يا عمال فلسطين …لكم الله

يا عمال فلسطين …لكم الله

منذ سماعي لتحديث الحكومة عن ازمة الكورونا صباحا، واجد نفسي مكبلة بقيود العجز عن التعبير مرة، واليأس مرة أخرى.

ولكن اعود محاولة الكرّة من جديد عندما اعيد التفكير بمأساوية الامر والظلم المرير.

موضوع العمال الفلسطينيين لدى الاحتلال الإسرائيلي، سواء القاطنين بالضفة الغربية او القدس، يشكّل المشكلة  ذاتها، والازمة  ذاتها، والمأساوية ذاتها على العمال واهلهم والشعب.

هناك مستفيد مباشر من استمرار العمال بأعمالهم رغم خطورة الوضع واحتمالية العدوى الكبيرة، وهو المصنع التابع للاحتلال الذي يعملون فيه، وبالتالي دولة الاحتلال.

من السهل القول ان الموضوع ممكن حله ببساطة عدم توجه العمال الى أعمالهم في هذه الأوقات. ليس فقط هذا، ولكن هذا ما يجب ان يكون. ولكن بين سهولة القول وصعوبة التطبيق تكمن كارثة حقيقية، ضحيتها الأولى هي العامل وتبعياتها سيدفعها الشعب بالعموم.

اين يقع الخلل الأساس في هذه المعضلة التي بدأ تفككها بانتشار مهدد ومتسارع للفيروس المهدد؟

هل المشكلة هي بالعامل وعدم التزامه للبقاء في البيت؟ لم التزم باقي الشعب ولم يلتزم العامل؟

المشكلة لم تكن ولن تكون بالعامل. المشكلة تبدأ وتنتهي بالحكومة التي تخلت عن العامل ورمته الى التهلكة منذ اول الامر. منذ لحظة اعلان الطوارئ. أعطت الحكومة التعليمات لكافة العاملين بالقطاعات المختلفة من حكومية وخاصة بالمكوث في البيوت مقابل تأكيد على دفع الأجور لكل من شهر اذار ونيسان، كل قطاع بحسبة ما كانت مناسبة او غير مناسبة لا يهم الان. ما يهم ان العمال في قطاعاتهم المختلفة امنوا رزقهم في هذه الازمة. بينما كان موضوع العمال الذين يعملون لدى مصانع ومنشآت الاحتلال ومستعمراته مستثنى، وتم الطلب منهم بأخذ احتياطاتهم بموضوع العبور فقط. لم يطلب منهم ابدا المكوث في البيوت، وكأن العامل يقدم للدولة ما يقدمه الطبيب في هذه الازمة.

مع الاسف، ما يقدم العامل الفلسطيني اليوم للاحتلال الإسرائيلي هو بهذا الحجم من البطولة والتفاني. فإسرائيل تستمر بعجلة اقتصادها التي يرمى فيها العامل الفلسطيني الى المجهول. بكل اسف هي القصة ذاتها بهذا الشأن تتجسد اليوم في كارثيتها.

من المؤلم ان نفهم اليوم هذه الحقيقة المأساوية. ولكن وكأن الوباء ابتلاء لضمائرنا المستترة. فما كان مجهولا لا يعنينا، صار خطره محدقا مهددا لنا.

مع تفاقم ازمة الفيروس واتساع رقعة انتشاره، كان من الواضح والجليّ ان العمال لدى المصانع والمنشآت الإسرائيلية هم الأكثر عرضة للإصابة وانتشار العدوى. ولم يرتق الخطاب الحكومي حتى هذه اللحظة الى حجم المأساة، والى التعامل مع العمال وكأنهم بشر.

مطالبة العامل بالا يذهب ال العمل، وان ذهب فعليه ان يحجر نفسه في مكان لا يرقى استخدامه للحيوانات كما رأينا بالفيديو الذي تم تداوله لمجموعة من العمال الحاجرين على أنفسهم بينما يذهبون لجلب قوت يومهم. او يحجر نفسه في بيته.

هل كانت الحكومة تتوقع بالفعل من الاحتلال الإسرائيلي ان يتصرف بانسانية تجاه العمال وان توفر لهم مساكن بديلة؟

لم تقدم الحكومة حتى اللحظة تدبيرا يعامل العمال كباقي الشعب، وكأنهم طفرة تتمنن الحكومة بوجودهم عليهم.

