تخطى إلى المحتوى

إسراء عرجت إلى التراب: ضحية أخرى تنضم إلى جرائم قتل النساء بلا حساب

إسراء عرجت إلى التراب: ضحية أخرى تنضم إلى جرائم قتل النساء بلا حساب

 

قد تكون قصة موت إسراء غريب، الشابة ابنة ال ٢١68942854_142979846948307_28069784532811776_n سنة، التي توفت بعد تعرضها لضرب مبرح من قبل أفراد عائلتها، إثر اتهامات كيدية ونميمة عائلية، أدت الى رفع هرمونات الذكورة لدى عائلتها فأوسعوها ضربا مميتا، قصة اعتيادية. في مجتمع يعنف المرأة كجزء طبيعي من التربية. الكل يحوم في فضاء “شرف” الانثى، رجال ونساء، قريبون كانوا ام بعيدون، فشرف الانثى هو انعكاس لكرامة الذكورة أينما كانت.

نسمع كل فترة عن جريمة تهز مضاجع طمأنينتنا كنساء وكأفراد مجتمع، تكون ضحيتها امرأة. الامر بات اعتيادي، يكون السؤال البديهي فيه: لماذا قتلت؟ وكأن القتل عندما يتعلق بالأنثى هو العادي. هناك تبرير دائم لقتل الانثى بغض النظر عن فداحة الجريمة وبشاعتها. فالقاتل قد يكون أبا مسكينا، او اخا تدفق الدم الى عروقه وغضب، او عما او خالا او جارا او عابر طريق غيور على شرف البشرية. فقتل الأنثى تغسل فيه دناءة الخنوع وتعيد الجسارة والشرف للذكور.

ولكن موت اسراء يجسد حالة مريبة لا نراها عادة في هكذا جرائم. قصة واقعية بجدارة. قصة تضعنا مرة أخرى امام مرآتنا وترينا أنفسنا على حقيقتنا. قصة لم تمس الضحية فيه “الشرف” بعد، ولكن الشبهة لما يمكن ان يعرض ويشوه شرف الرجال بين الغرف الموصدة لامرأة يملئها الكيد ،كانت جارة او قريبة او صديقة كفيلة ان تنهي حياة امرأة بريئة.

بدأت قصة اسراء وانتهت سريعا، فتاة تبدو سعيدة بحياتها وسط طموح تبنيه بنفسها، تقدم شاب لخطبتها وأعجبها. خرجت لرؤيته مع اخته وتصورت معه ونشرت الصورة على أحد منصات التواصل الاجتماعية. وانتهت القصة تقريبا هنا!!!!

ذنب اسراء هو ذنب مجتمع يعيش في حالة انفصام حقيقية بين الواقع الحقيقي والافتراضي. بلحظة ركود الواقع الافتراضي على الحقيقي يخنقنا ويقتلنا. ففي عالم اسراء الافتراضي، كانت امرأة شابة تدير محلها الخاص، ترسل صورا عبر والانستجرام وتعبر عن نفسها كما يحصل مع ملايين الشبان والشابات كل لحظة. اسراء كان لها حجة مهمة في عرضها للصور، لأنها خبيرة مكياج، أي ان الترويج لعملها يحتاج ان تعرض من خلاله الصور. وهنا تبدأ حالة الانفصام التي تورطنا بها، في الحياة الحقيقية اسراء وزبوناتها من نساء محجبات، وما تحاول ابرازه اسراء هو جمال ما تقوم به. وكما يحصل مع معظمنا، يختلط العمل بالخاص، خصوصا في عالم لم تعد الخصوصية فيه ممكنة، فالمتابعين والاعجابات تحثنا على عرض المزيد مما هو خاص. المصيبة تكمن هنا، في هذه المساحة الشاسعة من الفضاء الافتراضي الحرة تماما، والمساحة المغلقة التي لا تتعدى حجم الهاتف النقال من الحرية في الحقيقة. انفصام حول حياتنا الى حيوات متناثرة لم نعد نعرف من نحن بالحقيقة. والحقيقة ثابتة فينا لا تتغير ولا تتعدى المساحة المخصصة لنا، تلك المسافة ما بين شاشة الهاتف والجسد الذي يستخدمه للانتشار عبر فضاء الحرية الافتراضية. لأن عالم إسراء الحقيقي لم يتغير عن ذلك المشهد التي كانت تعيش فيه بنات أمينة تحت جبروت سي السيد ، التي عكسها نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة “بين القصرين”.

لم ترق الصور التي نشرتها اسراء لأفراد من عائلتها، وهنا صارت الاتهامات الكيدية والوسوسة والتشكيك وزرع فتنة الشرف تلوح بالأفق، فما كان من الوالد والاخوة والله اعلم من أيضا الا بأن يبرحوا الشابة ضربا اضطرهم على أثره نقلها الى المستشفى. اثار الضرب واضحة من عينها المصابة ويدها المكدومة، بالإضافة الى ان عمودها الفقري قد كسر. ويبدو ان الشابة بقيت قوية، دخلت عملية وراسلت متابعيها بأنها ستكون بخير، وخرجت من المستشفى وماتت.

بدأت حملة من صديقات اسراء على وسائل التواصل الاجتماعي متهمات من خلالها عائلتها بقتلها. والعائلة بدورها نشرت بيانا تنكر فيه ما جاء من اتهامات وأكدت ان اسراء وقعت من فناء البيت وأنها كانت تعاني من مشاكل نفسية وانها توفيت نتيجة جلطة دماغية.

بيان العائلة المتضارب في أسباب الوفاة جاء بعد انتشار مقطع صوتي بينما كانت اسراء في المستشفى، سجلته احدى الممرضات على ما يبدو، تصيح فيه الفتاة مستنجدة. بعد ذلك تم اخراج اسراء من المستشفى بعد اجراء عملية في عامودها الفقري كما كانت قد أعلنت قبل يوم، بتعهد شخصي منها على مسؤوليتها بالخروج!

عادة ما يكون سبب الكسور-المسجل- في معظم الحالات “وقوع” ما عن درج، او عن طابق، او تعثر بحجر. تقارير جاهزة بين المريض والمستشفى للتستر على فرد او افراد من العائلة. – هنا لا اريد اتهام المستشفيات ، لأن الغلبة في هذه الأمور للتستر، فالمطلوب من الطبيب الا يكون سببا في فضح عائلة سيشتتها سجن الضارب. وعادة ما تدلي المرأة الضحية بنفسها بهذه الأكاذيب طواعية وبإصرار-. بالنهاية لا يمكن للأنثى “المكسورة” الرجوع الى البيت ولقد وشت بمن ضربها. فالشريفة العفيفة التي ربتها ورعرعتها هذه العائلة لا ترمي بوالدها ولا بأخيها ولا بابن عمها ولا بزوجها ولا بجارها بالسجن. لأنه سيعقب السجن أسئلة واجوبة، وستفضح بالنهاية الانثى. لأنها هي دائما السبب بجعل الذكر خارجا عن طوعه وبالتالي تضطره لضربها او قتلها.

بالعادة، نسمع عن جرائم تكون العلاقة فيها واضحة: ضحية قتلها رجل ما. الأسباب تقع في كل الاحتمالات ويجري التكتم عليها دائما، فبالنهاية علينا ستر “الميت”!

هذه المرة، وبسبب استنفاذ الوسائل الاجتماعية في فضاء شاسع مع كم الكبت الذي يمارس في مجتمعنا الحقيقي على الاناث، ونشاط اسراء على هذه المنصات حمتها من جريمة “الشرف” ولكنها لم تحمها من القتل. فما نفهمه من هذه الجريمة مرعب أكثر من الجريمة نفسها، كلام عن السحر وكيد نساء وغيرة، بكل بساطة أدت الى مقتل هذه الشابة الحالمة.

اسراء كانت كاسمها محلقة تحاول العروج في فضاء العالم الافتراضي وتصنع من نفسها امرأة جميلة، ناجحة، سعيدة، محبوبة، ولكن الحقيقة ان في حياة الانثى الفلسطينية في قعور مجتمع يزداد تخلف، لا مكان لإسراء لا يمكن فيه الا نزول الى هاوية أعمقها فتحة قبر تدفن فيه أحلام وامال. تثكل قلب ام الى الابد وتمحي وجود انثى أخرى سيعتبرها المجتمع دائما طفرة. تتدمر عائلة وينجو الفاعل دائما ويكملون الحياة… وسينشغلون في ارسال صور وادعية ووصايا خير وترحم لحياة افتراضية لا تمت لواقع الحياة المقيتة التي نحياها بصلة.

الرحمة لإسراء…. سيبقى صدى سؤال الرحيم معلقا في ضمائرنا: وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت.”

2 فكرتين بشأن “إسراء عرجت إلى التراب: ضحية أخرى تنضم إلى جرائم قتل النساء بلا حساب”

  1. تنبيه Pingback: جرائم قتل النساء…استباحة ام اعتيادية وسط كل هذه الانهيارات؟ – نادية حرحش

  2. تنبيه Pingback: جرائم قتل النساء…استباحة ام اعتيادية وسط كل هذه الانهيارات؟ – نادية حرحش

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading