تخطى إلى المحتوى

وهم الإنفكاك الإقتصادي وواقع العبور ( او محاولة العبور) عن حاجز

 

في رحلة يومية يعيشها كل فلسطيني يحتاج أن يمر من خلال حاجز، تحول الى معبر على الرغم من كل محاولات التثبت بالمصطلحات. دار حديث بيني وبين صديقي في محاولة للعبور الى القدس. احيانا اعتبر ما أقوم به جسارة، على فرض أن تمرير “ضفاويين” هو بحجم خطر محاولة تفجير. وأحيانا اعتبر الامر لطافة، فبالمحصلة، ما الذي أخسره بانتظار قبل الحاجز بسيارة، مجنبة البشر الذل الذي يعانونه بممر المعبر الحديدي عند الاستطاعة

( وهنا نتكلم عن اشخاص معهم تصاريح او لا يحتاجون الى تصاريح بسبب أعمارهم، ولكن لأن القانون يحدده جندي على الحاجز فلا يمكن معرفة الممكن من المستحيل الا عند المحاولة) .

صديقي هذه المرة كان شخصية اعتبارية، يحمل بطاقة (في اَي بي)، ولكن زوجته لا تحملها. بينما انتظرنا فحص الجندي الدرزي – على الأرجح- للهوية وتهديده إما بالرجوع أو تحويلي الى تحقيق، تكلمنا أنا وصديقي عن خطة الحكومة بالانفكاك الاقتصادي. بلحظات مليئة بالانهيارات النفسية بسبب الموقف بشكله العادي، شخص اعتباري يتحكم بمصير عبوره الى القدس جندي لا يتجاوز العشرين عاما، بلغة هي لغتنا، لا عبرية متلعثمة ولا عربية متعثرة، لغة عربية واضحة الكلمات والمعالم. هو جندي ونحن مواطنون. هو جندي وهو شخص اعتباري يحمل بطاقة موقعة من اعلى هيئات السلطة للاهتمام به عند العبور. ولكن ما الذي يمكن ان أفكر به او ابرره وانا انتظر معه رحمة الجندي؟ كانت عبارة رئيس السلطة هي التي تتردد في قنوات اذني في احدى تصريحاته: ” مجندة عمرها ١٨ سنة بتقرر انى امر او تمنعني!” يعني إذا ما كان رئيس السلطة تتحكم بمروره عن حاجز جندية إسرائيلية، فمن البديهي ان يتم توقيف الشخص الاعتباري بنفس الطريقة، ومن البديهي أكثر ان يعيش المواطن بالتالي حالة الذل المدمر كنتيجة طبيعية.

حاولنا الالتفاف عن الحاجز، باستخدام ما صار يسمى معبر قلنديا مشيا على الاقدام. فصديقي وزوجته بالوضع العادي لا يحتاجا الى تصريح بسبب تجاوز عمرهما الخمسين. ولكن اليوم كان مختلفا، بما يبدو وكأنه محاولة متعمدة لإذلال صفة الانسان الاعتباري الفلسطيني. فلم يتم السماح للزوجة بالمرور حتى مشيا على الاقدام.

المشهد من معبر قلنديا، يشكل اجحافا بحق انسانيتنا. وكأنه خطوة ممنهجة لإذلالنا والحط من قدرنا وانسانيتنا مع كل خطوة ونفس في ذلك المكان. مشهد يشبه معبر اللنبي بالثمانينيات، وكأنه علينا ان نبقى في مكان محدد. تمر عنا الحياة بتقدمها وتطورها، ولكن يتم تحديدنا بحقبة محددة وراء الحضارة المعاشة من قبل باقي البشر. فتمشي وسط ما يشبه صحراء قاحلة نحو بوابات حديدية خانقة يتحكم فيك جندي يعود من ورديته ليهزأ بكائنات مرت امامه ويستحم من رائحة العرق التي بلا شك عبقت على جسده. نتحول تدريجيا الى أولئك الذين يريدون منا نصبحهم. كما نعيش على فكرة اننا شعب الجبارين، نمارس حياة شعب المذلولين مع كل نفس نأخذه. يكفي ان تمر بتجربة سيئة لمرة واحدة مع جندي احتلال على حاجز، لتتذوق مرارة الاحتلال. مرارة مغلفة بحلوى من الخارج، جندي لطيف او جندية شقراء، يعودون ليمارسوا حياتهم وكأنهم بشر عاديون، لأننا نحن اللا عاديين في هذه المعادلة. اذلاء ننتظر العبور.

أي عبور … المهم ان نعبر…. هذه هي حياتنا، فلا ريب يأخذ موضوع التصاريح والعبور والتنسيق حيزا في الفضاء العام الفلسطيني.

أي عبور هو عبور نحو لحظة حرية من سجن الضفة في تعددات طبقاته. ولكن أي انفكاك اقتصادي يتكلم عنه رئيس الوزراء بتصريحاته؟ نستطيع ان نغض الطرف عن الاتفاقيات التي نشأت عن أوسلو، مثل اتفاقية باريس التي خنقت فكرة استقلالية الاقتصاد الفلسطيني. لنتكلم عن الواقع. عن اول “حاجز” يمر عليه الاقتصاد الفلسطيني بنية الانفكاك، هل يمكن للاقتصاد الفلسطيني ان يمر عن حاجز قلنديا؟ إذا ما كان الشخص الاعتباري نفسه محكوم بقرار من جندي بزي عسكري بلا أي رتب، فكيف لنا ان نتوقع انفكاكا من أي نوع من قبل السلطة امام إسرائيل؟

بمناسبة الانفكاك والتصاريح، يبقى موضوع اعلان الرئيس المدوي بخصوص وقف الاتفاقيات. هل لنا ان نسأل ماذا جرى بذلك الموضوع؟ هل توقفت الاتفاقيات – التي طبعا لا نعرف ما هي- ولربما من اجل هذا كان هناك تزمتا من قبل الجندي في الحد من هيبة الشخص الاعتباري الفلسطيني؟ هل يعني وقف الاتفاقيات وقف التصاريح المهمة التي يتم منحها للأغنياء وأصحاب المراكز العليا في السلطة؟

في نفس السياق لفت انتباهي منشورا لاحد ارباب السلطة منتقدا لدور الكنيسة في الطلب بإصدار التصاريح من منطلق توقف السلطة عن اصدار التصاريح. الحقيقة انه ومن المؤسف حتى محاولة تقويض فرص التصاريح للشعب القابع في سجن مفتوح السقف محدد المساحات بحواجز ومعابر يسمى “فلسطين”، لأن الشعب في معظمه باستثناء فئة محددة ومقتصرة على مئات او ربما بضعة الاف يعيش بحسرة عدم التمكن من العبور خارج حدود الضفة. فالقدس التي تقع على بعد كيلومترات معدودة من كل حاجز صارت حلما يعتبر تحققه أوسع التمنيات. الشعب بمعظمه يتمنى أن تمنح له فرصة المرور عن الحاجز، وقد تكون القدس حجة او فرصة للدخول الي “إسرائيل”، لربما حصل هذا الانسان العادي على فرصة عمل او استطاع ان يتبضع بأسعار معقولة امام الغلاء المستشري بأوصال السوق الاستهلاكي بأراضي السلطة الفلسطينية. امرا يعتبر أقرب الى النكتة إذا ما تنبهنا تحول السوق الاستهلاكية الإسرائيلية الى سوق أرخص للمستهلك الفلسطيني العادي.

وفي سياق بعيد قريب، يحتضن الرئيس الذي أعلن إيقافه لاتفاقيات سلطته مع الاحتلال حفيدة رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين، التي جاءت مع وفد “يساري” لتهنئة الرئيس بعيد الأضحى وسط معارك انتخابية يشتد وطيدها في “إسرائيل”.

من جهة، يعيش المواطن الفلسطيني برهاب التطبيع، الذي يتم رفع شعاراته مؤخرا من قبل السلطة الفلسطينية، ويشبه تدفق البشر في محاولات العبور من قلنديا هذا الانفصام الذي بدأ يشكل الهوية الفلسطينية الجديدة، وشجب علني للاعتداءات الإسرائيلية واحتضان سري تكشفه وسائل الاعلام الإسرائيلية من قبل متنفذي السلطة.

فما هو المطلوب من المواطن العادي؟

اهذه المشاهد تقدم تفسيرا لعزوف الانسان الفلسطيني العادي عن السياسة وانزوائه بمساحته الخاصة، وعدم التفافه واهتمامه لما تتفوه به السلطة من بيانات او حراك؟

 

 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading