تخطى إلى المحتوى

من روابي إلى الأقصى : هل نعيش حالة إلهاء ممنهج،أم واقع اعتيادي؟

يبدو غريبا للوهلة الأولى، ذلك المشهد لمدرج مدينة روابي الممتلئ بالآلاف من المعجبين بين كبار وشبان وصغار، مستمتعين بحفلة المطرب الفلسطيني محمد عساف، في يوم شهدت مدينة رام الله وضواحيها عملية أدت إلى مقتل مجندة إسرائيلية وإصابات. الغريب بالمشهد هو عدم اكتراث الناس للإغلاقات التي تم وضعها من قبل قوات الاحتلال على مداخل ومخارج رام الله وضواحيها. وقد يمكن ان نفكر ان العملية التي حصلت تعتبر انتصارا في معارك الفلسطينيين، ولا ضير من احتفال الناس. بالنهاية ما حصل كان حصيلته قتل مجندة إسرائيلية!

نبقى في سياق الغرابة، نتساءل، لماذا تم ربط حفل روابي بالأقصى؟ ما المطلوب من الانسان الفلسطيني الذي ذهب لحضور الحفل بروابي ان يقدمه للأقصى؟ او ما الذي يمكن ان يقدمه الانسان الذي قرر الذهاب الى حفل روابي إلى الأقصى إذا لم يذهب الى روابي؟

بالإجابة البسيطة، لما يمكن ان يكون منطقا، من ذهب الى روابي ذهب لحضور حفلة محمد عساف. فلو. كانت حفلة محمد عساف في الناصرة او القدس او غزة او أريحا سيكون الحضور هو نفسه: الالاف من الناس المستعدة للذهاب والدفع وتحمل عناء الطريق من اجل الاستمتاع بأغاني المطرب الشاب. فهل المشكلة بالنسبة للمستائين هي بروابي نفسها؟ الحقيقة انني لا اعرف ما هي مشكلتنا مع روابي؟ انها مدينة تم تصنيعها بموافقات وأدوات ومعدات وخبرات إسرائيلية؟ هل يمكن ان تقوم قائمة مدينة بلا موافقات إسرائيلية؟ هل ما تقوم به روابي من مشاريع تطبيعيه يتنافى ويتضارب ويخالف قوانين السلطة الفلسطينية؟ هل يختلف القائمون على روابي عن القائمين على السلطة من تكريس الوطنية كشعار من اجل بيع منتجاتهم على اختلافاتها؟ يعني لو غنى محمد عساف بحديقة الاستقلال برام الله، هل كان هذا مقبولا أكثر؟

قد تكون هناك وجهات نظر صحيحة ومنطقية كثيرة بالنسبة لروابي، لمن يرى في روابي ريبة ومن يخاف من استحواذ رأس المال والمشاريع التطبيعية المشبوهة، خصوصا إذا ما تنبهنا الى المشاريع الخاصة بالتكنولوجيا الذكية. ولكن لا يمكن الا نفهم أيضا سبب استقطاب روابي للآلاف. فروابي تقدم المعيشة الاستهلاكية التي غرقنا جميعا بها. نريد مهرجانات ومولات ومقاهي وبيوتا منظمة بأحياء جميلة. نريد ان نكون عبيدا لبارونات الأموال الفلسطينية الجدد بطرق مباشرة او غير مباشرة، فهؤلاء يمنحون الفرص ويوفرونها، سواء بروابي او بأريحا او بنابلس او برام الله….

المقارنة بين روابي وحفلة عساف، والاقصى والرباط من اجلها مجحف، لأن الترميز يصل هنا الى مساواة ما نراه من أمور وما نقوم به من أفعال. وهنا يكمن السؤال حول عدم التفاف الرأي العام نحو الامور الكبيرة التي نريد لها ان تكون ذات تعبئة شعبية مثل موضوع الأقصى. قد تكون الإجابة كذلك مجحفة، فالذهاب الي حفلة محمد عساف هدفها واحد، هو محمد عساف، ولا يهم المعجب بعساف اين ستقام الحفلة، سيذهب. النداء من اجل الرباط في الأقصى، يترتب عليه عدة أهداف، ترتبط بمن ينادي من اجل الذهاب الى الأقصى ولماذا. ماذا تعني عبارة لبيك يا أقصى اليوم؟ لم يعد المواطن العادي يفهم متى وكيف ولماذا يشد الرحال الى الأقصى ويرابط؟ الهجمات الإسرائيلية المتطرفة صارت يومية، فلماذا لا يوجد نداءات يومية؟ باب الرحمة فتح وحصل من اجله تعبئة منقطعة النظير، ثم حصل قبل أيام قليلة ان دخلت الشرطة الإسرائيلية وفرغت مكاتب المكان ولم نسمع عن دعوة لحماية المكان؟ المستوطنون يتزوجون بالأقصى ولم نر أحد يبصق عليهم ولا أحد يشتمهم. العدة تعد لفتح باب المغاربة من خلال الجسر الذي تم بناءه على مرآنا منذ سنوات، لاستخدام اليهود،ولم يتم دعوة الناس للانتفاض ولا للانقضاض من اجل الدفاع عن الأقصى. لا يمكن للمتابع الا ان يتيقن ان الترتيب من اجل الاستيلاء والتقسيم للأقصى بساحاته الخارجية قادم لا محالة.  الإسرائيليون والامريكان يتناقشون اليوم على أمور تقنية تتعلق بالاستيلاء على الأقصى وتقسيمها. اين أصحاب الامر من هذه التعبئة؟

لا شك لدي ان الناس ستهب من اجل انقاذ الأقصى عندما يتم نداءهم، فأسبوعيي البوابات الحديدية كانا برهانا حقيقيا على حب اهل هذه المدينة للأقصى ويقينهم بأن الأقصى بمساحته كلها يشكل درة القدس لكل الاطياف من اديان وانتماءات وولاءات. وما جرى صبيحة عيد الأضحى من رباط وترابط لأهل المدينة في الأقصى كان كذلك ملفتا. ولكن ما يجري على الأرض أكبر واهم من رباطنا وزحفنا الى الأقصى لساعات او أيام او أسابيع. هناك تغييب واضح عن الحقيقة، فلم نعد نعرف ما هو موقف الأوقاف او الأردن او السلطة مما يجري. ما هي الاتفاقيات المبرمة بين كل هذه الأطراف والاحتلال الاسرائيلي. في السابق، كان دخول شرطي إسرائيلي الى ساحات الأقصى يستدعي تدخلا من اعلى مراكز السلطة في المملكة الأردنية الهاشمية. اليوم لا حس ولا خبر يسمع او يذكر. هناك ما يتم تداوله عن حرب خفية بين الأردن والسعودية على وصاية المقدسات. الأوقاف تعتبر كالصندوق الأسود، لن نعلم ما به الا بعد حطام الطائرة المؤكد!

بين “خلوا الناس تعيش او تفرح” وبين “لبيك يا أقصى” هناك حقيقة اهم، وهي غيابنا عن الواقع الذي يلم بنا كشعب. فبالقدس ارتقى شهيدين صبيين، كان هذا هو السبب الأسمى للاستياء من إقامة حفل لعساف في روابي بينما يفترض منا الحداد. وفي غزة لم تتوقف الاجتياحات، ولم نعد نهتم لأن نحسب الشهداء، الأراضي الفلسطينية بين القدس والضفة تتسرب علنية ولم يعد أحد حتى يفكر بمحاسبة المتورطين او حتى معرفتهم، الاعتداءات اليومية التي تهدد بحرب شوارع قادمة، الفراغ السياسي وتفرد مطلق للرئيس بكل مجريات الأمور، من اقالات وتعيينات على كل المستويات. التزمت والقبلية تقصم ما تبقى منا من شعب والاحتلال يبتلع ما تبقى من أرض.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading