بين التزام المواطن بالتعليمات وتوفير الحكومة بالخطط والامكانيات: يجب ان تتوقف دائرة اللوم ويبدأ الجميع بتحمل المسؤولية
كل يوم تتصاعد الأرقام بعدد الإصابات بشكل ملحوظ، وتقترب من الانفلات مع كل لحظة. قبل اسابيع كانت الزيادات تكون بالواحد والاثنين، وتحولت الى ما يقارب العشرة يوميا. في عملية رصد الأرقام، تبدو كذلك المتابعة وكأنها كالزئبق خرجت عن السيطرة. فقطنا وبدو على سبيل المثال لم تعد تذكر زيادة الأرقام فيها، ولكن التأكيد على ان الإصابات صارت كبيرة جدا موجود بنفس التصريح الذي يرصد الاعداد.
يعني بالمحصلة الاعداد تتزايد، وحصرها سيكون أصعب، والتعامل معها سيكون مستحيلا. ولكن قبل وصولنا الى المستحيل، بين مكاشفة ووضوح معلن، وبينما نعرف ما الذي يجري وسيجري، لا بد من استباق المرحلة الكارثية القادمة وفوراً.
فهمنا جيدا اليوم ان المشكلة الأساسية، هي العمال القادمين من المصانع والمنشآت الإسرائيلية. فهمنا كذلك اننا نتكلم عما يراوح بين ٤٥ و٥٠ ألف عامل سيرجعون. وكما نرى يبدو ان هناك إصابات بين العمال. لم يعد الموضوع بحاجة الى ذكاء لفهمه ورؤيته. ولكن الدعوات المقترحة لا تزال هي نفسها. دعوة العمال بالعودة الى بيوتهم والتزام الحجر المنزلي، وإذا ما وجدوا اعراضا عليهم ان يتوجهوا الى مراكز طبية مجاورة. ما يتم التصريح به من إجراءات تقول كذلك ان هناك فحوصات مبدئية تجري عند وصول العمال للتأكد من سلامتهم، وان الفيروس بفترة حضانته التي تتراوح الى أسبوعين ممكن الا تظهر اعراضه في الفحص المبدئي.
نعم الوضع صعب، ولكن الوضع ممكن تداركه. مفهوم كذلك، ان العمال في اغلبهم يرجعون من نقاط حواجز بعينها. وعلى ما يبدو يعودون بحافلات. ما هي المشكلة في إقامة مراكز حجر فورية في مناطق مفتوحة؟ يحضرني التفكير كما جرى في بلاد العالم بهذه الازمة، في منطقة القدس المجاورة لحاجز قلنديا، ممكن تحويل إستاد فيصل الحسيني لمركز حجر. الطقس بدأ بالتحسن، وعليه ممكن إقامة خيام وتوفير الأمور المبدئية من احتياجات الناس. لنقل ان المكان يمكن ان يتسع ل١٠٠٠ انسان. هناك قاعات افراح ومؤتمرات عديدة. يمكن التفكير بها في المناطق المختلفة. يعني عندنا عدة استادات في مناطق مختلفة ممكن استخدامها لنفس الغرض.
المدارس جميعها فارغة اليوم. في القرى المختلفة والبعيدة نسبيا، يتم تحويل المدارس الى مراكز حجر. يعني مثلا بلدة صغيرة رجع منها ١٠ الى ٥٠ عامل، يمكن ايوائهم في صفوف المدرسة المختلفة. والمتطلبات كذلك ممكنة التحقيق.
في الأماكن المتاخمة أكثر للمدن الكبيرة، كان هناك اقتراح ببداية الازمة عن تحويل المكتبة الوطنية لمركز حجر. يمكن التفكير باستخدام قاعات المؤتمرات والمتاحف والمعارض وغيرها من أماكن واسعة. ويمكن استخدام المساجد كمراكز حجر طبي، أي يكون فيها حجر الذين تظهر عليهم الاعراض ويكون هناك حاجة للتدخل الطبي بالتعاون مع المراكز الصحية في كل نقطة. لأنه لا يمكن تعريض المراكز الطبية والمستشفيات لخطر انتقال الفيروس، لان المستشفيات والمراكز الطبية الاعتيادية يجب كذلك ان تستمر في استقبال المرضى العاديين.