هؤلاء العمال الذين صاروا اليوم “طفرة زائدة” على الشعب الفلسطيني، يدخلوا شهريا للاقتصاد الفلسطيني مليار شيكل شهريا، أي ١٢ مليار شيكل سنويا على حسب التقديرات.

لسان حال الحكومة على لسان محدثيها المختلفين من رئيس وزراء الى وزير العمل ورئيس نقابة العمال لا يزال يدعو الى اقناع العامل الى الرجوع وحجره في بيته.

رأينا كيف تعاملت الحكومة مع العائدين من السفر. كان اخرهم الذين رجعوا من حجر البحر الميت في الأردن. اجراء فحوصات لكل عائد والطلب منه بالحجر المنزلي لمدة ١٤يوم اخر على الرغم من عودته من حجر امتد ل ١٤ يوم سابقة. هذا هو الطبيعي.

لم لا يتم التعامل مع العمال بنفس الطريقة الحضارية عند التكلم عن الحجر؟

لا يمكن قبول كلام رئيس الوزراء بهذا الشأن قبل أيام، بعدم وجود إمكانيات بتوفير أماكن حجر لهذا العدد من العمال.

كان من الاجدى ان يحسب رئيس الوزراء هذه الحسبة عندما طلب منه اخذ تدابير دخولهم وخروجهم من الحواجز الى الاعمال داخل حدود الاحتلال. ليس المطلوب ان يتحول كل الفنادق الى أماكن حجر، واعترف انه مؤسف التعامل مع الشعب بطبقات في هكذا وضع. ولكن اعترف كذلك ان المساكين هم المسحوقين دائما. وهنا بين تحمل العامل وزر لقمة عيشة، التي تستفيد منها السلطة الفلسطينية بعائدات الضرائب ورجوعه ليحجر نفسه، وبين تحمل الحكومة وزر ان يكون العامل مصابا وتؤدي اصابته الى انتشار لا يمكن حصره، تأتي مسؤولية السلطة. طلب رئيس الوزراء من الشعب ان يفكر بإبداع، فهل مثلا تحويل غرف مدارس او قاعات مساجد في كل بلدة يحتاج الى ابداع؟ لا يمكن القبول بترك العامل الى قدره هكذا، وكأنه مواطن تحت درجات العد الحكومي.

بعد ان تبين إصابة ١٥ عامل اليوم، عادت الحكومة الى الطلب من العمال بالرجوع الى بيوتهم وحجر أنفسهم من جديد بلا تقديم لأي حل. ورمت مسؤوليتهم على “التكافل الاجتماعي”.

 العمال ليسوا مسؤولية الشعب ولكنهم مسؤولية الحكومة.

العامل انسان يتعرض يوميا وعلى مدار السنوات لأقسى أنواع الذل المتتالي، بين وقوف وانتظار على حاجز، وبين استنزاف للطاقة والجسد والصحة، وبين محاربة فقر وسط حياة ترتفع فيها الأسعار ويزيد فيها الاستهلاك من كل الانحاء. هؤلاء هم الضحايا الدائمون لمنظومة احتلال واحتكار تستنزفهم من كل الاتجاهات. واليوم هم امتحاننا الأصعب والاقسى.

ومع الأسف خطاب الحكومة وتدابيرها التي لا تقدم أي حل للعامل، تحمله المسؤولية وتترك المجال للتنمر المجتمعي عليه. كأن الكورونا ينقلها العامل. فوصف العامل على انه “خاصرتنا الرخوة” و “الثغرة التي يمتد منها الوباء” ومطالبتهم “بألا يكونوا وكلاء للوباء بالانتقال او مساهمين بنشر الوباء” .

لا يمكن ان نطلب من عامل المكوث بالبيت بلا طمأنة

لا يمكن ان نقول له ان يحجر نفسه بلا اهتمام بوضع معيشته، وكأن الحجر رفاهية يقوم بها العامل كما يقوم بها المقتدر من اصحاب البيوت الكبيرة والفلل.
هل تعرف الحكومة كم من هؤلاء يرجعون يوميا الى بيوتهم من اماكن بالفعل موبوءة بكافة المناطق بالقدس والتي تعتبر الاكثر ازدحاما والاصعب ظروفا؟

الكورونا ينقلها سوء التدابير وترك العامل لقدره.

اترك رد