من يملك القول الفصل بوجوب الصيام او عدمه: العلم ام الدين؟

من يملك القول الفصل بوجوب الصيام او عدمه: العلم ام الدين؟

“لا جماع ولا صيام وقت الوباء” عبارة كسحت وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المصري والعربي والى جانبها اسم يوسف زيدان.

اعترض شيوخ الازهر وشجبوا بشدة كلام الدكتور يوسف زيدان عن وجوب عدم الصيام برمضان بزمن الأوبئة.

طبعا، مجرد الحديث بالتشريعات المحصنة لمن يسمون برجال الدين هي محرمات بعينها. بدأ الهجوم من مبدئية: “من هو يوسف زيدان ليفتي؟ وانتهى ب “تخصيص الفتاوي لأهلها.”

طبعا، يوسف زيدان لم يأت بفتوى ولم يخض بها. كل ما قام به هو عرض ما نقله كباحث ومفكر له قيمة كبيرة ومهمة بالفلسفة الإسلامية، وفي مجال تخصصه الأساسي، ابن سينا، بعرض ما قاله ابن سينا بهذا الشأن، وهو وجوب عدم الصيام والجماع بأوقات الأوبئة. حتى انه لم يغير بحرفية النص وابقى على كلمة جماع بالعبارة.

اين الفتوى التي أصدرها يوسف زيدان؟

ولماذا يعتبر قوله تدخلا بما لا يعنيه؟

إذا ما كان صاحب الفكر والقراءة والكتب المتخصص لا يحق له بنقل المعلومة التي يعرفها وتهمّنا في هذا الزمن الذي نعيش به وباء، بينما نقترب على دخول شهر رمضان، فمن يحق له؟

أحد الأشخاص القلائل الذين يمكن ان نثق بقولهم في هذا المجال هو يوسف زيدان، خصوصا عند الحديث عن ابن سينا.

فهل هناك اختلاف بين علماء اليوم من أطباء على ابن سينا؟

ام هل علينا اعتبار ابن سينا أحد الملاحدة وعليه لا تجب “فتواه”؟

لا اعرف كم تضيّق علينا الكورونا وتحاصرنا. اقصد تحاصر عقولنا التي اوصد عليها المشايخ وأصحاب العمائم تحت مسميات الشريعة. ولن اخوض هنا لكيلا تبدأ الاتهامات بشرعية كلامي عن هذه الأمور. فاذا ما تم التشكيك في احقية يوسف زيدان برأيه، فكيف يكون لي مكان أصلا للتعبير.

ولكن لنعد للحرب التي اشتعلت ضد يوسف زيدان.

تحت عنوان حلقة “الخبرة الطبية بالأوبئة في التراث”، مع وائل الابراشي، تكلم الدكتور يوسف زيدان الذي بدا منشغلا منذ أكثر من أسبوع بالبحث عن المصادر ذات العلاقة عما اتى به ابن سينا (من السهل فهم ذلك من متابعة صفحة الدكتور يوسف زيدان)، واعتقد ان ما تكشف له من قراءات لابن سينا خصوصا بربط اضطراب المناخ وتغيراته بالأوبئة، جعل منه أكثر إصرارا على الدخول في هذه الحرب التي اشتعلت بعد الحلقة. أي مسؤوليته كإنسان صاحب علم حريص على الناس.

من السهل ان نسكت عمّا نعرف، ونكتفي بحماية انفسنا، ونمشي مع الركب في طريق مجهول. ولكن أليس من الواجب في وقت نعرف فيه ان هذا المجهول لم يعد مستترا، وانه خطر محتدم قادم، بأن يقف من يعرف ان الطريق المتبع خاطئ وبها هلاك واضح أن يصرخ في وجهنا الحقيقة؟

على مدار العقود الأخيرة، والساحة مليئة بالمشايخ ورجالات الدين من كل درب ونهج وطريقة ومدرسة وحزب. والشعوب العربية والمسلمة تمشي باتجاهات ما يقوله صاحب هذه الطريق او ذاك. كان يتربص بنا احتلال وفقر وجهل وحكومات عسكرية ودكتاتورية (ولا يزال)، ولكن لم يكن هناك اوبئة حلّت علينا كما حلّت على العالم اجمع. كان من السهل دوما تحريم وتحليل ما يطيب للفقهاء والحكام. فالخطر واقع وضرره اخترقَنا. ينجو منا من ينجو. ويعتش منا من يعتش. ويكبر من يكبر. ويُقتل من يُقتل تحت مساحات الفتاوي الواسعة. كنا نستطيع ان نقف على نقيض جهة او معها. كان هناك دواماً مسافة امان نختارها. نغوص ونسبح ونقفز، وأحيانا نستلقي براحة حتى الجولة القادمة.

ولكن اليوم، بينما يقف العالم اجمع وسط خطر مساحاته وفضاءاته فيروس لا يُعرف له بداية كما لا تظهر له نهاية. لا يوجد مكان للمجازفة بأجساد البشر. فالنفوس ربما بتأثّرها من عقال رجال الدين عليها لا تؤذي بالظاهر الا صاحبها. ولكن الأجساد عندما تتأثر لا يمكن الا يؤثر مصابها على غيرها، خصوصا عندما نتحدث عن وباء.

حتى اللحظة لا يوجد معلومات واضحة ووافية يمكن الاعتماد عليها لرصد الخطر المتربص امامنا بالدول العربية. فالأرقام لا تشير على الاغلب للإصابات الحقيقية. ويمكن حتى اللحظة تعامل معنا الفيروس بستر الله، او ربما بالستر للحكومات. ولكن إذا ما جاء شهر الصيام وبدأت الأجساد تنهار في مناعاتها، فالفيروس سيتربص بالأجساد لا بزوايا الطرقات ولا الهواء ولا الاسطح الخشنة والملساء.

حتى اللحظة نحن نتعامل مع الفيروس برعب ولا نتحمل اقترابه منا. رأينا كيف يتعامل المعظم مع المصابين. سمعنا فنانين تطرفوا بأحاديثهم من الرعب، ورأينا كيف لم تقبل قرية بدفن طبيبة متوفاة من الفيروس. رأينا كيف يهرب المصابون وكيف يهرع من يشك بان من حوله يمكن ان يكون مصاب. كيف سنتعامل مع الامر برمضان؟ حتى ولو مررنا من امتحان البقاء بلا طعام وشراب حتى موعد الإفطار، هل سنتجنب الازدحام والتدافع من اجل صحن الحمص والخبز والقطايف قبل الإفطار؟ هل سنتجنب التجمع كعائلات ممتدة بأكثر من أربعة او خمسة اشخاص على وليمة وعلى سهرة من اجل المسلسلات او إقامة التراويح؟

لا افهم جدوى الاستمرار بإغلاق المساجد بينما تأخذ الحياة مجراها عند الحديث عن البطون بلا تغيير. لربما تفيدنا الدعوات من على المنابر وصلواتنا للتخلص من الفيروس.

كل فعل سيترتب عليه أفعال أخرى ستؤثر كارثياً علينا. ولن يكون ضررها على صاحبها واصحابه، ولكنها ستنتشر.

وهنا أفكر، إذا ما كان الطب بالقدم قد تعامل مع الأوبئة وفي زمن الإسلام في عصره الذهبي. يعني لا يمكن ان يكون ابن سينا قد أوصى بعدم الصيام والجماع هكذا لنفسه. فلا بد ان ما قاله تم تطبيقه من حكام البلاد في حينه. يعني حتى ولو لم يسمع أحد لابن سينا حينها، فالعالم اجمع سمع له ولا يزال يمشي بالطب وفق علومه. وإذا ما كان الطب اليوم عاجز حتى اللحظة عن فهم طبيعة الفيروس وبالتالي التحكم به وحصره والتخلص منه، كيف يمكن ان يصدر طبيبا في هذا الزمن توجيها للشيوخ بان الفيروس له يؤثر على الصائم؟

هل يمكن أن تكون عبارة صوموا تصحوا هي العبارة الشافية للأمر.

وهنا اقترح، بما أننا أمام ما يقرب على الأسبوع من رمضان، لماذا لا يبدأ الشيوخ والمتخصصون من أصحاب الفتاوي ومن يحق لهم التشريع بأن يصوموا، على ان تتم مراقبتهم من قبل أطباء لرؤية مدى تأثير مناعة الجسم وتأثرها اثناء الصيام بالفيروس.

بما ان ما قدمه أصحاب العلم بالسابق غير وارد على حسب أصحاب علوم اليوم الإسلاميين، فلم لا يقدموا لنا نموذجا بالاختبار على أنفسهم بفترة الأيام القادمة، وان تبين انه لا ضرر ولا ضرار من الصيام، فيقرون ذلك ويفتون به. ولكن لا افهم كيف يمكن لمؤمن صاحب قرار ان يصدر فتوي قد يكون بها بالفعل هلاك جامح.

كم هو مؤسف الا نعتبر بزمن كهذا ولا نحتكم فيه الى العقل والعلم الحقيقي. لأنه إذا لم نتعظ ونتعلم ونتدبر من هذه المرحلة الحرجة جدا من تاريخ البشرية فلا يمكن ان يكون هناك امل لنا بذلك.

لقد اثبت لنا هذا الفيروس ان لا قوة فوق قوة العقل وتدبيره. وعندما فقدنا استخدامنا لعقولنا وسلمنا لأصحاب السلطة والعمائم واشتعلنا بالحروب والكراهية بدل الاستثمار بالعلم والوعي. واليوم، يريد الله بنا موعظة حسنة بان نرجع الى عقولنا لنستهدي بها ونستخدمها قبل فواتنا.. لأن الأوان لم يعد لنا.

اترك رد