تخطى إلى المحتوى

التطرف …ما هو دينه

التطرف…ما هو دينه؟

 

منذ أشهر وتشهد المدن الفلسطينية في داخلها (الإسرائيلي) وداخلها (السلطة الفلسطينية)، حوادث عنف وجريمة بهتت امامها العيون. الشجار ،والسلاح ،وقتل ذهب ضحيته الجاني والمجني عليه. وكأن هناك فايروس متفشي. لم تعد قضية الاحتلال هي الأهم. لم يعد القتل الأشبه بأن يكون يوميا من قبل الاحتلال لأبنائنا وبناتنا يشكل حتى ضجيجا إعلاميا .

لا أعرف إن كان اقتراب الصيف وموجات الحر وتقلباته قد اثر على نفوس الناس.

أسئلة عديدة لا يمكن تجاوزها طرحت، أهمها كان وجود السلاح نفسه في الداخل الفلسطيني، انتشاره الذي أصبح عبثيا، والذي بدأت نتائجه تظهر جلية.

قبل أيام، حدث سوء تفاهم بين أصدقاء واقارب لي، تحول الحديث إلى تهديد كمن يرمي عودة كبريت على زيت. فإذ بي أنظر إلى الجيل الأكبر المهتريء، لنقل جيلي أنا (الأربعيني)، وما يعلوه، واستمع إلى كلمات بين عطوة وحق عرب وأمن وقائي و”تهديد بإسرائيل” وتهديد هنا وآخر هناك. ما استفزني هو الجيل الأصغر، شاب عشريني ، يرمي دمه دفاعا عن شرف ،أو كرامة، أو عنفوان، لا يهم ماذا اسمي المصطلح.

لن ادخل بتفاصيل القصة لأنها غير مهمة. ما يهم هنا هو كيف تتحول الأشياء غير المهمة إلى محور حياتنا بلحظة ، نرمي بها كل وجودنا إلى أقرب سلة نفايات، أو قبر لتحديد المصير…

هذه الحالة من العبثية بالحياة من ناحية. جبروت مهيب من أصحاب الخصومة بلحظة، ينسى الرجل منهم إن كان عريسا جديد أو لدية أربعة أو عشرة ابناء. لا يهم إن كان طبيبا ،أم استاذا، أم رئيس حكومة. الكل يهدد، وتصبح كرامته التي يهينها ،بكل لحظة جندي ،لا يتعدى الثامنة عشر أمام الحواجز وغيرها-، كل ما يملك.

أنظر إلى كل هذه “المساخر” والهزلية والعبثية بحياتنا كمجتمع وتأتي إجابة سريعة، لسبب أزلية الاحتلال.

هذا المشهد الصارخ في التناقض، في استخدام السلاح والعربدة والجرأة والبسالة أمام الأقربون ،والاختباء والذل والهوان أمام الأعداء، هو ما يشكل حقيقة وجودنا.

وليس هذا مقتصرا على الحكاية الفلسطينية..

ولا يقتصر على أبناء الجلدة من قبيلة أو مدينة، قرية أو عشيرة، قريبا أم بعيدا… تتوحد الجهود بالتطرف على حسب الحاجة. فنشهد هذه القضايا الأشبه بأن تكون يومية ، فهي كجرح الكف. تكبر فقط عندما تصبح موضوعا للإعلام. فكم من امرأة تقتل تحت عباءة قضايا الشرف. ويترك عديموا الشرف منطلقون. وكم من دم سال، وأرواح فقدت، ودفنت، بفنجان قهوة، ودية.

ثم تأتي مواضيع تطرفنا في الأمور الأكبر ،والأكثر وضوحا: الدين. التطرف الديني الحاصل ،يبدو كالنار تحت الرماد. تنتظر نقطة زيت فتشعلها، أو ريح خفيفة تزيح الرماد عنها فتوقدها.

الدين، بين اضطهاد احتلال وقتل، وبين شجارات دموية بين العائلات بالمدن والقرى. يرقد التطرف الديني منتظرا لحظة اشتعال.

وقد يكون ما جري في مصر بالأيام الأخيرة هو أحد الأمثلة. البعد الجغرافي لا يشكل أي أرق هنا. فالاتحاد العربي بالتطرف مساحته لم تعد تفرقها الحدود ولا الحواجز ولا المسافات.

التطرف هو عنوان ما يشكلنا كعرب، مسلمين أو مسيحيين. مدنيين أو ريفيين. متعلمين أو غير متعلمين.

التطرف هو ما يميزنا .

كل ادعاءاتنا كاذبة .

فكأننا معجونين بخلطة تطرف تستحوذ على كينونتنا.

ننسى بلحظة كل الأعراف، يختفي الدين، وتذوب التقاليد، تعرى امرأة سبعينية لأن ابنها المسيحي تجرأ على حب امرأة مسلمة. لا يختلف المنظر في قبحه عن قتل فتاة تحب. لا يختلف المنظر في قبحه عن رمي طفل في قرعات شارع لأنه ابن لحظة حب من رجل عديم الأخلاق. لا يختلف المنظر عن سفك دم بشارع لأن فلان تطاول على علان. لأن ذاك تعدى على أرض ذاك.

ثم يذهب الجميع إلى الصلاة، ويدعو بالعلن للتسامح ويؤكد في سره أن البقاء المستحق فقط له. لعائلته، لقبيلته، لمن يمشي على درب عصبته فقط.

عندما خرجت داعش، لم يكن هباءا سرعة انتشارها .

فنحن شعوب تربت وترعرعت وتغذت على التطرف.

ثم نقول أن الدين براء …

أو أن العادات والتقاليد براء…

أن الإسلام لم يدع لهذا… وأن المسيحية لم تدع لهذا.. وأن التقاليد متينة خلوقة.

من المتهم إذن؟

كيف نبريء الدين وكل يمر تحت اسمه؟

كيف نبريء العادات وكل معنون تحت عصبتها؟

هناك مشكلة في تربيتنا. خلل حقيقي جعل التطرف يسلك طريقه فينا كما الدم يجري في العروق.

نختبىء وراء الدين والأعراف (التقاليد) ، ولم نعد نعرف دين تصرفاتنا. حتى تبرأ منا الدين ونبذتنا أعرافنا.

ليس صدفة أن أوضاعنا تنحدر إلى الحضيض يوميا، لأننا لا نربي أبناءنا على أخلاق. نربيهم على تبعية عمياء لشيء ما.. كان دينا أم عرفا، تقليدا أم عادة، ونضعه كله بقالب مقدس، القدسية بعيدة بعد الأرض عن الشمس منها.

كل ما يرتبط بحياتنا ويختلط بها يخرج مما نربي عليه، ولن يتغير شيء.. ما دمنا لا نفقه من التربية أصلها. أصلها بنشأة صالحة. والصلاح لا يرتدي عباءة أو حجابا. الصلاح في أخلاقنا … نستمر في هواننا، حتى بتنا عارا على ديننا وأعرافنا.

ليس من قبيل الصدفة، أن القتل بالمشاجرات الأخيرة بين متعلمين ولم يعد مقتصرا على العصابات ومروجي المخدرات.

ليس من الصدفة أن تعرى امرأة سبعينية انتقاما من ابنها الذي تجرأ على خلط المشاعر بالدين. فكل يوم تتعرى حياتنا من أصالتها، ولم يعد يغطيها ورقة توت.

التطرف لا يمحيه دين ولا ينتجه دين.

التطرف طريقة حياة… كلنا مدانون بها…

ما دمنا نربي ونستمع بتربية اجيال على أن هناك فرق بين الولد والبنت. بأن ديننا سواءا كنا مسلمين ام مسيحيين هو الحقيقة المطلقة. بأننا نحن الصفوة وغيرنا أتباع. بأن عزنا بمال نجمعه وشهادة نعلقها.

الأخلاق هي ما نبني به مجتمعاتنا ونخلق منها ثقافتنا.

حالنا المهتريء هذا لأننا نفتقد للأخلاق…

وعليه…

لا دين لنا إلا تطرفنا الأعمى ..

فنحن حالنا وعلاجه كما قال احمد شوقي :

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت…..فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم…..فأقم عليهم مأتما وعويلا

إصلاح أمرك للأخلاق مرجعه…..فقوم النفس بالأخلاق تستقم

1 أفكار بشأن “التطرف …ما هو دينه”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading