راودني الكثير من الأفكار عند سماع الاغنية \ الاوبريت. بدءً تذكرت اوبريت صوفيا صادق لملك الأردن الراحل الحسين بن طلال (يا أيها الملك الاجل)، ثم تذكرت كتيب (رئيسنا قدوتنا)، وبينما انهيت لائحة الأسماء للطواقم والهيئات المشاركة، والتي اخذت دقائق كثيرة من عمر الاغنية العظيمة، عبارة مراسلة تلفزيون فلسطين للرئيس بمكالمة هاتفية تهنئه وتشكره بالنيابة عن المقدسيين بانتصاره لمنع الاحتلال من وضع البوابات على مداخل الأقصى سنة ٢٠١٧.
الحقيقة، الانسان العادي الذي لا يعيش من “التسحيج”، لا بد انه أصيب بحالة من الصدمة الصامتة، بعد نوبة ضحك وسخرية، أدت بلا شك، الى حالة من اللطم بعد مشاهدة الاوبريت العظيم.
تساؤلات كثيرة استوقفت الكثيرين امثالي، اود مشاركتها هنا، لعلها تصل للرئيس. أو لأولئك العباقرة الذين يقدمون له هذه النصائح في أبدية الحكم الرشيد. فلا يمكن التفكير اليوم، بأن الرئيس لا يهتم لهكذا تمجيد تسحيجي وضعه أخيرا في مرتبة الملوك. فهل الفكرة ان يتحول حكم المقاطعة الى حكم ملكي؟ من اجل الحلول البناءة، لا بد ان هذا مخرج فاعل للرئيس، فلن يكون هناك حاجة للتلويح بانتخابات من جديد، ولن يقلق الرئيس بمن حوله ممن ينتظرون فرصة لهم بالرئاسة من احباب واعداء. وسننتهي نحن الشعب من سراب الانتخابات العبثية، التي سنستمر بالخوف من مغباتها.
يعني بالمحصلة، فكرة الملكية مناسبة للخروج من مأزق الانتخابات، وبالمحصلة كذلك، نحن الشعب كما يبدو بالأوبريت نوافق على ان نكون عبيدا في حكم الاقطاع الحاصل، لا بل نريده ونرجوه ونحيا بزهد ورقي وعظمة الشعوب التي تحيا تحت هذا الحكم الرشيد.
لإحقاق الحق هنا، ما الذي نريده أكثر من مشهد عظيم كهذا بكلمات اغنية تؤكد هذه العظمة، فلقد تحررنا وتخلصنا من الأعداء وكدناهم. وصرنا نجوما ثم سهاما نحو القدس؟ ورام الله تكلل الانتصارات العظيمة بمشهد يتوافق مع الاوبريت الأعظم مع نهاية العام وتزيين المدينة بشجرة الميلاد؟ قد تصبح رام الله مدينة الانوار وتتزاحم مع كل دول العالم في مسابقة أكثر المدن انارة في عيد الميلاد (لا اعرف ان كان هناك هكذا مسابقات)، يعني شيء يكون على غرار أكبر كوفية وأكبر صحن تبولة وحمص. طبعا، لن اذكر ان خيمة اعتصام الاسرى المحررين التي انقطعت رواتبهم قد فضت من اجل انارة الشجرة. ولن اذكر كذلك انه وفي حمى الانارة المشعة تبرأ والد من ابنته لارتباطها برجل من غير دينها. ولن اذكر الرصاصة التي وجهت الى مدرسة فيما يشكل بدء لاقتتال داخلي شعبوي سيودي بنا لنكون غبار العابرين التي ذكرته كلمات الاغنية.
ولكن، لو كنت مكان الرئيس لأوقفت هذه الاغنية بالحال وعاقبت كل من شارك في خط كلماتها وبالتالي من شارك في أدائها من مغنين وكومبارسات وهيئات مهمة، فهذه الكلمات تدحض في الكثير منها بفكرة السلام واولويات الرئيس ونهجه ، فهل تنبه الرئيس انه وصف بأنه:” انفض غبار العابرين لقد دنى فجر الخلاص في كفك غصن السلام وبكفك الأخرى رصاص بعثرت ارتال العدى جردت انياب الطغاة ومخالبا مترصدة؟”
هل يعقل أن من روّج لأغنية ازرع ليمون ازرع تفاح، هو نفسه من روّج لهذه الاغنية الثائرة؟
ما الذي سيفعله الإسرائيليون المرابطون بالمقاطعة من اجل السلام والمقاومة السلمية عندما يسمعون هكذا كلمات تروج للمقاومة غير السلمية.
وغصن الزيتون في كف والرصاصة في كف، اليست شعارا لرئيس اخر؟ للرئيس عرفات الذي طالما ردد هذه الشعارات وارادنا نحو القدس شهداء بالملايين؟ الم يتنبه من كتب كلمات هذه الاغنية ان عبارة:”يا سيد المجد الذيجيلا فجيلا يحمل ورثت من هذا الثرى غزل الحصاد ومنجل. كم قلت سيروا أنجما للقدس سرنا أسهماوويا حارس القدس الابي في مسرى سيدنا النبي”
تقنيا، الرئيس لم تطأ قدمه القدس الا في عزاء رئيس الاحتلال شمعون بيريس. فعن أي حراسة تتكلم الاغنية؟
ولكن العبارة في ذاتها قد تكون تحريضية بجدارة، وتعطل إنجازات السلام العظيمة التي لا تتوقف عنها الرئاسة ولجنة التطبيع وكبير المفاوضين. ماذا تعني كلمة سيروا أنجما؟ هل تعني ان نصبح نجوم؟ أي علينا ان نستشهد أولا ثم نصير نجوما في السماء. ثم ننزل أسهما. الحقيقة لو كنت في ماكينة الاعلام المضاد للأعداء لوجدت هذه عبارة تحريضية قوية. هذه ليست من شيم رئيسنا المليك.
وفي سياق نقدي اخر للكلمات العظيمة للأغنية، لو كنت مكان الرئيس الذي تمجده هذه الاغنية وتؤكد خلوده
رئيسنا خالد ولن يعيبه اشتعال الشيب بالرأس. لو كان مخترع الكلمات أكثر اطلاعا لاستخدم التقارب بين الرئيس باشتعال الرأس شيبا وزكريا بالآيات الكريمة بسورة مريم. يعني كانت هذه “القفلة” مناسبة جدا، اشتعال الرأس شيبا ثم سيرنا نجوما الى القدس ومن ثم صيرنا أسهما.
الحقيقة، اعرف انه يحق للشاعر ما لا يحق لغيره، لكن الاستعارات هنا غير موفقة، فلا اعرف كيف جاءت كلمة الفخار بالفتحة، لأنني كقارئة عابرة للنص المدرج تحت الاغنية لم أستطع الا ان ارانا فخارا بالضمة لأتذكر بينما اشاهد عبثية المشاهد اننا كالفخار والقافلة نحو خلود الرئيس بإنجازاته في دحض العدا تسير بينما نحن الفخار نطبش ببعضنا
لنا الفَخار بنا سموت بالفكرة الأسمى علوت وقد دنا منك المشيب وما تعبت ولا سلوت “
يا سيف امتنا الذي نحمله شعبا مؤمنا جرد نجومك في العلى نأتيك موجا موقنا”
يا سيدي…. يا سيد كل هؤلاء…. الحقيقة ان الرئيس بعد هذه الاغنية لا يحتاج لان يناديه امثالي بسيدي، فالأوبريت شارك به الشعب بأطيافه كما رأينا، وهؤلاء توجوه على عرش الخلود ونادوه دوما بيا سيدي
فلا يمكن الا نتوقف امام سيل الأسماء والهيئات والجهات التي كانت خلف هذا العمل الجلل. ولا يمكن الا ان يتساءل الانسان العادي مثلي. ما العلاقة للكثير من الجهات المدرجة؟ على سبيل المثال لا الحصر، ما علاقة الضابطة الجمركية، وحرس الرئيس للترتيبات الأمنية، وقيادة الامن الوطني، ونقابة المهندسين والصحفيين؟ ما علاقة وزارة الصحة ومديرية الخدمات العسكرية الطبية والهلال الأحمر؟ ما علاقة اللجن الأولمبية واتحاد كرة القدم ومجلس الشباب الأعلى؟ ما علاقة قوات الامن الوطني والشرطة والدفاع الوطني؟
وكذلك لن أتساءل عن المغنيين الذين يحملون جوازات السفر الاسرائيلية (ثلاثة من أصل أربعة)، ولن اسأل عن احقية هيئة الإذاعة والتلفزيون بتقديم عمل منحاز بعيد عن أي حياد يطلبه العمل الاخباري، ولن استغرب ان تكون هذه الاغنية في وصلات الإعلانات الإخبارية حيث ان من شارك بصناعتها الإدارة العامة للأخبار.
طبعا لن اسأل ما علاقة وزارة التربية والتعليم والمدارس المدرجة، فلقد تم دفع طلاب المدارس لمواجهة قرارا ترامب بشرعية المستوطنات في يوم الغضب. ولا بد ان من اعاز للرئيس بعظمة فكرة كتيب رئيسنا قدوتنا اعاز له كذلك بسمو وخلود وعظمة فكرة اوبريت يا ملاك السلام يا حارس الحلم الندي.
أي حلم ندي؟ حلم تحول الندى فيه الى سيول كتلك التي تغرق رام الله مع اول شتوة. سيول تتحول الى مستنقعات وحلية تغرقنا وتحول حلم الندى الى كابوس الوحل.