تعامل الحكومة الفلسطينية مع وباء الكورونا…شكر على واجب؟
نعم، أصابت السلطة بإعلان حالة الطوارئ بخطوة مسبوقة عن معظم دول العالم. كان القرار جريئاً ومهما، تحمّل تفسيرين، يؤدي الأول منهما الى الثاني: أن يكون الفيروس قد تفشى لدرجة لا يمكن حصرها الا بهكذا خطوة وقائية مباشرة، او ان يكون بدء تفشي الفيروس الذي لم يكن بالإمكان حصره مع اعتراف السلطة بأنها لا تملك سبل الوقاية ولا العلاج عند التفشي.
في كل الأحوال رحم الله امرئ عرف قدر نفسه، وتعامل السلطة بمستوى امكانياتها وبالتالي اعلان حالة الطوارئ كان مهما ومسؤولا.
وقد يقول قائل، ان السلطة اخذت قرارا سهلا، فهي لا تملك ما تخشى عليه كالدول الأخرى، لا حدود ولا اقتصاد يتأثر ولا نظام صحي قادر على تحمل تبعات كارثة صحية.
من المهم القول كذلك، ان التعامل الرسمي بمختلف قطاعاته موضوع الوباء كان إيجابيا نوعا ما، وتطور بشكل تصاعدي مع مرور كل يوم، في تدارك للكثير من الازمات المتتالية.
التعامل مع موضوع القروض والبنوك والتأجيل، وكذلك معاشات العمال الى غيره من أمور مالية تترتب على الناس تحسب بجملة تدابير الحكومة الإيجابية في هذه الازمة.
محاولة إيجاد وسائل فاعلة للتعليم عن بعد.
ولا يمكن الا الإشادة الحقيقية بما تقوم به وزيرة الصحة من دور مسؤول وسط ازمة بهذا القدر من الصعوبة التي لا يعلم متى تنتهي أحد.
ولكن….
هل يترتب على اخذ الحكومة دورها بمسؤولية ان ننصب لها تماثيل ونحول مسؤوليها الى ايقونات الاعمال البطولية؟
هل علينا شكر رئيس السلطة لأنه اعاز بإعلان الطوارئ وعلينا كذلك ان نفرش له الطاعة والعرفان لأنه تبرع بصناديق تموينية لأهالي مدينة بيت لحم المعزولة بسبب تفشي الفيروس؟
طبعا، لن استخدم هذا الحدث لكيل التهم والاستياء من التصريحات بهذا الصدد وكأن الرئيس يتبرع من حر ماله للمحتاجين. هذا هو صلب مأساوية الامر، ان يتحول ما هو واجب على الرئيس والحكومة كأنه عرفان وتقدير لتشريف لمسؤولياتهم لا بتكليف تتمثل به رتبهم بالأصل.
هذه المناصب هي بالأصل تكليف لا تشريف، وهذا هو الامتحان الوحيد الذي قد تجتازه السلطة.
ولكن بين اجتياز السلطة بكفاءة تبدأ وتنتهي بمبدئية اخذها المبادرة بإعلان حالة الطوارئ، وبين وما يتطلب الامر من خطوات حثيثة تتطلب جهودا وطاقات جبارة وكفاءات حقيقية، فهذا امر آخر.
ان نتأكد ان ما يقرب على الثلاثة عقود من عمر السلطة لم ينشئ مختبرا حقيقيا لهكذا ازمة فهذه مصيبة.
وان كانت هذه مصيبة، فتبعياتها أسوأ، عندما نفكر بالكفاءات. اين المختبرات؟ اين الجامعات؟ اين التخصصات العلمية العديدة بهذا الشأن؟ اين أصحاب الجوائز والتكريمات والإنجازات العلمية؟
كيف يعقل ان تخلو دولة بها مرافق صحية من مختبرات تفحص فيروسا؟
نعم… لا يمكن ان اتفاجأ او ادعي الصدمة، فرأينا التخبطات في نتائج الفحوصات المتعلقة بعينات الطب الجنائي في جريمة اسراء غريب وغيرها. ولكن.. ربما تعودنا الحسرة في صمت عندما يكون الموضوع موت. فأي نتيجة ستعيد ميت الى الحياة؟
ولكن هنا، نحن نتكلم عن احياء … عن مختبرات تأخذ عينات لتفحص وجود فيروس. كم مستحيل ان يكون هناك مختبر؟ كم مستحيل ان تنتج هذه الازمة وفورا مختبر؟ لأعيد واسأل، اين الكفاءات العلمية المتخصصة بالجامعات؟
ولن اقبل بأن يكون الجواب لا يوجد موارد. فما مر على هذه السلطة واركانها من جامعات ومراكز بمشاريع يبني على الأقل مختبرات تخصصية.
كمية تموين الناس لاحتياجاتها لحالة الطوارئ يؤكد ان هناك الكثير من الأموال الممكن استثمارها لأمور أكثر من تموين. – طبعا استخدم هذا المثال مجازا لتبيان كيف يمكن ان يكون هناك موارد نراها في ابنية وأسواق ومدن جديدة وغيرها من استثمارات.
من جهة أخرى، في ظل اعلان للطوارئ ومؤتمرات صحفية على مدار الساعة، كيف يمكن فهم عدم التزام الشعب بفكرة حالة الطوارئ امام التزام الحكومة ومحدثها ورئيسها بمؤتمرات تحديثية على مدار الساعة واليوم؟
كيف يمكن فهم اكتظاظ المحلات واستغلال بعض التجار للأسعار وانانية البعض الجشعة بالتسابق على جرد المحلات من المنتجات؟
كيف يمكن فهم استمرار حالة التجوال المكتظ في بعض الشوارع، وإقامة الصلاة عنوة بالمساجد والجوامع او بالشوارع والتنزه والتجمعات المغلقة؟
كيف يمكن فهم السماح للبعض بتجاوز منطقة العزل وكيف يمكن تبيان حقيقة السيطرة او عدم السيطرة على الفيروس من خلال المعطيات؟
فيبقى المواطن حائر بين ارتياب وشك. بين رعب وتسيب. ليسأل نفسه ان كان ما يجري مؤامرة أخرى علينا كشعب؟ فكيف تعطل المدارس والجامعات وتطلق الجوامع والاسواق؟
كيف تمنع المناسبات من افراح ومؤتمرات ويسمح بالاكتظاظ في المحلات بلا رقابة؟
الاعداد لا تزداد بالمقارنة بما يحدث بالجوار. ولا يمكن ان تكون الحواجز التي صارت معابر، وجدران العزل والفصل قد خففت من انتقال العدوى. أكثر من مئتي ألف عامل فلسطيني يعبر جانب الأخر لكيان الاحتلال يوميا، وبينما تصاعدت الاعداد في خلال أيام قليلة متتالية لديهم من ٧٥ الى ٩٥ الى ١٩٥ الى ٢٧٧، بينما يستقر الرقم عند السلطة بين ٣٥-٣٧.
إذا ما كانت ال ٢٠ حالة التي وجدت في بيت لحم أدت الى عزل المدينة، فلماذا يتم التفكير باحتمالية عزل طولكرم لصعود العدد الى ٢؟
هل الوضع بالفعل مسيطر عليه ام ان لا سيطرة لسلطة على فيروس؟
هل تقول لنا السلطة الحقيقة كما هي؟ ام يطمئنونا ويستمتع بعض اربابهم بنشرة الظهور والاستعراض؟
هل يحقق الانكار او التنكر أي حفظ ماء لوجه الحكومة من الوباء القاتم؟
في المقابل، هناك تكهنات بأن “إسرائيل” ستكون إيطاليا التالية…
رأينا ما جرى بإيطاليا، وكيف انهار نظامها الصحي بالكامل بالرغم من صلابة دولة بحجم إيطاليا. رأينا كيف يرتفع اعداد المصابين يوميا ليتركوا للموت برعب حقيقي يخيم على مدن إيطاليا المختلفة. رأينا كيف وصل الاستهتار والاستخفاف من تقيد الشعب بالتعليمات ووضوح الحكومة من اول الازمة بحبس حقيقي وموت يهدد بثقل في كل مكان.
نرى ما يجري بالأردن من تخبط بعد إصرار على حالة واحدة لترتفع فجأة الى ١٥ ومن ثم حجر على رحلات قادمة بأكملها بلا سؤال ولا جواب.
في حالتنا، لا يسع السلطة الا ان تقول الحقيقة كما هي. فالشعب يعرف شح الإمكانيات وغياب لبناء نظام صحي وتعليمي وغيره….وعليه فالوعي الواجب كما التعليمات المقيدة هو سيد الموقف فقط. لأنه بلا وعي سيتفشى الوباء بلا عناء، وبلا تعليمات مقيدة ملزمة سيتسرب الوباء من كل اتجاه. فلا ينفع “تنظيم” ولا “إقليم” ولا “عشيرة” في هذا الوضع.
لا يحتمل الوضع تسريبات نتوه في حقيقتها او تزويرها.
لا يحتمل الوضع الا الحقيقة… فقد تنقذنا.
ويتطلب الوضع مبادرات حقيقية، فلقد تبينت هزلية وخديعة المنهاج الالكتروني الذي تبنته وزارة التعليم السابقة، لنرى أنفسنا امام دروس متلفزة عهدناها في زمن عفي عنه الدهر، بتقنيات صورة حديثة.
ونعرف ان المستشفيات لن تستوعب وليست مؤهلة. كيف يمكن توظيف الموارد البشرية والمالية والعينية الموجودة لنتحضر جيدا لما هو قادم.
الكورونا برعبه أكد على عدم تفرقته بين مسؤول وشعب. بين غني وفقير. بين فهيم وجاهل. بين متعلم وامي، بين كبير وصغير.
سينجو من الكورونا من يستحق الحياة … شعوبا وحكومات.
ولكن…. يبقى وضعنا بكل الأحوال استثناء… لأن هناك احتلال حتى لو تقرب منا للنجاة من الكورونا- ولا مفر لنا وله من ذلك-، سيستخدم الوضع ان لم يكن الان في المستقبل ضدنا. نعم… بينما الكورونا يتفشى بيننا بلا تفرقة، هناك احتلال يتربص بنا ينتظر أي فرصة ممكنة للتخلص منا. فيجب الا ننسى هذا ابدا بينما نفكر بنجونا بأنفسنا الان.
تفشت الينا الكورونا لتوكد ان الانسان في حسابات الطبيعة واحد. وان الحكومات الرأسمالية الطابع كلها واهية. أسست رأسمال لبعض الافراد وتركت العالم بلا نظام يحميه.
احتمت بنفسها بالسلاح وجعلت من الحروب رأس مال وقوة. وتركت اهم ما يحتاجه الانسان من بناء على المستوى الجمعي ليكون وحيدا انانيا.
وها نحن نعيش الانهيار الذي سببه فيروس…ليؤكد على وهن قوة الانسان الرأسمالي. وجل ما يحتاجه الانسان من حصانة تبدأ وتنتهي بجسده وحرصه وانتمائه لوجوده كانسان.