رواية “الطاعون” في زمن الكورونا…يجب الا يفوت قراءتها احد

منذ أسبوع وانا أقرأ رواية الطاعون بالطريقتين المسموعة والمقروءة. تمر امامنا في هذه الأيام التاريخية لحياتنا مشاهد من الماضي بين روايات وافلام وتوثيقات عن اوبئة اجتاحت العالم فيما مضى. ولا بد ان الكثيرين الان شاهدوا فيلم كونتاجيون الذي يتكلم عن فيروس انتقل من الصين الى أمريكا وكيف قتل من قتل والذعر الذي اثاره وتركه في الملايين حتى تم إيجاد مصل بعد شهور. ولكن بينما تكلم الفيلم عن بعض التفاصيل بما يشبه الشرارة السريعة في كيفية تنامي وتفاقم الاحداث. تتكلم رواية الطاعون عن تفاصيل تخترق المشاعر الإنسانية في تركيباتها البسيطة والمركبة في نفس الوقت. التعقيدات المطلقة والتسهيلات. الايمان والكفر. التسليم والقتال.

رواية الطاعون ليست رواية اعتيادية، وليس صدفة حصولها على جائزة نوبل للآداب. فالعمق الفلسفي والنظريات التي تم استخلاصها من الرواية وادراج كاتبها على قائمة فلاسفة القرن العشرين كان سببا في أهمية الرواية التي كان الطاعون في زمنها ماضيا والوصف الذي تعمق فيه الكاتب مليئا بضروب خيال الكاتب المتدفق.

توقفت ربما عند كل فقرة بالرواية، في سابقة لعاداتي في القراءة. وقلة هي الكتب التي اعيد قراءتها، كما قلة هي الكتب التي تمسك بي لأكثر من أيام معدودة. والسبب واضح في وقت نعيش فيه تفشي فيروس الكورونا وتحوله الى وباء عالمي.

المقاربة المباشرة فيما جرى بأحداث الرواية التي كان وحشها الطاعون، وبين تفاصيل جد مشابهة لما يحصل اليوم مع الكورونا، يؤكد ان ما يجري بالحياة ليس الا تكرار للأحداث. في كل مرة يكون السؤال الأهم: هل يعتبر البشر؟ والجواب لن يتغير اليوم كما لم يتغير بالسابق. فالندم كما يصفه الكاتب هو حجة الانسان على استمرار الخطأ. يندم ويستغفر ويعيد من الخطأ خطايا.

تعامل الدولة وتعامل الشعب مع الامر لا يختلف بتاتا في تعاملنا اليوم من حكومات وشعوب متقدمة او متخلفة. لحظة فارقة من التاريخ تفرض نفسها وبقوة على الكون وتلزمه بيته. حجر بيتي لا يفرق بين قصر ولا خرابة. طاعون او فيروس يصيب الغني والمشهور والمتعلم والفقير والجاهل. المستغلون من البشر للبلايا، والمستفيدون من المصائب هم نفسه في زمن الطاعون كما نفسهم في زمن الكورونا.

تمشي احداث الرواية في وتيرة اشرع من تلك التي نعيشها في أسابيع قليلة. فالأيام والاسابيع والفصول تسارعت مع صفحات وفصول الكتاب. وصف لتفاصيل الاحداث يفصل بينه فقط الأسماء والزمن. التلغراف والواي فاي.

كقارئ امشي مع الاحداث بترقب. وفجأة توقف امامي الزمن كما توقفت الاحداث في مشهد لا يفارقني.

الطبيب في الرواية يعيش مع الاحداث باعتياد الى ان يصل الى لحظة يكون فيها المصاب طفل. فجأة تتعطل فيها مفاهيمه الاستسلامية التي طالما تعاملت مع الموت باعتيادية. كان الطاعون يأخذ كل من يلامسه الى موته الأسود. وكان الطبيب متقبلا يقلب المرضى ويودعهم في موتهم. الى ان كان هناك طفل اقترب الى ان يصير ضحية.

في ظل ما يجري في حياتنا من ظلم الحروب التي الفنا ان نعيشها حتى اجتاحت الكورونا حياتنا، صارت الضحايا أرقاما. لم نعد نهتم ولا نعبأ. كلنا اعتبرنا أنفسنا امنين فيما نظنه مساحاتنا الامنة. أطفال اليمن وسورية وغزة والعراق. الاف الأطفال انتهوا الى موت مظلم ظالم على مدار السنوات، وكل ما قمنا به النظر والمشاركة إذا ما كان الضحية ينتمي الى فئة ننصرها. الى ان توقف طفل سوري صار ميتا قائلا: سأخبر الله بكل شيء.

هل سمع الله شكوى ذاك الطفل واصابنا ببلاء على شكل وباء اقعد الكون في جبروت من يحكمه في البيوت في حظر لم يشهد له الزمن مثيل؟

في الرواية، يأخذ الوصف بما يخلد بمشاعر البشر بلحظة فقدان طفل. تبدأ الألم والاوجاع بإصدار أصوات لم تعد انينا معتادا منذ هجمة الطاعون. كيف لطفل ان يتحمل هذه الاوجاع؟ لماذا يتحملها؟ وكيف له ان يتحملها؟ لا يتحملها….

تبدأ هنا أسئلة كان قد تم طرحها ببداة الرواية بطرح نفسها من جديد. الصلاة ورجل الدين. كيف تحول الناس من الايمان الى الخرافة. فقدوا ايمانهم بالله وتعلقوا بخرافات قديمة لعلهم يجدوا دواء للطاعون عندما لم تعد الادعية تداوي.

هل يستطيع رجال الدين اخذ النصيحة من الطبيب؟ عنوان لمقالة كان رجل الدين قد أعدها.

عندما تحول الطاعون من شبح الى موت اسود، لم يعد الامل باختفائه واقعيا. وهنا فقد الامل برجال الدين.

كان الحجر البيتي هو النجاة الوحيدة. لم يترك الطاعون رجال الدين ولم يحمهم. فمات معظمهم، ومن بقي كان من هرب او اختبأ.

وعليه، الدين في أيام الطاعون لا يمكن ان يكون الدين في الايام العادية.

في أيام الطاعون… كما أيام الكورونا…. خلاص الانسان هو ما يجمع. الكل في مهمة من اجل خلاص الانسان بإنقاذه من بلاء واحد، الطاعون… الكورونا. في ايمان بالمطلق…الله.

اترك رد