تخطى إلى المحتوى

من أم “مرح عيساوي” الى وزارة الصحة: بنتي الله يرحمها ولكن هل يمكن لموتها ان يكون سببا في اصلاح خللكم؟

من أم “مرح عيساوي” الى وزارة الصحة: بنتي الله يرحمها ولكن هل يمكن لموتها ان يكون سببا في اصلاح خللكم؟

 

” أكدت وزيرة الصحة التزام وزارة الصحة بتطوير تحسين صحة الأم والطفل في فلسطين من خلال تطبيق التغطية الصحية الشاملة معبرة عن فخر الوزارة بنجاح للسحل الالكتروني لصحة الام والطفل.”

يتابع الخبر: جاء ذلك خلال توقيع اتفاقية مواصلة الدعم لخدمات صحة الام والطفل في فلسطين بين الحكومة النرويجية ومنظمة الصحة العالمية.

صحة الام والطفل….

السيدة الوزيرة، قد يكون هذا مقالي الثالث على الأقل خلال فترة غير بعيدة، بدأ خطابي بمقتل الشابة اسراء غريب، وكنت قد وضعت تساؤلات بشأن تردي الخدمات الصحية التي أدت وتعاونت وتواطأت وكانت جزء من مقتل اسراء غريب. قضية اسراء لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، والقضايا منذ وفاة اسراء لم تتوقف. يمكن سردها بسهب ووجع وحرقة.

الحقيقة انني اعتبر وجود امرأة على رأس وزارة مهم لإيصال الخطاب، فبالنهاية يفترض ان المرأة قد تتفهم وجع المرأة الأخرى سواء كانت شابة ضحية قد تكون في عمر ابنة، وسواء كانت امرأة مكلومة فقدت ابنتها للتو.( بغض النظر عن الهفوات والاخطاء التعبيرية الذكورية التي سقطت فيها تعابير الوزيرة مؤخرا)

وارجو التنبه ان مخاطبة الوزيرة هنا يقع في خطاب الشخص العام وليس شخص الوزيرة الذاتي، فهنا الموضوع ليس موضوعا شخصيا ولن يكون، ولكن يترتب عليه بلا شك اعتبارات إنسانية لأنه إذا ما تجردنا من مشاعرنا الإنسانية في ادائنا لأدوارنا العامة فسيكون على هذه الدنيا السلام.

لم تتح لي الفرصة برؤية دموع الأمهات اللاتي فقدن فلذات اكبادهن من ضحايا الأخطاء الطبية والتستر على الاجرام الذكوري في قتل الانثى والأطفال والعنف، ولا ضحايا الإجراءات والانتهاكات الإنسانية بحق المرضى التي تنتهي بكل بساطة الى الموت.  ولكني بكيت بحرقة كل ام مكلومة وكل ابنة وكل صديقة وكل جارة لخسارة انسان كانت الحياة لا تزال مشرقة له وسحق وجودها خطأ او اهمال انساني طبي، وتواطأ على عدم حساب المسؤول وتستر على فقدان لم يكن قد حان وقته.

 

هناك ام فقدت ابنتها للتو.

ام مرح عيساوي. هل سمعت عن مرح؟

مرح شابة كانت في مقتبل العشرين من عمرها الذي انتهى بعد أن تبرعت بدمها في احدى محطات التبرع بالدم التابعة لوزارة الصحة- بجامعة بيرزيت-

مرح كانت شابة خدومة، نشيطة، صاحبة حس وطني عالي، تتدفق من عينيها الحياة، قبل ان يطفئها تبرع بالدم من اجل العمل الإنساني.

مرح فقدت حياتها وهي تحاول ان تقدم الحياة لانسان اخر.

إم مرح، كغيرها من الأمهات ارادت عمرا مديدا لابنتها، ارادت ان تفرح بتخرجها، وانتظرت ان يأتي نصيبها، قبل ان يخطفها الفايروس الملعون الى الموت. وكما ارادت البهجة لابنتها دائمة الهجة في حياتها، كل ما تريده اليوم الراحة لروح ابنتها الفقيدة.

الراحة في معرفة السبب. الراحة في توضيح حقيقة ما جرى. والراحة في انقاذ من يمكن إنقاذه نتيجة الاستهتار بحياة البشر. الراحة في تدارك الأخطاء وتلافيها لعل وعسى حياة انسان تنقذ.

ام مرح تريد ما ارادته مرح، الا تنطفيء شعلة حب الشباب للتبرع بالدم من اجل انقاذ حياة البشر.

 

لا أحد يعلم حتى اللحظة ما الذي جرى لمرح. ولكن هناك معلوم وحيد: مرح كانت سليمة للغاية حتى تبرعها بالدم.

ضحكاتها ومداعبتها بينما كانت تجلس على السرير من اجل التبرع بالدم تدوي بأذني بين طنين وترددات تسأل: بأي ذنب ذهبت من هذه الدنيا؟

تدهورت حالة مرح على مدار أيام متتالية وتم وضعها في غيبوبة لمدة أسابيع إثر هجوم الفايروس على دماغها، حتى أصيبت أخيرا بجرثومة بوحدة العناية الخاصة بالمستشفى (مستشفى هداسا).

سبب الوفاة علم،( وهو الفايروس الذي أصابها في اليوم الأخير بينما كانت بالعناية المشددة بالمستشفى)، ولكن سبب مرض مرح الذي أدى الى استفحال وضعها ودخولها في غيبوبة هو الاحجية التي بقيت تستدعي جوابا من قبل وزارة الصحة.

ردود وزارة الصحة منذ اعلان وفاة الشابة مرح العيساوي جعلت كل من يتابع الموضوع في حالة ريبة. وهنا انقل ريبة ام مرح، التي رفعت يديها الى السماء تسترحم ابنتها ولكن تسأل، ما الذي جرى وما الذي يجري عند التبرع بالدم؟

هل المشكلة بالإبرة؟

وهل المشكلة بالتعقيم؟

هل الامصال المستخدمة صالحة؟

وهل الاستمارات التي تعبأ من اجل التبرع بالدم تراعي حالات الناس الصحية؟

مرح كان دمها ١٢، ولقد اجري الفحص الخاص بالتبرع وسجل ان دمها ١٤. كيف لا تراعى الدقة بالفحص؟ كان جواب من قدم الفحص للام الثكلى: نحن لا ندقق، ممكن يكون زيادة واحد وممكن يكون ناقص واحد!

وكأي مواطن مخلص لوطنه، كانت عائلة مرح مخلصة في موضوع انقاذ حيوات أناس اخرون، كانت وحدة الدم ستنقل لهم. عندما عرفت العائلة بأن فايروسا أصاب مرح، حاول افرادها جاهدين الوصول الى بنك الدم لإعلامهم بضرورة التخلص من وحدة الدم التي تم التبرع بها.

عند وفاة مرح سارعت وزارة الصحة بنشر بيان تبرئ ساحتها من المسؤولية وتناولت عدة نقاط جعلت الرأي العام في ريبة وتساؤل: فكان هناك تناقض في فحوى البيان الذي ذكر ان اخ الفقيدة مرح اتصل بهم وأخبرهم ان مرح مصابة بفايروس، وتناقض في سلامة وحدة الدم بعد الفحص الاولي ثم إيجاد اجسام مضادة في وحدة الدم بعد الفحص الثاني.

في مقابلة مع المتحدث باسم الوزارة على تلفزيون وطن، قال ان الوحدة كانت غير صالحة من اليوم الأول وتم اتلافها.

التناقض بين ما جاء بالبيان المكتوب من جهة، والذي جعل من العائلة تصدر بيانا توضيحيا بما حصل بالضبط، والتناقض والمغالطات بين البيان المكتوب والمحكي يؤكد ان هناك ما تتستر عليه الوزارة.

في الأصل، لم يكن هناك اتهام للوزارة. كان هناك سؤال مشروع: ما هي الإجراءات المتبعة، ووجوب التحقيق وطلب تقرير التبرع والفحص الذي قيل انه اجري لوحدة الدم. بالنهاية هناك انسانة توفيت بعد ان تبرعت بالدم؟

كان من الواجب ان تقوم الوزارة بلحظة علمها بالأمر أولا، ووفاة مرح ثانيا، بالإعلان الفوري عن بدء التحقيق في هذا الشأن، ليس من باب تحميل الوزارة المسؤولية والتشكيك بها، ولكن من باب تحمل المسؤولية من الوزارة واخذ زمام الأمور لمعرفة ما جرى وتصويبه ان كان هناك خطأ ما.

ولكن، هب الوزارة الى موقف الدفاع عن النفس وابعاد الشبهات عن طريق وضع معلومات خاطئة ومغالطات يستدعي الشك والريبة والدعوة الى فتح تحقيق خارج نطاق الوزارة نفسها.

نحن نتكلم هنا عن أرواح ناس.

هناك أناس يموتون بسبب هكذا أخطاء او إجراءات.

ما هي الإجراءات المتبعة وكيف يتم التعامل مع المتبرعين؟

إذا ما صدقنا ان وحدة الدم المتبرع بها والتي تبين على حسب تصريح المتحدث باسم الوزارة الصوتي كانت غير صالحة وتم اتلافها، فلماذا لم يتم التواصل الفوري مع المتبرعة؟ يعني البديهي ان يفهم الانسان انه يذهب الى التبرع وهناك مواصفات أولية تستدعي اخذ الدم او عدم اخذه، وفي حالة الفحص الثانية إذا ما تبين خلل، يجب اعلام صاحب الدم، بالنهاية نحن نتكلم عن صحة انسان.

يعني، كان التصرف المسؤول هو تصرف عائلة مرح عندما حاولوا الوصول – وبعد جهد جهيد- الى الجهة المسؤولة عن التبرع لبنك الدم الفلسطيني واعلامهم بأن هناك خلل ما بوحدة الدم. الا يجب ان تتصرف الوزارة هكذا مع المتبرعين إذا ما تبين انهم يعانون من خلل ما؟

اين تقرير الوزارة بشأن وحدة الدم التي تبرعت بها مرح؟ تلك التي تم إتلافها ، وتلك التي تم إيجاد اجسام مضادة فيها؟

أسابيع مرت على وفاة الشابة مرح، ولم يصل العائلة رد من الوزارة بشأن التقرير المرتقب. لم نسمع كلمة من الوزارة عن الموضوع.

هل توقيع اتفاقيات باسم الام والطفل يعزز دور الوزارة وبالتالي يجردها من مسؤولياتها؟

باسم مرح التي تجول روحها حولنا باحثة عن جواب لخطف حياتها منها.

باسم ام مرح التي يعتصر الدمع في عينيها ويستعصي على النزول.

باسم كل انسان يتبرع بدمه وكله امل ان يداوي بدمه انسان ما.

باسم كل من يأتمنكم على حياته وصحته بانتظار دم نقي لإنقاذ حياته.

باسم كل ام تريد ان تفرح بابنها وابنتها

باسم كل اب لا يريد ان يثقل بهم يكسر الظهر ويحرق القلب

باسم الوطن الذي يستجدي الحياة

اتقوا الله بنا….

حياتنا وحياة أبنائنا يجب ان تكون أثمن ما بالوطن… فكفاكم هدرا لدمائنا.

نريد تقريرا وتحقيقا نزيها وصادقا وحقيقيا بقضية دم مرح.

 

لم نتحامل على وزارة الصحة؟ لأن النظام الصحي بمرفقاته هو المكان الذي يأمن اليه الانسان المحتاج حياته. المرافق الطبية هي الأماكن التي نذهب اليها من اجل الحصول على فرصة لحياة سليمة اذا ما توعكنا او اصابنا الم او مرض. فكيف تصبح المرافق الصحية كالمسالخ ( لا زلت اشعر بالاستياء وعدم التصديق لاستخدام متحدث وزارة الصحة مصطلح ” البعرة تدل على البعير” بمقابلته على تلفزيون وطن. هل هذا مصطلح يتم تداوله من متحدث بوزارة صحة؟).

 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading