ولا تزال التصفية مستمرة

 

 

 

كيف يمكن أن يعرِّف المرء كيانا، يعطي وزير تعليم سابق، حقيبة وزارة الحرب؟ هذا ما تشكله إسرائيل بكيانها الاحتلالي الذي لم يتوار ابدا عن خطته الدائمة بالتصفية العرقية للشعب لفلسطيني، وتحويل ما تبقى منه الى مسوخ بشرية تخدم هذا الكيان.

طبعا، لا يوجد في الكيان الصهيوني ما هو ابيض واسود، فكل من يسخر هذا الكيان “ابيض” العرق، وما يندرج تحته من سواد يتحول الى رمادي على امل الانتقاء “الابيض.” والنتيجة مخلوق يشبه ما آل اليه الفنان الأمريكي الراحل مايكل جاكسون، مع الاخذ بعين الاعتبار ان أمثال جاكسون المقتدرين على تسخير الأموال بقدره لتبييض نفسه قلة. وفي كل الأحوال فإن النتيجة دائما تفرز مسوخا.

تعيين “بينيت” لوزارة الحرب حقق أهدافه بالنسبة لنتانياهو، في ظل معركة تشكيل الحكومة الإسرائيلية المتعسرة. ليضع تشكيلة حكومة اقلية (بينيت -شاكيد) مع جانتس غير ممكنة، وبالتالي يترك التشكيلة العربية في الكنيست الصهيوني في وضع أصعب وعلى الهامش -كالعادة-. ليصبح الامتحان مرة أخرى فلسطينيا لا إسرائيليا. اين سيكون الولاء الفلسطيني بداخل الكنيست في هذه الاثناء؟ هذا هو شكل الكيان الإسرائيلي، يبرز قوته ويصنع امجاده من خلال قتل الفلسطينيين. لا يوجد هنا ما هو ابيض او اسود مرة أخرى. فما هو ابيض للإسرائيلي اسود للفلسطيني.

لكي تكون إسرائيليا “ابيض” يجب ان تكون جزءا من “تسويد” حياة الفلسطينيين أينما كانوا.

اليوم فقدت فلسطين شهداء جدد، فارتقت زوجة وأبناء وزوج مقاوم، بهاء أبو العطا وأسماء أبو العطا. تركا عائلة من أبناء وبنات ليكملوا حياتهم وسط يتم وكرب.

قد يبدو العدوان على غزة في كل مرة أكثر قسوة. وهو كذلك. فكم القصف والدمار الذي يتركه العدوان لم نعد نراه نحن القابعون تحت بساطير الاحتلال المباشرة. فالاغتيالات ما بين مدن الضفة تكون هادئة بالكاد تثير ضجيجا. زوبعة في فنجان بأقصى ارتداداتها. بين اغتيالات واعتقالات لم يعد الشعب حتى يميز. بالأمس ارتقى عمر البدوي من العروب بدم بارد بمشهد لا يقل دموية ولا ظلما.

اما في غزة، فلا رقيب ولا حسيب، يقصفون ويقتلون وتلملم غزة دمارها واشلائها وتكمل الحياة. نرى منها مقاومة أحيانا، ونرى منها بؤسا أحيانا. فليس اغتيال بهاء أبو العطا وزوجته أسماء الا مشهدا اخر في ظلم غزة، لا يختف كثيرا عن الظلم الذي يعيشه الانسان المسكين في غزة. ظلم الفقر الذي جعل من يحي كراجة يحرق نفسه.

بين تعيين نفتالي بينيت وبين اغتيال القيادي الجهادي – سرايا القدس- بهاء أبو العطا، تبقى حقيقة أخرى لا يمكن الا نتوقف عندها وهي الأهم. لماذا الآن؟ من الناحية السياسية الإسرائيلية، فالاغتيال يشكل حراكا لمصلحة تشكيل الحكومة الإسرائيلية لتخدم كفتي اليمين الأكثر تشددا في إسرائيل، سواء كان بزعامة نتانياهو او جانتس، ولكن الضربة المباشرة هي من قبل نتانياهو لجانتس، بدحض فرصة تشكيل حكومة اقلية (جانتس- شاكيد -بينيت)

ولكن هناك ما هو مهم في   اغتيال أحد كوادر الجهاد الإسلامي، بهاء أبو العطا الملقب ب “المزعج”، لوقوفه بالمرصاد ضد تمرير أي اتفاقيات تحاول حماس في غزة الرضوخ لها. فهل تكون المرحلة القادمة هي سلسلة من اغتيالات القيادات “غير المعتدلة” في صفوف المقاومة في غزة تمهيدا لاتفاقات ما بعد أوسلو- صفقة القرن-؟

فضحية فلسطينية أخرى او ضحايا ليسوا الا أرقاما مهما كان اسم الضحية مهم، في سلسلة “الاضاحي” الفلسطينية تحت قيادات تعمل من اجل مصالحها. فان كنا كشعب فلسطيني نعول على المقاومة في غزة ولو بمحدودية، تعي جيدا، ان القيادة السياسية في حماس تغيرت وتلوّت في معاييرها وولاءاتها منذ تفكك تحالفاتها. وقد يكون تحول مسيرات العودة الحدودية الى مساومة حدودها رفع الحصار هو دليل على هبوط معايير حماس يوازي سقوط معايير فتح المدوي في المفاوضات. والشعب من جهته لم يعد يفكر الا بقوت يومه من اجل البقاء.

قد تضج صواريخ غزة مضاجع الإسرائيليين لبعض الوقت، كما ستزداد اعداد الضحايا من الفلسطينيين والدمار. فوصول عدد الشهداء الى ستة والجرحى بالعشرات، بالإضافة الى إصابة مواقع كالهيئة المستقلة لحقوق الانسان ليست الا دق طبول من اجل مساومات جديدة… تخفف من حصار يزداد خناقا على الشعب ويوسع من افق الفساد ما بين سلطتين، ليبقى الحال على ما هو عليه. لا انتخابات محتملة تحرك ركود الوضع الفلسطيني الراكد، ولا افق حلول سياسية يستطيع المفاوض الفلسطيني التنازل من خلالها لتمرير صفقة القرن- المجهولة-

 

اترك رد