من امن العقاب ساء الادب وقتل واغتصب… وطبطب

من امن العقاب ساء الادب وقتل واغتصب… وطبطب

الخبر الذي تم تداوله بشأن اغتصاب جماعي من قبل خمسة اشخاص في منطقة بيت لحم، لسائحة اجنبية ـ بولنديةـ وربط المرافق لها بينما تناوب على اغتصابها خمسة، لم يترك لأي مساحة للعقل ان تفهم ما يجري. الخبر بكارثيته حمل خبرا كارثا اخر تمثل في محاولة حل الامر عشائريا من اجل التفاهم واسقاط الحق – الدفع- لعائلة الشاب المرافق الذي تم ربطه وضربه.

من ناحية، لا يمكن الاستغراب من كارثية ما يجري في وقت تنهار فيها المنظومة الأخلاقية بتركيباتها المختلفة، فالشعب يعيش في هوة تحميها من الانهيار منظومة تدعو الى التطرف من كافة الاتجاهات مدعومة بالتدين العرفي، تحمي بكل ما يمكنها من حماية الرجل، مقابل عملية افساد ممنهجة تطال القلوب والنفوس فيما نراه من فيديو كليبات وافلام واغاني تحرض وتشجع وتجعل من التنمر والعنف والفجور والانحطاط من تعري وجنس واعتداء واغتصاب مغلف بصبغة الفتوة وقوة السلاح والجريمة، تزامنا مع انهيار ممنهجا بالتربية والتعليم. فلا يمكن الاستغراب من تأثير أغاني المهرجانات على المصريين إذا ما استخدمنا حادثة التحرش الجماعي الذي حصل في مدينة المنصورة عشية رأس السنة. وما يجري عندنا لن يكون استثناء عندما نشاهد كيف يتحول المجتمع الى ما نراه من غضب وسخط على المرأة متمثل في كل ما يظهر منها من جسد. انحطاط في انحطاط لا تكون هكذا حادثة مروعة فيه غريبة إذا ما تفكرنا قليلا. وبالنهاية أسهل ما يقال عن امرأة انها عاهرة تكون استثارت غرائزهم المكبوتة ولم يعرفوا لجمها. وتنتهي بالعادة في اسكات الموضوع ودفنه بجلسة عشائرية تبدأ بفنجان قهوة وتنتهي بدية مالية، تغلق فيها فضيحة تحولت فيها المرأة من ضحية الى عاهرة.

هنا، بدا الامر مربكا، عند التفكير عن تدخل العشائر لإصلاح الامر في دية لامرأة اجنبية ربما. هذا ما يمكن فهمه مبدئيا، فالضحية هنا هي المرأة التي تعرضت للاغتصاب، ليتبين ان التدخل العشائري لمصلحة الرجل االضحية الذي كان مرافقا للمرأة الضحية.

بدأت الاخبار هنا بالتضارب بين اتهام بمحاولة الشرطة بالتكتم على الامر، وبين تساؤل عن هوية الأجنبية، وبين تفاصيل البيان والفيديو الذي تم نشره لاحد المتهمين بينما يتلقى الضرب ويعترف. وبين تعتيم ام سكوت واختفاء للموضوع كأن لم يكن.

الفيديو المتداول يظهر شابا يتلقى ضربا مبرحا بسيارة، ويسأل الضارب المضروب فيه: انت اغتصبتها… والمضروب يجيب وهو يبكي بنعم.

والفيديو هو نفس الفيديو الذي صرح عنه المتحدث بلسان الشرطة الفلسطينية، حيث وضح:

” ان هناك اعتداء عليهم من قبل مجموعة من المواطنين المستنكرين لفعلتهم بعد التعرف عليهم من قبل ذوي المعتدى عليه وهو الاعتداء الذي يظهر في أحد الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وعند وصول الشرطة والوقائي تم القبض عليهم بعد فرار المواطنين المتجمهرين بالمنطقة.
وبسماع أقوالهم اعترفوا بجريمتهم وتم تشخيصهم من قبل المعتدى عليهم وتوقيفهم وإحالة القضية للنيابة العامة. لاستكمال الإجراءات القانونية بحقهم أصولا حيث باشرت النيابة تحقيقاتها بالملف لإحالتهم للقضاء لمحاكمتهم حسب الأصول.”

 الحقيقة انني لم افهم هنا من هم المقصودين: أولئك؛ الذين ضربوا الرجل بالفيديو ام المتهمين بالاغتصاب؟

طبعا، ضاجت التعليقات أكثر بذلك الفيديو ليعطي فرصة للناس بصب نار غضبهم على الرجل المضروب. صار هناك قرار وتأكيد ودخلنا جميعا في دائرة الرجامين المطالبين بعقاب أكبر.

قانون الغاب هذا هو من يسحق بنا أكثر وأكثر. هل ادافع عن مغتصب؟ لا احتاج الإجابة هنا، ولكن على ان اتحكم بما تبقى لي من عقل وانتبه لما يتم ترويجه وزجه في وجوهنا من معلومات. فكيف لي ان اقرر جرم الرجل بينما كان يتعرض لهذا الكم من الضرب؟

ولكن لم تنته ريبتي من الفيديو هنا، فاذا ما كان الاعتراف باغتصاب صريح، فلماذا جاء بيان الشرطة بالحديث عن حالة تعدي لم يرتبط فيها حتى ذكر التعدي الجنسي؟

طبعا لم يعد بالإمكان الفهم ما الحابل من النابل هنا، وصار الحديث عن مجرمين متهمين بجرائم اغتصاب سابقة، كأن الاغتصاب مثل جرائم السرقة والنشل. حرامي، مغتصب عادي. كيف يمكن ان يكون هناك أناس مع اسبقيات بهكذا جريمة مطلقون هكذا بين الناس؟

الحقيقة ما يجري يذكرني بقضايا لا يزال البحث عن الحقيقة فيها مستترا، قضية نفين عواودة وملقط الحواجب، وقضية رائد الغروف والارغام على الاعترافات كما بدأنا المشاهدة قبل أيام بشهادة المتهمين والظروف الاستبدادية الظالمة التي يتم تعريض فيها المتهمين لأبغض الوسائل من اجل الاعتراف بجرائم…ربما لم يرتكبونها. وقضية اسراء غريب والجن.

ودليل ملقط الحواجب لهو أكبر برهان على عملية يتم فيها تزوير الوقائع وخلقها من جديد بواقع لا يقبله عقل دابة.

أين السائحة الضحية؟ هل اشتكت الى الشرطة؟ من صاحب الحق في هذه القضية الرجل المرافق لها ام هي؟

أين المؤسسات النسوية وأين الشيوخ؟

لم هذا السكوت المفاجئ؟

نعم أقدر ان تكون الأمور قيد التحقيق وعليه يجب انتظار تحقيقات الشرطة، ولكن بماذا؟ بقضية اغتصاب امرأة من قبل مجموعة من الوحوش البشرية؟ ام ان هناك جريمة او واقعة أخرى يتم التحقيق بها؟ هكذا قضية لا يمكن ان تكون قضية مغلقة. كيف لنا ان نأمن أنفسنا ويناتنا في مجتمع يطلق فيه المغتصبين؟

هل نتكلم عن قضية أخرى لا تمس الاغتصاب بصلة؟ وعليه تم “طبطبة” الامر لمصلحة شخص ما بطريقة ما بديباجة ما بلا أي تقدير ولا حتى مراعاة لقدر الإساءة التي قد تنجم عن هكذا فضيحة؟

ها نحن امام قضية تهويل وتشويه اشبه بقضية الاختطاف الكاذب قبل شهر لطفل في اريحا؟

بيان الشرطة لم يتطرق الى وجود او عدم وجود جريمة اغتصاب بهذه البشاعة. لم نفهم من البيان إذا ما كان البيان متعلقا أصلا بالخبر المتداول. كنا بحاجة لتوضيح رسمي عن حقيقة الامر أولا.

سؤال انتظرت الرد عليه من الامس لهول المصاب. توقعت ان نرى الرئيس ورئيس وزرائه ووزير الخارجية وسفير بولندا وسفيرنا ببولندا بالإعلام للرد على هذه الجريمة بحق مواطنة دولة اجنبية؟

اين الممثلية البولندية من الواقعة المشينة؟ الممثلية والسفارة تتابع كذلك مع الشرطة. هل تتابع بكل بساطة الممثلية جريمة اغتصاب نكراء متعددة لمواطنة لها هكذا بكل هذا الهدوء؟

اين الرد الرسمي الفلسطيني وتعليمات الرئاسة والوزارات بهذا الشأن إذا ما كان هناك قضية اغتصاب بشعة؟

في هكذا كارثة نتوقع ان نسمع فورا بيانا استنكاريا من وزارة الخارجية ووزارة السياحة؟ فما يجري يضرب بالسياحة أكثر من ضرب الكورونا لها. ولكن لم نسمع أي كلمة استنكار. خصوصا، ان ما جرى مع المواطنتين اليابانيتين في رام الله بشأن الكورونا استدعى التدخلات الفورية من كافة الجهات، حتى الشرطة تدخلت وسارعت بالقبض على من اهان اليابانيتين، والمحافظة استقبلتهما والشعب ذهب وفودا للاعتذار.

كيف نتصرف مع بولندا؟

كيف نعتذر؟ كيف نرد؟

ام ان هناك بالأمر ما هو اخر؟

من دليل ملقط الحواجب الى الغاء كاميرات فندق كبير الى جن يركب انسانة الى اغتصاب سائحة اجنبيه اغتصابا جماعيا وحل الامر بعطوة عشائرية…. خللنا يشير الى خلل منظومة مريبة متعددة لا تؤمن المجرم افقط بل تطبطب عليه.

لنتأكد ان من امن العقاب ساء الادب وقتل واغتصب وطبطب.

معرفة الحقيقة حق لنحمي أنفسنا ونحمي من حولنا لنأمن واياهم امنا نتوقع ان نعيش على الأقل ابجدياته.

خسارة ما يجري من انهيار متلاحق.

اترك رد