بين الحِلِّ والمحلول: خطاب الرئيس الذي حَلَّ عنه الزمن
هل نقول رئيس؟ أم ان الحِلّ من الاتفاقيات التي تم حلها بالأمس قد حلّت الرئاسة؟
هل نسخر ام نرهب ما جاء بالخطاب المتأخر عشر سنوات؟
هل مبدأ “ان تأتي متأخرا أفضل من الا تأتي” ينفع في هذا الحال؟
كم مرة سمعنا في السنوات الأخيرة عن خطاب للرئيس سيدوي به الأرض ويقلبها على السماء؟ كم مرة انتظرنا وكم مرة خرجت خطابات بها إشارات لتهديدات وتنديدات؟
كم مرة تمنينا لو يسبق الرئيس الوقت بإعلان يجعله يدخل به التاريخ ليقول: لقد بلغ السيل الزبى ويسن سيوف المعركة ويهجم لدحر الأعداء؟
وها هو قد أعلنها وقرر انه في ِحلٍّ من الاتفاقيات الموقعة.
استمعت لخطبة الرئيس بالأمس وانا اكاد لا اصدق. كنت منشغلة أكثر بالتفكير بصحته. فبدا انه بخير وصوته كان عاليا وكان من الواضح انه بادراك عال.
لم اهتم مؤخرا بصحة الرئيس أكثر مما اهتم بفحوى تصريح او خطاب؟ لان بقاء الرئيس على قيد الحياة هو ما سيحمينا مؤقتا كما تعودنا ان نحيا المؤقت من مغبة ما سيصيبنا في اليوم التالي لوفاته.
حالة من الاستعار لفرق المسترئسين المترقبين واضحة وجلية، يستشعر بها المواطن العادي والمواطن المتأمل المترقب للمشهد.
الكثير منا بالأمس تذكر قصة علمونا إياها بالمدارس ونحن صغار. قصة الراعي الذي كان يقف على التلة مستصرخا اهل القرية لنجدته من الذئب الذي هجم على الغنمات. في كل مرة كان يصرخ استنجادا وتهب القرية للمساعدة كان الراعي يكون بالانتظار هازئا قائلا انه كان مازحا. حتى جاء يوم هجم الذئب بالفعل على الغنمات وهرول الراعي الى التلة مستنجد اهل القرية، ولم يلب نداءه أحد.. فاكل الذئب الغنمات. لا اعرف ان كان الذئب قد اكل الراعي كذلك. ولكن..
في حكايتنا الفلسطينية، لم يبق هناك غنمات ليصرخ مستنجدا في حمايتها الراعي. ولكنه لم يتوقف ابدا عن هذه اللعبة التي اعطته نفوذا ربما وجمعت حوله خبراء ومستشارين، يبنون الجدار ويدعمون المزرعة بالأسلاك ويعينون حراسا ليحموا الغنمات من مغبة هجوم الذئب اللعين.
في حكايتنا الفلسطينية، سرقت الغنمات وذبحت وشويت ونهبت تدريجيا، بين حفلات شواء شارك بها الراعي وقرابين قدمت لانتصارات واحتفالات وتوزيع جوائز دعي اليها الراعي.
في حكايتنا الفلسطينية، فتحت كلاب الحراسة المدربة خصيصا لنهش الذئب إذا ما اقترب ابوابا أخرى لتقديم ما تيسر من غنمات. فحن الكثير منها الى أصله، واستحسن الكثير منهم الذئب على الكلب، وصارت الذئاب تقدم حلولا استراتيجية للكلاب في فن حماية الغنمات.
بعيدا عن الراعي والغنمات…
ماذا سيفعل الذئب؟
بطبيعة الحال، ان الذئب شبعان واصابته تخمة منذ زمن، ولقد تغذى والغابة كلها على ما كان من غنمات وواثق ان ما يترعرع من صغار غنم سينتهي الى بطنه لا محال. قد يهتم الذئب لصغار الغنم ربما؟
قد يكون الرئيس هذه المرة خطى بالفعل الخطوة الأكثر جرأة في تصريح له. بالفعل كان ما جاء به من تصريحات كبير وخطير. ولكن كما لم يبد هول الامر بينما نطق به الرئيس، لم يكن هوله على الشعب. ولم نسمع عن غف اجتماعات طارئة تم تشكيلها للتعامل مع الامر لدى حكومة الاحتلال.
ما الذي حله الرئيس بالأمس أكثر من عقدة لسانه بهذا الشأن؟
هل كانت قوى التنسيق الأمني بأجهزتها المتعددة تنتظر وقد حلت نفسها وجنودها وعتادها على باب المقاطعة تنتظر التعليمات المباشرة من القائد الأعلى للسلطة.
فاعلان الامس يبدو وكأنه اعلان حرب. هكذا يفهم من حل الاتفاقيات. يعني ان السلطة ستحل وستحل تلقائيا مؤسساتها. هل سلمت الحكومة مفاتيح الوزارات وهل افرغت المكاتب من محتوياتها؟
هل يعي الرئيس ان دعوته لإسرائيل بتحمل مسؤولياته تجاه الشعب المحتل يعني انه يجب ان يكون قد جمع امتعته وربما رجع الان وعائلته وجموع من جلس معه بانتظار مصير غير معلوم.
لا اعرف ان كان على القلق عليهم كمواطنة عادية. فلا بد ان هؤلاء غير العاديين من هذا الشعب قد أمنوا أموالهم- اموالنا- وعوائلهم في بنوك ومدن أخرى تحسبا ليوم الحل العظيم.
ولكن…
يبقى سؤال المواطن البسيط: إذا ما أراد الرئيس الحل وحل، لماذا تغيير القوانين الجديد واضافة ديوان الرئاسة كجسم موازي للحكومة في الصلاحيات غير المعلنة تماما. وكأن ما يجري في الأسابيع الأخيرة في دهاليز كواليس السلطويين يبشر بترتيبات رئاسية وحكومية وسلطوية جديدة. فكيف لنا الا انفهم الحل من الاتفاقيات بعيدا عن حل السلطة، وعليه ما جرى هو تربيط سلطة بداخل السلطة في الأيام الأخيرة.
طبعا ونعرف جيدا، ان الحل والضم فقط لدى صاحب القرار الإسرائيلي…. مع الأسف عمل أبو مازن وجماعته منذ ان جاؤوا مع أوسلو على تسطيح وعي الشعب وتدجينه حتى لم يعد يقو على شيء ابعد من قوت يومه. حول قضية شعب هزت عدالته العالم الى بضع مكاسب لبعض افراد. وتحول الشعب الجبار الى شعب أكبر امل في فئاته الأكثر هو الحصول على تصريح عمل لدى دولة الاحتلال. ومع الكورونا… صار الامل في طرد غذائي وشيك مالي يسكت الجوع.