تخطى إلى المحتوى

من اياد الى رفيف… شهداء يحلّقون وشعب خانع

من اياد الى رفيف… شهداء يحلّقون وشعب خانع

تودع القدس شهيدة طفلة، بعدما ان ودعت شهيدا حمل جسد رجل وعاش بروح طفل. رفيف أصيبت قبل أشهر قليلة وفقدت احدى عينيها الجميلتين، لتفقد مساء حياتها التي لم تكمل الخمسة أعوام. واياد الشاب المصاب بالتوحد فقد حياته برصاصات لا تفرق بين طفل ورجل. 

سلسلة الظلم قد تدلي بطولها ودرب الام القدس الذي عاشه من قبل المسيح عيسى عليه السلام، لتضم كوكبة من الشهداء الذين صعدوا في ارواحهم الى السماء، من ارض مليئة بالظلم والقهر. 

لا اعرف كم يمكن ان يمتد الرثاء بالكلمات. 

لا اعرف كم يمكن ان نعبر بالكلام لنثلج النار التي تحرق قلوبنا، بينما نستمر بالحياة بفقدان من يرحلون ظلما وقتلا. 

تتزامن الاحداث بما يجري بأمريكا بعد قتل رجل صحاب بشرة سمراء من قبل شرطي ابيض في أمريكا. وكأن العنصرية في لونها الأبيض والأسود هي الأكثر وضوحا لفهم ما تمر به الشعوب من تفرقة وظلم وعبودية. كيف ننفصل الى أحد اللونين دوما لنفهم أصول الظلم وتكراره. ان تكون اسمرا في أمريكا او ان تكون فلسطينيا في القدس او أي مكان على تراب ارضك، يمكنك ان تشكل ما يشبه الوجهين في عملة واحدة. 

ولكن…. 

بينما تتحرر الشعوب وتكسر قيود قهرها وتهزم الظلم بانتفاضات وثورات، يبقى الفلسطيني ساكن في مكانه، وكأنه اكتفى بان يكون رمزا للظلم. 

وكأن الفلسطيني يكتفي بأن يذكر العالم بتشابه الظلم عندما يتحول كل مظلوم الى فلسطيني. 

وكأننا نريد ان نذكّر العالم بنا. 

ولكن مرة أخرى… 

يبدو انه حان الوقت لأن نذكر انفسنا كيف تقاوم الشعوب الظلم والقهر والاستبداد. وقد اتّهَم بجلد الذات من جديد، ولكن لا يمكن عدم التوقف امام ما يجري بجلد حقيقي. قد تكون شرارة قتل الرجل الأمريكي قد اشعلت حرائق في أماكن كثيرة، ولكنها لم تشعل شيئا في فلسطين الا تذكيرا بمقاربة بأن العالم يعيش نفس الظلم كالفلسطينيين اليوم. فكم يبدو الامر محزنا، ان تخرج مظاهرات في تل ابيب من اجل التنديد بمقتل اياد الحلاق، ولا نسمع تصريحا واحدا من مسؤول رفيع في فلسطين. جانتس الصهيوني اعتذر عن مقتل اياد وعبر عن استيائه وفي فلسطين نناقش معنى عبارة محمود عباس بشأن “حله” للاتفاقيات. نناقش ونحلل تبعيات الضم ولا يزال لسان الحال الرسمي يشترط في تبعيات تصريحاته ما ستقوم به دولة الاحتلال.

بينما نشهد ما يحدث من قتل واجرام إسرائيلي عاد لنشاطه بين مخالفات وهدم وتنفيذ لقرارات بما يشبه اقتناص الفرصة في الوقت الضائع على الأرض. نلتهي بتوافه الأمور. نجعل مشاكلنا بتصريح وزير وفساد إدارة ما، وننتقد المبالغة في نعي او حزن على فقيد، كان شابا راقصا، او امرأة في مقتبل العمر قتلها والدها بسبب زيارة لامها المطلقة، او اخ قتل اخته في جريمة بشعة من اجل ميراث، ونهاجم وزيرة تكلمت عن الزي الشرعي في المدارس وهي محجبة بزي شرعي لا يختلف، ونشكك بنوايا واجندات الجمعيات النسوية لنبرر هجوما جديدا يوحد الرأي العام الهائج على قضية فرعية بينما يسلب ما تبقى من ارض لوطن لم نعد نعرف حتى كيف نسميه. 

بينما تتراشق التصريحات الرسمية بين تأكيد إسرائيلي على ان التنسيق الأمني لا يزال مستمرا، وبين شبه نزول عن شجرة التهديد التي صاحبت “حل” الرئيس من اتفاقياته مع إسرائيل وتحديد التنسيق بمسميات جديدة، وهجوم شعبي على “صفحة المنسق” وكأن بالخروج منها تحرير للوطن من استبداد الاستعمار وخطوة مباشرة في انهاء الاحتلال، يصطف الناس بالالاف بمشهد محزن او ساخر ربما امام “مقر المنسق” لعل تصريح يخرج من مكتبه. 

حرب تحرير على صفحات التواصل الاجتماعي ضد صفحة المنسق واكتظاظ على مكتب التصاريح يعكس فقط حقيقة ما يجري بحياتنا. 

فقدان اكيد لأي امل بان هناك حل مقنع سيأتي من أصحاب السياسة ومن يعتلون المناصب والمنصات، بالإضافة الى فقدان اهم للثقة بعد ما عشناه على مدار ثلاثة شهور من الحجر، استطاعت السلطة بالبدء استعادة الثقة التي فقدتها على مدار عقود، ولتفقدها من جديد مرة أخرى، بعد ما تبين من تخطيطات على ما يبدو بتغيير للقوانين بما يتناسب مع دوائر السلطة الصغيرة المحكمة لأصحابها، في وقت جاع فيه الكثيرون بالفعل. الفساد الذي استفحل لدرجة لم يعد اظهاره فيه أي حرج او حياء. حتى صندوق وقفة عز غرزت فيه سكاكين المحاباة والفساد. 

وفي أمريكا، نشهد ما تقوم به الشعوب الحقيقية عندما يشتد الظلم. فلا يهمها رئيس ولا وزير. 

ونحن لا نزال نهتف بعاش الرئيس ونندد بمن تتهاوى شعبيته مؤقتا لهذا الفريق او ذاك. يتحول الوطن الى مقاطعة يتحارب من اجلها من لا يرون في أنفسهم رجال بحجم وطن، فلم تعد الأرض وضياعها مسألتهم… ولا يشكل لهم شهيد اخر الا فرصة جديدة لحساباتهم الحزبية والسياسية…. ليعلوا على جثث من علت ارواحهم فداء وقربانا للوطن. 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading