مع اقتراب انتهاء الشهر لحالة الطوارئ. هل تم احتواء تفشي الكورونا؟
في البداية بدا اعلان حالة الطوارئ من قبل السلطة الفلسطينية بالحدث الاستباقي. فكرت حينها ان السلطة ربما تبالغ وتتسرع، فبالمحصلة كانت الأرقام لا تتعدى عشرات قليلة. ولكني سرعان ما ظننت ان ما قامت به السلطة كان امرا حميدا. فبالمحصلة، تجربة إيطاليا كانت امام مرأى العيون. وتهاوت من بعدها دول متقدمة كثيرة. وان تساقط النظام الصحي في إيطاليا العظيمة، وكذلك اسبانيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا بالمقارنة بما نملكه من إمكانيات، فنحن لن نحتمل امام تفشي الفيروس بعد إصابة ألف شخص. فكان مبدأ رحم الله امرئ عرف قدر نفسه هو لسان تعريفي لما قامت به السلطة.
قابل الشعب الامر بالامتنان، وقدرت السلطة تفهم الشعب لها. وبدأ الماراثون في التصريحات الى ما لا نهاية.
سرعان ما تحول الامر الى ما يبدو وكأنه سباق سياسي. اشعر أحيانا انني اتابع برنامج محبوب العرب في جولته الأخيرة. أصوات مع نهاية أسبوع تحسم لاحد المتسابقين النهائيين.
قد تكون هذه آفة الانسان الفلسطيني وقيادته. لربما تعودنا هذا النوع من الحياة، فلم نعد نميز الخطر من الأخطر، والجد من الاستعراض، والمثابرة من الانتهازية. كعادتنا نحن اسياد البدايات. البدايات فقط. البدايات انجازاتنا واستحقاقنا وسبيلنا وهدفنا الاخير.
ربما لم تتفاقم الاعداد بالإصابات، وعليه لم تر السلطة حاجة للتشديد بالأسابيع الأولى، الا ان عدم اجراء تدابير تعكس أهمية اعلان حالة الطوارئ أدى الى خسارتنا لتلك الأسابيع وكأن شيئا لم يحدث. بالنهاية وقفنا عند الإجراءات التي تلتنا اليها الدول الأخرى بعد أسابيع. وصرنا كمثل: كأنك يا زيد ما غزيت.
فبعد ما يقرب الشهر من اعلان حالة الطوارئ، وعدم وجود أثر جدي على التطبيق بمختلف المستويات، خصوصا القانونية منها. فلا بد من التأكد من عدم تجديد حالة الطوارئ، خصوصا ان المجتمع الفلسطيني بسلطته يعيش في إشكاليات بها الكثير من اللبس وسط غياب انتخابات والاهم مجلس تشريعي لم يكن فاعل وصار منحلا. الخوف مما يحصل هو تدهور الوضع وفقدان حالة السيطرة بانفلات أمني عارم. فالأجهزة اليوم معطلة الا من الامن والتنظيم. ما شاهدناه من عنف واستخدام مفرط للسلاح في مناطق متفرقة بالضفة الغربية من شكالها الى جنوبها مرعب بكل ما تحمله الكلمة من معنى. بينما تحاول السلطة تثبيت الامن من خلال إعطاء المجال للفصائل ربما بالتحكم بمناطقها، تحول الامر الى ما يشبه تصفية الحسابات وصراع علني ربما على تقسيمات سلطوية مرتقبة. جنين، نابلس، كفر عقب، وغيرها. مشاهد ليلية من العنف والطوش وإطلاق النار واكتظاظ بين تجمعات تتجمهر للفرجة وتجمعات لاستعراض القوة. بكل الأحوال مشاهد تنسينا الكورونا وخطر التلامس والتقارب، وتتركنا نناجي متضرعين الى حماية الله من طلقة طائشة او مستهدفة. وكأن المستشفيات ينقصها حالات إضافية من الهلع والطوارئ.
وسط ليالي الطوارئ المقلقة، بعد نهار تلو النهار في سبات وجلوس بالبيت وقلق تزداد حدة الخنق ويكون من السهل الفزع من البيت مع كل صوت.
كم من الممكن ان يتحمل المرء المكوث في البيت؟
كم من الممكن التحكم بأفراد العائلة من أطفال وشباب؟ مع تحسن الطقس تزداد الحاجة الى الخروج من البيت. ومع عدم معرفة لخطورة الوضع بي ن اعداد قليلة من الإصابات وصلت حتى هذا المساء الى ١١٧ إصابة، منها ١٨ حالة تعافي، فما من قلق حقيقي مع كل التطمينات. فلا يشعر المرء ان حياته بالفعل معرضة للخطر مع ازديا حالة الملل والقلق.
هناك عشرات الالاف ممن خسروا وظائفهم واعمالهم وتعطلوا.
العمال العائدون من الجانب الإسرائيلي الذين ترتفع إمكانية إصاباتهم وسط ظروف حجر شبه مستحيلة.
احتمالات كثيرة بلا معطيات واضحة ومؤكدة، ولكنها دائما على لسان الحكومة مطمئنة، ونتمنى ذلك بالطبع.
القدس، تركت للعناية الإلهية كما دائما. من ناحية، تسجل عدد الإصابات الأعلى في دولة الكيان الإسرائيلي بمدينة القدس. حتى يومين كان أكثر من ٣٥٠حالة تم تسجيل معظمها للسكان اليهود. لنتأكد فيما بعد، ان الحكومة الإسرائيلية صرحت على لسان ممثلي الصحة انهم لا يجرون فحوصات للعرب. هذا بالعموم لسكان “الدولة” بمواطنيها العرب، فلنا ان نتخيل كيف تتعامل هذه الدولة من سكانها غير المواطنين من المقدسيين.
ليس بغريب ان تمارس إسرائيل عنصرية بهذا الظرف. لربما هذا الظرف الأكثر عذرا للعنصرية. فنرى كيف تتم المفاضلة بكل العالم بأولويات الإنقاذ اليوم من الفيروس. فلن نستغرب ان تهمل إسرائيل السكان الفلسطينيين بالقدس بالكامل. مما يجعل القدس وسكانها مع أنفسهم من جديد. المصيبة ان العمال من السكان لدى إسرائيل كذلك كثر. الفرق بين العامل الفلسطيني الذي يرجع الى الضفة وذلك الذي يرجع الى القدس. ان الأخير يرجع الى بيته بلا حاجز يعبره، فيتم رصده إذا ما كان مصابا. العامل من الضفة لا يرجع يوميا الى بيته على عكس عامل القدس. فاحتمالات ان يكون الفيروس متمكن ومنتشر في الكثيرين من السكان قد تكون كارثية.
إسرائيل لا تريد ان تتعامل مع “الهم” الفلسطيني قبل ان تتأكد من تأمين مواطنيها بقدر الاستطاعة. فسيتهاوى النظام الصحي الإسرائيلي كغيره عندما يصل اعداد المصابين من الفيروس الى عدد ليس ببعيد عن العدد الحالي. حتى اللحظة يقترب عدد الإصابات في إسرائيل الى ٦٠٠٠ وما يقرب ال١٠٠ بحالة حرجة و٢٠ حالة وفاة. في حين كان عدد الحالات المسجلة قبل ٣ أسابيع لا يتجاوز المئة. وفي صراع إيجاد عينات الفحص التي تبدو وكأنها شغل عصابات، كان تباهي الموساد الإسرائيلي بإعلان صفقة سرية لمئة ألف عينه من أحد الدول في عملية استخبارية اشبه بالفضيحة من جهة، ويوم عمل اخر في تاريخ دولة تعودت عمل العصابات من اجل وجودها.
مع اقتراب خروجنا من الأسبوع الرابع وعدم تفشي الفيروس كما هو معلن بالجانب الفلسطيني. فبالنهاية مئة حالة يتم السيطرة عليها جيد جدا. ستكون الحكومة الفلسطينية امام الامتحان الحقيقي مع دخول الفيروس مرحلته ما قبل الأخيرة وهي مرحلة انتشار العدوى السريع. فاذا ما كان هناك بالفعل سيطرة كما نسمع من تصريحات يومية، فسننجو. اما اذا لم تكن الإجراءات الوقائية المتبعة من قبل الشعب والحكومة على قدر خطورة الفيروس وتهديده … فسنكون تحت رحمة القدر….ربما.