الكورونا والنجومية
اعرف اننا في وضع لا يحتمل المزيد من الضغط. الخوف من المجهول الذي يتربص به فيروس الكورونا هو المخيم على تصرفاتنا، المعلن منها والخفي. ويبدو انتظار الشعب للتصريحات الإيجابية المطمئنة يعطي فعل المسكّن. ولا يمكن كذلك التغاضي عن رؤيتنا لما تقوم به الحكومة من إجراءات احترازية ومحاولات للحماية وتجنب انتشار الفيروس مهم للغاية ومطمئن.
ولكن المغالاة في المديح بدأت تأخذ شكلا يفوق حجم الإنجازات والاستحقاقات، وكأن التركيز صار على الأشخاص لا الفيروس واحتمالية كارثيته.
أصر دوما على مبدأ ان المسؤول بالسلطة هو انسان مكلف بخدمة مصالح الشعب. فهي ليست منة ولا معروف. تعالت في الآونة الأخيرة مقالات وكتابات ومنشورات تكيل بالمديح لبعض الأشخاص الاعتباريين بطريقة صار من الصعب فهم ان كان ما يقوم به هذا الشخص الاعتباري هو امر استثنائي لدرجة تستحق كل هذا المديح، ام انه من صلب عمله الواجب. اعرف اننا تعودنا على صور أخرى. نعيش وسط احباطات في الأداء الرسمي على مدار الحكومات الانتقالية المؤقتة منذ اخر انتخابات. اخبار وقصص عن الفساد وسيادة الواسطة واستغلال المناصب العامة بكافة المستويات على مدار السنوات غلبت على أيامنا وحولنا في معظم الأحيان الى نكات نتسلى بها ونعض على خيباتنا مستهزئين.
من ناحية، بينما نعيش استحسانا عاما لأداء السلطة، أتساءل كم هو صحيح او صحي استمرار المغالاة في المديح. لفت انتباهي بالأيام الأخيرة الترويج لأداء محافظة رام الله بمغالاة غير مسبوقة. سبق ذلك المغالاة في الامتنان لتحديثات المتحدث باسم الحكومة اليومية. الفرق بين الاثنين ربما هو ما يتضمنه المنصب من مهام. المتحدث عليه ان يقدم فقط تحديثا لمجريات الأمور بين طمأنة وتحذير وتقديم للأرقام بين مصابين ومتعافين. يصل الامر اليوم من شدة الضغط بين تهليل وانتقاد الى انشغال هؤلاء بتعليقات الناس على أدائهم الشكلي من حديث او لغة او نظارة إذا ما كانت شمسية او نظر. لا اشك ان هذا الوضع من تسليط الضوء كذلك يربك. وريما كذلك نحن في موضوع المتفرج في معظمنا اليوم. جميعنا في بيوتنا امام الشاشات متربصين لكل ما يتحرك من خلال الشاشة، فالتركيز على كل ايماءة وحركة من قبل جمهور المتفرجين طبيعي. ربما كذلك احتاج الشعب لشخصية أخرى أكثر منطقية في تقديمها كشخصية استثنائية، وعليه تحولت الأنظار والتركيز على محافظة رام الله والبيرة.
لا يمكن القول عن المحافِظة الا انها بالفعل استثنائية، وكم نحتاج الى أناس بالشأن العام مثلها. لا يوجد ما يقال عنها الا كل خير. انسانة قيادية، تقوم بمهامها ودائمة الحضور في كافة المرافق. أستطيع القول انها كذلك تشكل مثالا يقتدى به. ولكن ما علاقة هذا الكورونا؟ الحقيقة انني لا اعرف.
هل النجومية الزائدة او المبالغ بها هي نعمة ام نقمة؟
لماذا نكلف الناس أكثر من وسعهم بما يحتمل مقدارهم او مكانتهم؟ بالنهاية ما الذي تقوم به المحافظة ليشكل هذا الزخم من الغبطة والمديح والامتنان؟ هي تقوم بواجبها، وتحسن اظهاره وهذا حقها. وكم نود ان نرى هكذا نموذج بالمحافظات الأخرى.
بشكل عام، من الواضح ان المحافِظة ومنذ توليها منصب المحافظة لمدينتي رام الله والبيرة وهي تسير وفق استراتيجية عمل مدروسة، وشكلها وكيفية ظهورها هو جزء من هذه الاستراتيجية. أقول هذا وانا على قناعة باننا نحتاج لهكذا نموذجا ليحتذي به الاخرون.
ولكن ارجع للسؤال، ما هو الاستثنائي والفوق العادة التي تقوم به المحافِظة بموضوع التعامل مع الكورونا؟
انها محبوبة وشعبوية وتستحق هذا. نعم. ولكن الا يحمّلها من قرّر تنصيبها ايقونة للقيادة والعمل السلطوي أيا كان وصفه أكبر من طاقتها حتى على تحمل هذه المسؤولية- مع يقيني بأنها انسانة على قدر أكبر حتى مما نراه من إمكانيات قيادية-. العمل العام ليس نجومية ولا فخريا. العمل العام هو عمل شاق ويعرض صاحبه دوما للمساءلة ويرمي عليه المزيد من التوقعات كما المسؤوليات. ولكن ارجع للسؤال: لم هذه الجلبة لما تقوم به محافظة رام الله في وقت الكورونا؟
لم هذا التهليل والتبجيل وكأننا في داخل مسابقة ترويجية لانتخابات او محبوب العرب؟
مرة أخرى، تستحق المحافِظة المديح، ولكن في هذه الأوقات كنت ولا أزال أتمنى لو نرى الابطال الحقيقيين الذين يحاربون الكورونا بين أطباء وممرضين على وجه التحديد.
من يعرض نفسه للخطر اليوم هم موظفي القطاع الصحي في المستشفيات والعيادات المختلفة، وتلك المتواجدة في أماكن الحجر الصحي المختلفة.
هؤلاء من يستحقون تسليط الأضواء عليهم ليكونوا نجوما حقيقيين في هذا الوقت العصيب من حياتنا.
سواء كانت المحافِظة او الوزيرة او المتحدث او رئيس الوزراء، فإن ما يقومون به هو جزء بديهي من عملهم بالشأن العام، ويشكرون بالطبع على هذا. ويستحقون منا الامتنان عندما يقومون بواجبهم. ولكن من يضع حياته اليوم على واجهة الخطر هم الأطباء والممرضون وعمال القطاع الصحي المتواجدين بكافة رتبهم ووظائفهم. هؤلاء هم ابطال هذا الوقت. أولئك هم من يستحقون دعمنا وشكرنا وعرفاننا وتهليلنا.
لا زلت أتمنى لو يتم تسليط الضوء في هذه الأيام الصعبة على الأطباء والممرضين الذين لم يرو عائلاتهم منذ أسابيع. كم تمنيت لو رافقت الكاميرات ممرضا او طبيبا خلال يومه من خلال توثيقات حية يومية، لربما اتعظنا أكثر، وفهمنا أكثر، وقدرنا أكثر صعوبة الامر وحاجتنا بأن نكون أكثر مسؤولية في التزامنا الكامل والتام بالحجر المنزلي.