سيوة… نسيها الخلق فسواها الخالق

قد يكون اسم سيوة اسما يسمع لأول مرة للكثيرين ، كما واحة سيوة من اسمها تبدو وكأنها جزء من مكان اخترعه مؤلف الف ليلة وليلة .

وهذا ليس بغريب اذا ما عرفنا ان سيوا تقع على بعد ٨٣٠ كم من القاهرة ، وفي قلب الصحراء الغربية بالقرب من الحدود الليبية. يعيش بها ما يقارب ال٣٥ الف نسمة من الأمازيغيين. وقد يكون هذا اهم ما يميز سيوا قبل التكلم او التطرق عن الثروات الطبيعية التي حطها الخالق بإبداع في هذه الواحات .فسيوا غنية بالثروات الطبيعية، والآثار منذ الفراعنة ومرورا بالإسكندر الأعظم ووقوفا عمد محمد علي . تشتهر بنخيلها وزيتونها وبحيرات املاحها الطبيعية والبرك الكبريتية وتشتهر بموسم دفن الرمل للعلاج الطبيعي.

كثرت السياحة الى سيوة في السنوات الاخيرة ، وما من زائر ذهب الى هناك وعاد بانطباع سيء. تتحمل مشاق الطريق وعبئها مقابل كم الجمال الذي تستقبلك فيه تلك الواحة المنعزلة.

شعور بالطمأنينة يصاحبك مع اول لحظة تلتقي فيها سيوي. شعور غريب صعب وصفه ، خصوصا اذا ما كنت متذكرا انك في مصر. ففي مصر بشكل عام ، يشوه المستغلون للسياحة قيمة الكنوز المصرية في التاريخ والحضارة والآثار المترامية امام ناظر السائح. ولكن في سيوا تصدق بالفعل عندما يعرض عليك الرجل خدماته بلا مقابل ، وعندما تفاصل التاجر على سلعة وعندما يضيفك مضيفة في الفندق او المرشد او السائق المرافق.

طمأنينة حقيقية تبدو وكأنها مركبة في ارواح اهل هذه الواحة. اعترف انني كدت اصدق ان العلة تبدو في التركيبة العربية ، فهؤلاء بالرغم من اعتزازهم بهويتهم المصرية ولسان عروبتهم الا انهم ليسوا عربا ، ولا يزالوا يحتفظون بكل ما يبقي هوياتهم العراقية بدء من اللغة ووقوفا عند ثقافتهم وتراثهم . والطيبة جزء من موروثهم بكل تاكيد.

وان كانت الطيبة معدية ، فلا بد ان من يأتي الو هذا المكان يصاب بعدوى الطيب الو الأبد فيصبح سفير سيوة في كل مكان .

لا يمكن الا تستوقفك محاولات احياء الإرث والمحافظة على البيئة في سيوة فيتردد الى مسامعك اسم الدكتور منير في كل مكان تتوجه اليه. من الفندق الصغير الذي أقمنا به الذي تبين انه يملكه ، الى الفندق البيئي المسمى بجعفر ( نسبة الى سيدي جعفر المدفون على ذلك الجبل) على بعد ثلاثين كيلو مترا من بلدة شالي وباب انشال التراثية. اسم الفندق الرسمي أدرار املال اَي الجبل الأبيض .كعادتي توجست لفكرة رجل الأعمال والأب المخلص بين البسطاء ، ولكني كنت بانسجام مطلق مع كل ما يجري معي ، الفندق الصديق للبيئة الذي أقيم به والبساطة الرائعة في كل تفصيلة وبين كل أفراد من يعملون حتى في الشارع المقابل . رحلة السفاري في الصحراء التي يدهشك فيها السائق بقدر ما تدهشك الصحراء والأصداف وبقايا الأسماك في عمقها. عالم من الكون لا نفهم منه الا ذرات الرمل المتطاير أمامنا . سحر يملؤه سحر.

فندق جعفر او ادرار املال كان المحطة الاخيرة ، بدعوة على العشاء من صاحب الفندق الذي لم نره ولم نتعرف عليه. فندق صديق للبيئة ، ابداع لا يمكن الا تركيب الخيال فيه عند رؤيته في دمج عبقري رائع متجانس بموسيقى بين روعة الطبيعة وابداع تتملكه البساطة.

ما اصعب البساطة فكرت طوال الطريق . ابداع يجعل المرء يقترب من الكمال …. فقط عندما يتماهى مع ما خلق الله له من نعم ويحاول الحفاظ عليها.

وصلت الكهرباء الى سيوة منذ ٣٥ سنة فقط وكانت تأتي لعدة ساعات . كانت اقرب نقطة حياة لهم مرسى مطروح وكان الوصول أيها يحتاج سفر ثلاث ايّام ، فمنحهم انور السادات طيارة مرتين بالأسبوع بسعر تذكرة الاوتوبيس ١٧٥ قرش.

حتى بداية التسعينات اقتربت سيوة الى الاندثار ، فلا اهتمام ولا خدمات. وكأن زيارة الدكتور منير للمنطقة وهو بيئي ومهندس أبنية قديمة ، كانت النور الذي بعثه الخالق لينير هذه الواحات.فعمل من سيوا راحته الخاصة واستثمر بكل امكانياته لإعادة احيائها والحفاظ على تراثها .

تستقبل اليوم سيوة السياح بشكل لافت اكثر. سكانها لا يتذمرون ، نسبة البطالة لديهم صفر. مرتاحون ، يستمتعون بقدوم الزائر ويحتفون به. يتكلمون عن الحفاظ عن البيئة وينتجون ويصنعون ويحيون ما يستطيعونه من إمكانيات ارضهم ومتمسكون بإيمان وحب بتراثهم .

أهي الأمازيغية التي تستدعي هذا الاحترام ؟

لا اعرف … فمنير في هذه الحالة ليس امازيغيا. ولكن الجواب يكمن في الإخلاص وحب الارض والإيمان بنعم الطبيعة ، مع خلطة من الصدق والبساطة والأصالة …. تجعلك تتمنى لو عالمك اليومي يصبح سيوة…

اترك رد