرفع الايدي للدعوات والاستغاثة….

ولا نربط من قريب او بعيد، تحميلنا للسعودية عبء الحروب، وإمكانية استخدام هذه الأموال التي تهدر من قبل الرأسمال الفلسطيني وجيوب الدولة المستجدية للمعونات والأموال، في اطعام فقراء وإعادة اعمار بيوت دمرها بطش الاحتلال واعالة عوائل مستورة.

في وقت تعاني الدول من الفقر الذي بات يصل الى المجاعة بين ابنائه. غلاء لا يحتمل. فرص تنعدم امام الشباب وغيرهم. والشتات الملحق بكل اولئك اللاجئين الفارين نحو حياة مبهمة يحيطها الفقر والعوز.

اليس من الحق، الدعوة الحقيقية للمسلمين بأن تذهب هذه الاموال لردء شتات الملايين الفارين من سوريا والتي تلاطمهم امواج البحار وجبروت ظلم الانسان في الغربة واللجوء؟

لإعادة اعمار البيوت التي لا يزال اهلها في انتظار اعادة اعمار بطيء في غزة ومستشفيات وكهرباء؟

لإغاثة المنكوبين في اليمن، للكوليرا والاوباء المنتشرة بفعل الحرب؟

لإطعام الفقراء في دول العروبة؟

أليس اجدى للفلسطينيين لو ذهبت اموال الحج هذا العام لاسكان عشرات العوائل التي تم هدم بيوتها قبل ايام؟

كم هو بريء الاسلام من مسلميه فقراء واغنياء، ظالمون ومظلومون! الكليسير على نفس الخطى من الجهل، والله بريء من افعالنا ومن هواجسنا، ومن نفوسنا المريضة الجاهلة، التي عمت بصيرته،ا فيعميها الله اليوم عن رؤية الحق وعمله..

بينما نكيل المسبات على الحكام وظلمهم، وندعو عليهم، ونتمنى الخلاص منهم. نحن الشعوب لا نختلف عنهم. فهل من مسلم مؤمن يفكر ويتفكر للحظة ويهدي تكاليف حجته هذا العام للاجئ او فقير معدم؟

هل من مسلم مستعد بأن يقتطع ولو جزء بسيط من مصروفات حجته التي عقد الرحال اليها لمساعدة اللاجئين والفقراء والمحتاجين؟ فلو تم اقتصاص ١٠٠ دينار من كل حاج من اجل اللاجئين لانتهت أزمتهم. فهذه المئة دينار ستكون مئتي مليون دينار. ستكفل حتى بعدم نزوح الشعوب عن اراضيها..

اتساءل عن الدعوات التي سيلقيها خطباء الحج في الايام القادمة في صلواتهم.

هل سينادي الخطيب بتخليص الله لنا من داعش في عقر دارها، ام سيكتفي بالنيل بدعواته من الرئيس السوري؟ هل ستكون الدعوات شاملة التخلص من الصهيونية والدعوة على اليهود بأنهم ابناء القردة والخنازير؟ ام سيشدد على حق اسرائيل في الوجود ويشيد بنتانياهو ويدعو ربما الناخب الاسرائيلي الى انتخابه ؟هل ستكون الدعوات في لم شمل المسلمين ولقد اغلقت العرب ابوابها عنهم؟ هل ستكون الدعوات على الشيعة والخطر الايراني لدرء الخطأ في الدعوات؟

كيف سيرفع المسلمون ايديهم الى الله تذرعا ولقد منعت ايديهم عن تقديم الخير لأنفسهم؟

ام ان الله بالنسبة لهم مشروع شخصي، لا يرى ولا يسمع الا ما نخبره به. فالفقير يزحف اليه من اجل طلب الثراء، والمريض من اجل الشفاء،والمخطئ من اجل العفو، وكأن الله حساباته شخصية، ستصرف لهم هناك..

بالله يا امة الاسلام…

فلقد أصبحنا بكم شر امة، تعود بالشر على نفسها وعلى الامم.

 

3 أفكار بشأن “الحج في زمن الانهيارات”

اترك رداً على Wisam Elmajedإلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading