حماية المجتمع من سيداو اهم من حمايته من الاحتلال
أفكر بكم المرات التي اتردد فيها بالكتابة عن موضوع ما. تكثر في كل مرة، وتبدو مقدمة لكلامي كذلك على ما يبدو في كل مرة.
كم مرة ممكن ان نكتب عن موضوع ما؟ ومتى يتوجب علينا التوقف موقنين ان لا نفع من كلام اخر زائد؟ فلن يضيف ولن يغير؟ كم مرة اقلب بأوراقي السابقة لأجد نفس الكلام قد كتب ولكن بتاريخ سابق وبمناسبة تختلف بها التواريخ والاسماء وتتشابه لتعيد نفسها الاحداث.
يجب ان انوه قبل الحديث في دفاعي او هجومي عما يجري، ان غياب القوانين الخاصة بحماية الاسرة والتي تتحمل “سيداو” تهمة تفشي الانحلال في مجتمعنا المحافظ إذا ما طبقت هذه القوانين، على الرغم من دفاعنا عن الجرائم التي ترتكب بحق المرأة لكثرتها ولعظيم جرمها، الا انها تنطبق على الجرائم الأخرى، فما يجري من تسيب وانهار يبدو وكأنه محكم في المنظومة الاجتماعية الفلسطينية سببه غياب تطبيق القوانين وسيادة القوي وصاحب الواسطة على القانون. فلا تشريع يطبق ولا قانون يأخذ حيز التنفيذ الا على الضعيف ولاستخدام صاحب السلطة.
صاحب السلطة هنا ليس بالضرورة الرئيس ولا الوزير ولا رئيس هيئة ما او جهاز ما او مؤسسة ما.
ولا يحتاج الامر للكثير م التفكير ولقد خاض الجميع في التحليل من كل الاتجاهات. فما يجري هو نتيجة طبيعية لغياب المجلس التشريعي والانتخابات في ظل انقسام وتناحر خفي وعلني على “رئاسة” مرتقبة قادمة.
وفي وقت تشتت وتمزق واخترق الانقسام كل اواصل الفرقاء من أصحاب سلطة ثابتون او مرتقبون، يبقى موضوع التحكم بالمرأة هو ما يجمع ويلئم ويوحد.
والحقيقة لا افهم لما لا يضج مرقد الشعب في فرقائه جريمة يكون ضحيتها رجل، والامثلة على هذا كثيرة، كان اخرها قتل شابا في جنين عن طريق حرقه، وتم طوي الموضوع وكأن ما حصل انتهى بذر الرماد. جرائم قتل تكاد ان تكون يومية نتيجة عنف مرعب، قد يكون مقتل الشاب العموري قبل أيام من قبل أجهزة الامن الفلسطينية في بلدة العيزرية الأخطر. وللمفارقة كان مقتل هذا الشاب في نفس يوم مقتل الشاب احمد عريقات من قبل قوات الاحتلال في البلدة الملاصقة أبو ديس.
وهنا اكتب كلمة “مقتل” لأنني تهت في التعريف. لا شك بأن الشاب احمد عريقات كان شهيدا. فقتله تكملة لسلسلة الظلم في التصفية العرقية للفلسطينيين بنهج لم يتغير من قبل الاحتلال الإسرائيلي. ولكن كيف لي ان اعتبر الشاب العموري شهيدا ولقد قتله قوات الامن الفلسطيني من اجل مشكلة على قطعة ارض.
العموري طبعا لم تكن مشكلته والأرض متعلقة بخلل او خيانة، كانت مشكلة ملكية على قطعة ارض، يبدو ان الغريم فيها ” صاحب سلطة”. وهنا ارجع لمفهوم صاحب السلطة. فمن رئيس الى عسكري، تكاد تكون السلطة على الأرض واحدة. صاحب السلطة هو منيملك المال والقانون والسلاح. وهنا بين “و” و “او” قد تتشابك السلطة ويزداد نفوذها. وهنا تكمن المأساة. عندما يصبح الشهيد منا من قتل على يد اخيه او جاره او حارس امنه.
وهنا “مربط الفرس” كما يقال، في عودة الى موضوع “التسلط” على المرأة.
في خطبة الجمعة بالمسجد الأقصى بالأمس، كان موضوع الخطبة “سيداو” وخطرها وحاجة المجتمع لمحاربتها.
هنا، نحن في القدس، بالمسجد الأقصى الذي يتعرض لخطر “وجودي” حقيقي بسبب الانتهاكات التي تكاد تكون يومية من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي بأشكال ومختلفة، من مستوطنين، او مستعربين، او متدينين، او سياسيين. هناك ما يجري وبالخفاء والعلن ولا أحد يفهم او يتكلم. خطر اجزم انه حقيقي وأقرب الى التطبيق من كل مرة.
بالإضافة طبعا الى العنوان الكبير الذي يشغل الساحة الفلسطينية بخطر لا يقل في حجمه وهو “الضم” المرتقب لأراضي بالضفة الغربية لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
فترى السلطة الفلسطينية تعد العدة “للحفاظ” على الاغوار التي تركتها لتؤكل لصالح المستوطنات والشوارع والجسور الإسرائيلية على مدار عقود أوسلو، كما القدس والبلدة القديمة بالخليل وغيرها. ويقول الإيجابي منا حسنا، “ان تأتي متأخرا أحسن من الا تأتي”، او ان تصحو متأخرا أحسن من ان تبقى نائما في العسل، فقد يكون صاحب السلطة الفلسطينية قد تيقن الان انه لم يبق من العسل الا اسراب النحل المتقدة.
وطبعا، كل هذا يجري ونحن والعالم نحاول السيطرة على الكورونا المنتشر بلا ريبة ولا يعرف أحد كيف يوقفه.
فبالرغم من الكورونا وتعليمات رئيس الوزراء القاسية وتهديداته بالعقوبات لغير الملتزمين بتعليمات الوقاية والتباعد، زحف رئيس الحكومة ووزرائه والنقابات والمجالس والأندية والسفراء والدبلوماسيين وما استنفروا من الشعب بالحافلات الى اريحا من اجل التصدي للضم.
يعني هناك مصائب تنهال على رؤوسنا من كل الاتجاهات، بين تفشي للفيروس بما هو مهدد، وبين ضم للضفة يحجم السلطة أكثر ويحد من سلطتها على الأرض وينزع صلاحياتها وامالها بحل لدولة لن يبقى منها الا الاسم فعليا. وأزمة مالية واقتصادية جلية، بين عدم دفع رواتب لما يقرب للشهرين وتبعات الاغلاق لثلاثة شهور أدى الى انهيار للاقتصاد الهش أصلا، وتبعات على النفوس جراء للإغلاق تستوعب الكثير من العمل من اجل تماسك ما يمكن امساكه من لحمة المجتمع. ومع هذا تبقى سيداو متصدرة للمشهد من كل الاتجاهات.
فما الذي يجري بالضبط؟
ما الذي تريده السلطة بأذرعها المختلفة من رجال عشائر ورجال منابر مساجد ورجال امن من المرأة؟
هل قوانين حماية المرأة ستهدد عرين الرجال في هذا المجتمع؟ ما الذي يخشاه الرجل من إحلال قوانين تحمي المرأة؟
بكل جدية اسأل، لنقل ان هناك تفكير لبعض الرجال الذين يرون مثلا انه في ضرب المرأة حق. فالزوج يحق له ان يضرب ويخون ويتسلط. ولكن هل يقبل الرجل ان تضرب اخته او ابنته وتهان وتخان؟
هل بالفعل نريد ان نكون هذا المجتمع الذي يشبه ما قامت به طالبان بأفغانستان؟ لأنه لا مفر من هذا السيناريو لما سنكون عليه ان بقينا هكذا.
لا أستطيع ان افهم عقل الرجل او المرأة الذين يقبلون ان تمنع الحقوق ويطالبون بعدم تنفيذ القوانين.
لماذا يخاف الرجل والمرأة على اناثهم من هكذا قوانين؟ كيف أصبحت التربية بهذه الهشاشة؟
في المقابل نرى الهجوم المرعب على كل ما يخالف هذا الرأي. فلقد وصلنا بالفعل الى تهديدات على وسائل التواصل بالقتل والاغتصاب والذم بما هو مثير للاشمئزاز. هؤلاء لا يفكرون بالأخلاق الإسلامية او الشرعية التي ينادون من اجلها عندما يهاجمون بهذا الهجوم الخالي من أي اخلاق ويتبرأ منه كل دين؟
خطيب الأقصى عندما اختار ان تكون خطبته عن سيداو، الم تكن النساء “الزاحفات” الى اريحا من اجل الاعتراض على الضم مطالبات بذلك؟ الماجدات المرابطات بالأقصى هل هن استثناء لماهية المرأة في رأيهم؟ الاسيرات والطبيبات والمعلمات لا يحق لهن الوقوف من اجل حقوقهن؟
انظر الى حالنا واتساءل كيف كنا فعلا خير امة أخرجت للناس؟
