مع اقتراب انتهاء الاسبوع الثالث من حالة الطوارئ كيف يمكن تقييم الوضع؟

مع اقتراب انتهاء الاسبوع الاثالث من حالة الطوارئ كيف يمكن تقييم الوضع؟

اظن اننا انتهينا من موضوع تقدير الحكومة على خطوتها الاستباقية بإعلان حالة الطوارئ لمدة شهر، كذلك تحسن أدائها بالتصريحات ومحاولتها بتنظيم نفسها في هذه الازمة.

خرجنا من ثلاثة أسابيع من اعلان حالة الطوارئ بينما يبدأ العالم الان بإعلان حال الطوارئ في بلاده، ومن المتوقع ان نكون قد اقتربنا من حصر الوباء. ولكن هل اقتربنا؟

السلطات الإسرائيلية بدأت اليوم حظر التجوال في جميع أماكن سيطرتها وأعلنت مخالفات وعقوبات لمن يكسر الحظر. مستشفياتها تعج بالمصابين والأرقام في تزايد مرعب.

تركيا يتصاعد فيها اعداد الإصابات والوفيات بوتيرة مخيفة، كما في اسبانيا وفرنسا والأردن وقطر وغيرها. وإيطاليا تحصد الوفيات بما يمكن وصفه بمصيبة حقيقية.

وفي فلسطين تم الإعلان عن عدد المصابين وعدد المتعافين، والناس تعيش حياتها بين من يلتزم الجلوس في البيت وبين من يكمل الحياة وكأنه يوم عادي اخر. الأسواق مفتوحة والاكتظاظات اعتيادية، ومصاب الكورونا المعلوم محصور ويتم التعامل معه في السياق الاجتماعي العام وكأنه مصاب بالجذام يجب الهروب منه.

نعم يجب الهروب منه، ولكن الفرق بين الكورونا والجذام، اننا لا نعرف من المصاب. فمصاب الكورونا قد يكون أي أحد وكل أحد. ومن اجل هذا يفرض العالم حظر تجول على شعوبه في هذه الاثناء.

بعد التصفيق والاشادة في حصر الاعداد. يبدأ سؤال مهم جدا.

علمنا عدد الإصابات التي نجمت على ما نراه من مصدرين: الأول كان مجموعة السياحة التي جاءت من اليونان وقبلها من كوريا. والعائدين من الجامعات الأوروبية او من أوروبا بشكل عام. وهؤلاء خضعوا للفحص لان وضعهم يلزم الفحص. أي ان كل من عاد من البلاد المختلفة تعرض للفحص. وعليه تبين من هو مصاب ومن هو غير مصاب. والمصابين من بضع المئات العائدة وعائلاتهم المباشرة لا يتعدى أصابع العشرات.

ولكن كيف نعرف ما هو وضع باقي الشعب؟ هناك الملايين الذين لم يتم فحصهم، وعليه لا يمكن معرفة حقيقة الأرقام الا بالفحص.

لم يكن استعلاء مطالبة أحد حكام الدول بالفحوص كإجراء احترازي مبدئي. ولم تكن مجرد صفقة محاولة ترامب شراء الدواء الذي “يكشف” عن الإصابات. أي اننا لا نزال في مرحلة الانتشار الأولى.

ما قامت به الصين هو فحص لأكبر قدر ممكن من الناس. الفحوصات العشوائية كانت من اساسيات العمل في تلك الازمة. والفحص الاولي بسيط وممكن: قياس درجات الحرارة.

السلطات الإسرائيلية تعد العدة لتشن حربها ضد الوباء، المستشفيات مليئة بالمصابين، وخطوتها بالحظر بالرغم من احترازيتها بعزل المناطق الا انها ليست بريئة. القول في عزل كفر عقب ومخيم شعفاط بسبب عدم انصياع السكان لأوامر الحظر وتركهم لمصيرهم، لا يختلف عما يجري وسيجري في مختلف المناطق. وسيقول قائل… ما الذي يمكن فعله لمن يصر على الجهل بمصلحة نفسه ومجتمعه؟

الناس تجول الشوارع وكأننا في أعياد. الازدحام على محال الحلويات يشبه التزاحم أيام وقفة العيد. تسارع العالم وتدفقها نحو الشراء ينذر بانتشار قد حصل للفيروس صار يختبئ بالبيوت الكثيرة.

اعلان وجود مصاب او مصابين في كفر عقب، نذير حقيقي لمصيبة، في مكان يعيش الناس بتزاحم أصلا.

نحن نعيش حالة طواريء منذ ثلاثة أسابيع. أي ان الفيروس في محيطنا وبيننا ومن اجل هذا أعلنت حالة الطوارئ لمواجهة الفيروس. مع كل اعلان تدبير جديد يتدفق العالم للشراء من جديد. وكأن ما قام به المرء قبل أسابيع لم يحسب ويبدأ كل شيء من جديد.

قد يكون الكثيرون منا يجلسون في مساحات بيوتهم الواسعة، وقد يكون هناك من يهيؤون لمصابيهم اجنحة او غرفا او شققا. ولكن ماذا سيجري عندما يصاب أحد كما جرى في كفر عقب. في بيوت موجودة بعمارات تتعدى العشر طوابق. بازدحام بالشوارع والمحلات متواصل. المرأة و\ او الرجل المصابين تجولا في عدة محلات ومركز طبي. ناهيك عن التفكير في سبل المواصلات التي استخدماها، واهل بيتهم، واقاربهم، وجيرانهم. في لحظات ممكن ان يخرج العدد الذي ارصده قبل نهاية السطر الى المئات. وهذه المئات ستصيب عشرات الالاف. لأن انتقال الفيروس لا يشكل انتقالا من واحد الى واحد فقط، كما في غيره، مثل الإيدز مثلا. ولكن المصاب الواحد يمكن ان ينقل الفيروس خلال لحظات الى المئات فعشرات الالاف من خلال لمسة يد على أي سطح.

قد اعطي الحكومة الحق في ادعائها ما تعرفه فقط من رصد للحالات التي عرفت عنها، ولكن افترض ان الحكومة تعمل منذ اللحظة الأولى على توفير تدابير لمكافحة الامر. في اسبانيا، صعد عدد المصابين بين ليلة وضحاها من عشرات الى ٢٥ ألف مصاب. وهذا لم يحصل هكذا، ولكن لان الحكومة استنفرت كل المرافق الصحية، فأممت جميع المستشفيات ودعت جميع الجامعات الخاصة بالعلوم الطبية والطب لتشكل فرقا لمكافحة الفيروس بعد ان أعلنت حظر تجول شامل.

الفحص هو المفتاح لمعرفة عدد الإصابات وبالتالي التعامل مع عملية الحصر ومن ثم العلاج.

ما الذي خططت له السلطة منذ اندلاع الازمة لاحتوائها؟

يبدو انه لم يكن هناك مختبر وصار. وهذا جيد لنقول. فالتصريحات الأولى كانت تتكلم عن ارسال عينات الفحص الى مختبر لدى الجهات الإسرائيلية. والتصريحات الأخيرة تتكلم عن مختبر في رام الله.

الرئيس تبرع ب٢٥٠٠ وحدة غذائية لبيت لحم اثناء عزلها، وهناك تعليمات للتنظيمات بأخذ زمام ألامور بالمحافظات. تفكير وتطبيق سيئين ويثيران الكثير من الريبة في وقت لا نحتاج الى ذلك.

وزيرة الصحة أعلنت على محطات التلفزة ان السلطة تلقت عشرات الملايين من الدولارات للمساعدة منذ اعلان حالة الطوارئ. ومؤخرا أعلنت ان في فلسطين ان عدد أجهزة التنفس في المستشفيات هو١٢٥ جهاز، مع انه في تصريح سابق لها أعلنت ان وحدات العناية المشددة تستطيع ان تستقبل ٨٠٠ مريض. لا اعرف ان كانت العناية المشددة بتجهيزاتها لا يوجد فيها كأساس جهاز تنفس، ولكن لا يهم اللوم الان.

اليوم هناك اقل من ٥٠ مصاب معلن عنهم تم التعامل معهم بنجاح لنقل. حتى اللحظة كانت الإصابة الكورونا رفاهية بعد تدارك السلطات للموضوع الحجر في الكرافانات وغرف مليئة بالصراصير.

ولكن علينا التنبه كذلك، ان ما يبدو من رفاهية الحجر الصحي من فنادق وأدوات ترفيه قد يجعل الناس المتشككة تصدق الحجر الصحي رفاهية، في وقت هناك إصابات حقيقة تكون ربما فقدت حياتها ونشرت العدوى لمن حولها.

افهم الحاجة لرفع معنويات المصابين، وكذلك العاملين في الحجر الصحي من أطباء وممرضين وقوات امن. ولكن ترويج الكورونا وكأنه وقت للاستجمام من قبل البعض كارثي.

افهم اننا في المرحلة الأولى من مصيبة يترقبها العالم ويعيشها البعض الاخر من العالم. الا ان اختبار الكورونا الحقيقي لنا لم يبدأ بعد.

مع الأسف اننا فقدنا خاصية استباقنا لإعلان حالة الطوارئ ووضعنا بالخط الخلفي بعد الصين في هذا. وعليه علينا ربما ان نتعظ قبل فوات الأوان تماما من دروس إيران وإيطاليا.

في إيران لم تتوقف الممارسات الدينية الجمعية التي يبدو انها كانت أحد أسباب عدم السيطرة على الفيروس في كارثيته الحالية، والكلام عن مقابر جماعية وعدم التحكم اطلاقا بانتشار الفيروس.

وفي إيطاليا، بين استهتار وعدم اتخاذ التدابير بجدية وانانية جيل الشباب باعتقاده انه لن يصاب، تفقد إيطاليا باليوم ما يقترب الى ان يكون ألف انسان.

“تأخر الوقت” هو لسان حال كل خبير ومترقب لما يجري في إيطاليا.

وإيطاليا هي دولة الطب والصناعات. سقط النظام الصحي بالكامل وبدأ بحصد الأطباء من روع المصاب وخطره.

ونحن لا نملك أكثر من ١٢٥ جهاز تنفس لما يقرب من ٣ مليون انسان يعيش في أراضي الضفة الغربية. هنا طبعا لا أتكلم عن غزة التي لا يعلم وضعها ومصيرها الا الله.

وبما اننا لا نملك الوقت كما لا نملك أجهزة التنفس في حالة اندلاع الوباء والحاجة الى مستشفيات، أتمنى ان تكون الحكومة على قدر تحمل استخدام الأموال التي تم تخصيصها لمكافحة الكورونا من دول العالم إذا ما تعذر الشراء، وبعد استخدام ما فعلته الصين من حظر حقيقي، ان تقوم باستدعاء القدرات الفلسطينية من علماء وطلاب بحث في الجامعات ومراكز الخدمات الطبية الفلسطينية وغيرهم من أصحاب العلاقة الممكنة بتقديم أفكار ومبادرات واقتراحات قد تكون منقذة للأرواح.

وبينما يتدفق الناس على الأسواق من اجل شراء احتياجات، قد تشح بالفعل إذا ما طال الامر، ويبدو انه سيطول، بالتفكير الحقيقي الان بتشجيع وتنمية القطاع الزراعي والحيواني. قد يكون هذا هو الوقت لمبادرة رئيس الوزراء بموضوع تشجيع الشبان نحو الزراعة بإعطائهم دونمات ارض (كما سمعناه يقول انه حصل كذلك في دافوس).

في هذا الوقت الحقيقي أكثر مما سبقه من حياتنا، نقف جميعنا امام امتحان الحياة كما هي. لم يعد للشعارات مكان. وسيتساقط تباعا ابطال السوشيل ميديا من تفاهات برقص ومزاح غبي والعاب تافهة وعروض للأشكال والاجسام والمكياج والنفخ والشفط وغيرها مما اصم قلوبنا وعقولنا العمى والصم. اليوم نحتاج لان نتكاتف حكومة وشعب من اجل محاربة وباء لا نعرف ما يخفيه بعد من مصائب عنا.

اليوم سقط الاستعراض وحان وقت الحقيقة.

الصحة – الزراعة – التعليم – العمل. هذه القطاعات يجب ان تأخذ دورها الحقيقي والفعال في وقت رغم صعوبته، قد يكون فرصة لنا في النهوض بأنفسنا.

والوعي ثم الوعي ثم الوعي هو ما يمكن انقاذنا من هول هذا المصاب.

نحن في لحظة حاسمة اما سندخل فيها الى التاريخ او سنخرج بها من الجغرافيا (عبارة منقولة من صفحة الصديقة تمام الغول) بعد هذه الازمة.

اترك رد