من سجن نفحة وعسقلان والنقب إلى عوفر… تستمرّ الانتهاكات، ولكن نختار التوقف عند صيدنايا
معرض الاستقصاء المعماري في مؤسسة القطان
تحت عنوان الاستقصاء المعماري – نهج مضاد، تحّمسْتُ التجوال نحو أروقة المعرض المقام بقاعة مؤسسة القطان. ذكّرَني العنوان بالباحث الإسرائيلي إيال وايزمان الذي تخصص بهذا المجال بعد كتابه “احتلال مدني” قبل أكثر من عشرة أعوام وتلاه كتابه بنفس الصدد “ارض الظلمات” ولم تكن مفاجأة ان أرى اسمه بواجهة فريق القائمين على هذا العمل.
ايال وايزمان إسرائيلي يعمل على رصد انتهاكات دولته بتأصيل الاستعمار ضمن مخطط تصفية عرقية يراها بنهج العمارة في إسرائيل منذ بدء الاحتلال.
على حسب التعريف فإنّ “الاستقصاء المعماري” المعروض على حائط المعرض هي “وكالة بحثية أسست في كلية غولدشميدت بجامعة لندن تعمل على انتاج تحقيقات مكانية وإعلامية حول عنف الدولة والشركات، والدمار البيئي، وانتهاكات حقوق الانسان. حيث تقع جذور الاستقصاء المعماري في بحوث الوكالة على حسب ما هو مكتوب الى مجابهة العنف الاستعماري الاستيطاني والعسكري في فلسطين. وعلى مر السنوات تم تطبيق بعض التجارب في فلسطين بالتحقيق في قمع الدول في انحاء أخرى من العالم. ”
وفي هذا المعرض اختار القائمون على عرض بعض التحقيقات التي أجريت في تلك الأنحاء من العالم، آملين على حسب التعبير المكتوب “ان تلقى صدى وان تضيء على اشكال محلية للنشاط السياسي، موطدة روابط التضامن منه النضال الفلسطيني.”
الحقيقة قرأت باستمتاع وبشغف وحملت كاميرتي وبدأت التجول لإرسال صور لأبنائي عن إنجازات الوطن الكبيرة من معارض تحاكي اهتماماتهم ودراستهم في العمارة.
وإذ بي أنظر الى المعروضة التالية تحت عنوان “التعذيب في سجن صيدنانا”. لوهلة فكّرت أن الجهة القائمة على المعرض تقوم بتسليط الضوء على ما لا نعرفه من سجون احتلال منتشرة. لُمْتُ نفسي لعدم معرفتي بسجن آخر للاحتلال يقبع في حجراته الالاف من الفلسطينيين منذ سنوات الاحتلال ولا يزالوا. ولكني ما لبثت البدء بالتبرير لنفسي عن مكان لا الوم به اهمالي في معرفة مآل المكان الذي احيا به، حتى دَوَتْ الكلمات أمام عينيَّ كالصاعقة المفاجئة فكانت الفقرة التالية: “منذ عام ٢٠١١، أعدم عشرات الالاف في سجون النظام السوري او ماتوا في مراكز توقيف تابعة لهم، فيما عُذّب عشرات الالاف.”
لم اصدق ما كانت تقرأه شفتاي من عبارات. اطفأت الكاميرا وقررت الخروج من المعرض.
لا اعرف كيف يمكن أن نصف ما يحدث، في وقت تمرّ من بيننا صفقة القرن كالينبوع بعد دويّ الشلال المباغت. رئيس يطالب بعودة المفاوضات مع شريكه الإسرائيليّ الذي خرج للتو من السجن بعد حكم بالفساد بعد أن كان رئيسا للوزراء. في ذلك اليوم كانت الاخبار تتلاحق في إعلان للشهيد تلو الشهيد.
صور من كل مكان للقمع الإسرائيليّ بين ضرب واعتقال وقتل في كافة انحاء المدن الفلسطينية. اريع شهداء كانوا محصلة يوم من المواجهات. أطفال تسحب من قبل أجهزة القمع الاستعمارية في مشاهد تصرّ أن تعيد نفسها. أصوات لآباء فُجِعوا للتّوِّ بخبر موت فلذات قلوبهم. أنين لأهات لم تعد الصرخة قادرة على الصدح من حناجرهن.
وطن يُسحب من بين أيدينا وامام اعيننا في وقت نحتاج فيه الى وحدة شأننا والتركيز في مصابنا وفضح الاحتلال أكثر من أي وقت. في وقت يقترب العالم القريب والبعيد من الاحتلال في تحوّلٍ بائسٍ نحن مسؤولون عنه. تستوقفك رام الله فاتحة أذرع الثقافة في معرض بأهم صروح الوطن الثقافية يخبرنا بشاعة التحقيق والتعذيب في سجن صيدنايا
فتى توفّي في داخل غرف التحقيق الإسرائيلية قبل أيام قليلة.
فتية في المعتقلات يمنع عنهم المحامين واهاليهم لا يعرف ولا يسمع عنهم أحد.
ظروف السجون من قمع واستباحة للمعتقلين الفلسطينيين يكتب فيها بحوث ويرصد من خلالها فظائع تمارس يوميا، بين سجون رسمية وسجون كبيرة نحيا بها على الحواجز التي تحولت الى معابر.
كيف انتهت مصائب البشرية عند الفلسطينيين التي تمارَس ضدهم كل وسائل القمع والاستباحة من قبل القوات الاستعمارية الاحتلالية، وتركناها لنتلكم عن سجن صيدنايا في سوريا؟
ما الذي تريد المؤسسة الراعية والقائمون على هذا المعرض ان يرسلوه لنا في عقر دار الاحتلال في سجن رام الله الكبير؟ ذاك السجن الذي تحدّه قلنديا وبيت ايل، وتغلق عليه المستعمرات من بسجوت الى موديعين التفافاً؟
هل لنا ان نفكّر مثلاً انّ قمع الدولة السورية اشدّ بؤساً مما نعيشه من اعتقالات وتعذيب وحياة في سجن يضيق علينا تدريجياً من التفاف جدار الى حاجز الى شارع عابر للمستعمرات على أراضينا وحياتنا وأنفاسنا؟
في وقت تتكشف فيها المؤامرة على سوريا، وبعيدا عن لومنا للدولة السورية او تحفظنا على افعالها الدكتاتورية في وسط حريق أشعلته أمريكا وترشّ الزيت عليه دول الخليج وتركيا. يموت ويتشرد بالفعل أبناء سورية بسبب الامبريالية الكولونيالية التي تهدف الى حرق المنطقة واسكانها برمادها، لا يزال منا من يحمل لواء التجريم ضد حكومة تكالبت عليها البشرية بينما نعيش نحن تكالب العالم القريب قبل البعيد علينا. لا يزال صوتنا المندد لرئيس وزراء السودان ولقد انتصرت ثورتها من الدكتاتورية وصار الولاء لإسرائيل هو عنوان الوجود الجديد.
هل بفضح ما يجري بسورية نصرة لفلسطين من رام الله او حتى نصرة للسوريين في بقاع الأرض؟ هل القمع والقتل والظلم بسوريا اصعب عليكم من ظلم احتلال يصفّي بنا عرقيّاً وقتلنا كلما استطاع ويشتتنا مع كل فرصة؟
هل التوقيت مقصود لعملية الهاء أخرى لمن تبقّى غير ملتهٍ من هذا الشعب في توافه الحياة، ليجعلنا نشكر الله ونتذرع له على وجود الاحتلال الذي يبدو من خلال التعريف بما يجري بسجون سورية رحيما؟
هل يراد منّا ان نعتذر للاحتلال ونمتنّ لإنسانيّته المتدفقة في قتلنا وتعذيبنا وتشريدنا؟
هل بقينا امام إسرائيليين يقيمون معارض في فلسطين لكشف ما تقوم به أنظمة الجوار العربية وكأنهم حراس الديمقراطية والعدل والانصاف؟
حتى أولئك الإسرائيليين الذين جنّدوا انفسهم في فضح نظامهم الامبريالي العرقي ذات يوم ، نجحنا في تحويل وجهتهم الى مكان آخر!!
الحقيقة انني اشعر بالعجز امام كل هذا العجز الفاضح من كل الاتجاهات.