فكرة ارجاع العمال الى بيوتهم بدون تدخل فوري في عزلهم هي فكرة كارثية. فما حصل في قطنة وبدو متوقع. لان سرعة انتشار الفيروس وسهولته سريعة جدا. ومهما حاول المرء تجنب المخالطة واتباع التعليمات، فهناك ما يمكن الإفلات منه بسهولة. كل الشعب اليوم يعيش في حالة عزل وبتنا نفهم صعوبة الامر. الجلوس في البيت شيء، واتباع التعليمات في حالة الشك بالإصابة شيء اخر. الامر لا يقتصر على ان يذهب الانسان ويجلس في بيته.
المطلوب اليوم وبكل جدية ان تأخذ الحكومة التدابير الفورية باستقبال العمال العائدين بترتيبات حقيقية لا تعليمات وقاية عادية. من السهل رمي المسؤولية على العامل او الحكومة. اتهام هذا بالاستهتار وذاك بالتنصل من مسؤوليته. واظن انه علينا الخروج فورا من هذه الدائرة المؤذية من اللوم. انتشار الفيروس وتفشيه لا يأبه باللوم كوسيلة علاج.
استطاعت الحكومة اليوم ان تلف الجهود الشعبية حولها، فاذا ما اقرت الحكومة مكان ما وخصصته لمركز حجر، لا اشك بان اهل كل منطقة لن يتوانوا عن تقديم المساعدة. يعني مثلا، إذا ما تحولت المدرسة الى مركز حجر، تستطيع العائلة توفير فرشة وغطاء ووسادة وما هناك من احتياجات ذاتية للشخص المحجور. تستطيع الجهات الرسمية عمل لائحة من المستلزمات المطلوبة من احتياجات لكل شخص. ويكون هناك بطبيعة الحال مشرف طبي وغيره.
اما في داخل القدس، ومع تنصل واضح لسلطات الاحتلال لمسؤولياتها، لا اظن ان التعويل على المحافظ والوزير امر حكيم. فلقد رأينا ما جرى مع وزير القدس قبل أيام. الاحتلال الإسرائيلي لا يسمح بإضفاء أي صفة سيادية على القدس، ونحن في وضع لا يحتمل تعقيدات وتضييق يزيدها الاحتلال. هناك مبادرات حقيقية قائمة تحت اسم التجمع المقدسي بدأت عملها منذ اندلاع الازمة، يجب توفير كل الإمكانيات لها من اجل إيجاد الحلول من خلال دعمها وتفعيل امكانياتها.
بكل الأحوال يجب على كل انسان ان يلتزم بيته والا يخرج منه. مع الأسف عدم الالتزام يجعل الجهات الرسمية تعمل اضعاف ما يجب عليها عمله. اظن اننا وصلنا الى مرحلة لم يعد الامر فيه مزاح. ولكن مع هذا، فلا يزال الاكتظاظ والمخالطة موجودة وبكثرة. ولا يزال العبور بين المدن والمحافظات كذلك ممكن. فاذا ما كان هناك واسطة للمرء بين المدن من خلال قريب درجة ثانيه او ثالثة او عاشرة ممكن المرور. وتحت مسميات مختلفة من التصاريح صرنا نرى كافة الناس بالشوارع. من جهة أخرى نتوقع ان في حالة الطوارئ، من نرى بالشارع هم الأجهزة الأمنية والطواقم الطبية والصحافة. ولكن تحت مسميات كثيرة يمكن ان تكون بالشارع إذا ما كنت متطوعا او تنظيما او لجانا مختلفة كثيرة بالإضافة الى محلات الخضار والتموين والصيدليات.
بما اننا وصلنا الى أكثر من شهر من عدم التزام الناس بالعموم بالحظر، ربما وجب إعادة تقييم هذه الأمور. لان كل ما جرى حتى الان يشكل بيئة مناسبة جدا لانتشار الفيروس أكثر لا حصره. المطلوب خطط ملزمة لصاحب السلطة قبل المواطن بالتطبيق .