تخطى إلى المحتوى

فساد نتانياهو ونتانة منظومتنا

 

 

فساد نتانياهو ونتانة منظومتنا

 

وسط أزمة إسرائيل بتشكيل حكومة، تأخذها على حسب التقديرات، للمرة الثالثة للانتخابات، قرر المدعي العام الإسرائيلي توجيه اتهامات تتعلق بالفساد لرئيس الوزراء نتانياهو.

في المقابل، كان رئيس السلطة الفلسطينية قد أعلن قبل شهر من نيويورك، وفي حمى الانتخابات الإسرائيلية المعادة، عن نيته بالتوجه الى انتخابات. وباشر الفلسطينيون من منتظرين لانتخابات قد تعيد الحياة بما لا يزال ينبض من القضية الفلسطينية، بالتفاؤل وعقد الاجتماعات وورشات العمل وبحث رؤى وخطط وآمال. وطبعا، بعد هذه السنوات الطويلة العجاف من الحياة بلا انتخابات تحت سلطة ثابتة بحزبين متفرّدين في شقي الوطن المحتل، هناك طوابير من “المسترئسين” من الشعب بين اولي السلطة والناس العاديين. فمن الطبيعي ان يري الكثيرون أنفسهم “رئيسا” قادما، فما نراه ونعيشه منذ أوسلو، وتحديدا منذ الانقسام ما بين غزة والضفة بفتح وحماس، جعلنا كشعب نعيش حالة من التدهور في كل المستويات. فما نراه ونعيشه ونشهده من تعيينات على كافة المستويات السلطوية لا يمكن وصفه الا بالهزلي من ناحية، وبمؤشر للانهيار بالمنظومة السيادية وفسادها المطلق من ناحية ثانية.

فمنظومة الفساد الخاصة بنا لا يمكن وصفها الا ب”النتنة” لحجم ما نراه من تفشي مقزز للفساد الذي اصبح ممنهجا. فالتعيينات بكافة المناصب السلطوية مبنية على الفساد. ما نراه من تسريبات مالية بالمعاشات من سكرتيرة لمتسلط ووصولا لوزير جعلتنا حتى نصرف النظر من كثرة ما امتلأت اعيننا بفساد نشاهده. فساد يعيد تكرار نفسه بالوراثة. أموال عامة تسرق على مرأى العين، أسواق وفرص واستثمارات تفتح للمتنفذين وابناءهم والمقربين منهم. والشعب بين عبودية للمتنفذين من ارباب السلطة من جهة، وللعمالة الرخيصة لدى ارباب الاحتلال الإسرائيلي على كافة المستويات.

بشكل عام، سقوط نتانياهو ومحاكمته وزجه بالسجن بعد هذه السنوات من الخدمة المتفانية للمنظومة الصهيونية، يؤكد ان هذا الكيان لا صاحب له. ولكنه يؤكد كذلك ان ادعاء الديمقراطية هو امر حقيقي. مما يجعل ما يجري لمصلحة الكيان الإسرائيلي الذي يروج لديمقراطيته وسط شرق أوسط مليء بالدكتاتوريات الظالمة والمظلمة. ولا اعرف ان كان ينبغي على كفلسطينية بأن انظر لسقوط نتانياهو كانتصار يحسب لي، فبالمحصلة، ما يجري من محاسبة لنتانياهو يصب في مصلحة كيان إسرائيل. وفي كل الأحوال يضعنا امام حقيقة عارية تماما، وهي عري منظومتنا الفلسطينية التي يخر بها الفساد من كافة الاتجاهات وعلى كل المستويات.

التهم الموجهة لنتانياهو تسمى بالقضية ١٠٠٠ او قضية الهدايا، والتي تشمله وعائلته بسبب مزاعم حول تلقيهم هدايا ثمينة جدا، من بينها مجوهرات ثمينة لزوجته، زجاجات كحول غالية. هذه الهدايا شكلت تهما بالرشوة والاحتيال وإساءة الأمانة ضد نتانياهو.

ما الذي يمكن ان يصفه المرء الذي يعيش في مستنقع من الفساد لكذا اتهامات؟

لا اشك ان الفساد المتعلق بنتانياهو أكبر من زجاجات كحول ومجوهرات ثمينة لن استغرب إذا ما كانت بنهاية الامر من شفاروفسكي (أي لا تتعدى قيمته في أحسن الأحوال الالف دولار)، كما زجاجات الكحول الباهظة التي يتراوح ثمن الزجاجة منها المئة دولار. فاذا ما تمهننا بالجريمة الموجهة له، لا يمكن الا ان نرى من نتانياهو انسانا نزيها بمقاييس الفساد الذي نعيشه. وللحق بمقاييس الفساد بشكل عام. إذا ما صار نتانياهو رئيسا للسلطة، فسنعيش في رفاهية مؤكدة، بحساب قدر فساده بهذا المستوي.

بينما تجاهد “إسرائيل” من اجل الاتيان بحكومة يمكن تشكيلها بديمقراطية مؤكدة، رفعت الأصوات في فلسطيني بعد اعلان الرئيس عن نيته بالانتخابات لتؤكد ولاءها المطلق للرئيس الأوحد والوحيد أبو مازن، وصارت حملات بايعناك وكأنها الحال الدائم بانتخابات وبدونها.

لا زلت اذكر عندما تم انتخاب أبو مازن بالمرة الأولى – والوحيدة- ترديده لعدم رغبته بالترشح لفترة رئاسية أخرى. كنت أفكر ان هذا الرجل بالكاد ينتهي من سنوات محددة بالأربعة او الخمسة، فلا يبدو انه يريد سلطة. لم افهم ابدا ان ما قصده بعدم رغبته بتجديد ترشحه انه لن يكون هناك انتخابات أخرى من بعده. كما لم افهم ان المحصلة له كانت كذلك بمبايعة مؤكدة في أسوأ تقدير.

اعترف اليوم وبعد كل هذه السنوات من حكم أبو مازن وثلة ارباب السلطة من حوله، انني لا أتمنى ان نرى انتخابات جديدة. فلقد استحكم أبو مازن وسلطته، كما استحكمت حماس وارباب سلطتها بكل اوصال المجتمع الفلسطيني، لدرجة تجعل من عدم وجودهم بشخوصهم مصيبة يترتب عليها مجهول أكثر قتامة من الموجود حاليا.

فاليوم نحن نعيش مع فساد نجحنا بتذويته بطريقة او بأخرى. يتم سحب ما تبقى من ارض وسيادة مزعومة من تحت ارجلنا ببطء وباستحكام مدروس. نعيش هائمين كمن يتعاطى مهدئات تفقده التفكير وتمنعه من أي ردة فعل. ننظر حولنا بينما القدس تهوّد والصهينة تتغلغل في عروق سكانها، والمستوطنات صارت شرعية بالحكم الأمريكي، وسنرى قانونيتها القادمة عندما تتكشف التسريبات لأراضي صارت مستوطنات ونحن ننظر ونندب. ومن باعوا وقبضوا الثمن يخرجوا ببيان شجب واستياء، ويصرون بالعلن على ما باعوه في صفقات مقايضة هذا الوطن.

المقاومة صارت إرهابا، والتطبيع صار طريقة حياة محمودة، والعمالة صارت نيشانا يفتخر به صاحبه ويجلسه على المنابر المهمة والاهم تحت اسم الوطن، وغور الأردن والجولان صارت بحكم الأمريكي والواقع إسرائيلية. الحواجز صارت معابر حدودية رسمية. نشاهد ما يجري في قلنديا الذي تحولت من “مطار قلنديا” تاريخيا، الى “معبر قلنديا الحدودي”، وكل ما ننتظره هو تسهيلات للازمة اللعينة التي تسيطر على ساعات مرورنا من تلك الثلة التي تحولت من عسكرية الى كتل بشرية متراصّة، يشكل المرور من خلال “المعبر الجديد” املا قادما وحلا لازمة حياتية لا تجعلنا نفكر الا بالعبور سالمين.

ما نعيشه من فساد ممنهج وممؤسس يجعلنا منغمسين حتى رؤوسنا بالنتانة… ويجعل من نتانياهو نزيها امامنا.

 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading