قتل الشرف في مجتمعاتنا ووأد الوطن
نعم يا سادة.. لم يعد هناك من جرائم ترتكب الا جرائم بحق شرفنا نحن المجتمعات التي جعلت العنف جزء من مركبها، والخنوع والسكوت عن الحق آفة تمثلها.
تفرقنا كعرب في كل شيء تقريبا، الا بتفشي العنف وجرائم القتل. فلا تختلف مصر عن الاردن عن فلسطين.
لن تكون مبالغة إذا قلت ان جرائم القتل التي نشهدها صارت يومية. وكأن الاجرام والقتل صار سباقا من مدينة لأخرى.
لا اعرف ان كان الحديث عن جريمة قتل لامرأة أكثر حاجة عن الحديث عن قتل أب لطفله او طفلته، أو زوج لزوجته. ولا اعرف ان كان الحديث يختلف بالحاجة الى طرحه عن جرائم القتل الناتجة عن العنف والضغينة التي صارت عادية.
بالمحصلة هناك ضحية ماتت، ومجرم سينجو من العقاب.
شهدت الساحة الفلسطينية جرائم قتل ضد النساء تحديدا على مدار السنوات كانت تتصاعد بوضوح، من الشمال، الى الوسط، الى الجنوب. لم تترك هذه الجرائم مفرا لنا برمي المشكلة على الاحتلال، ولا على هذا الفصيل او ذاك. فمجتمعنا عند الجرائم متوحد. توطن التطرف فينا حتى صار هو الوطن والشريعة والدين !
العلة واضحة ولا تحتاج الى تحليلات ودراسات. فطالما القتل مباح سيستمر. وطالما للقتل ثمن يدفعه المجرم وأهله فلكل ضحية دية تنتهي بفنجان قهوة وعطوة عشائرية ومنشد. وكأن القتل صار صفقات، يستفيد منها شيوخ القبائل الجدد الذين تربعوا فوق القانون وصارت صكوك الغفران متاحة لكل من يلبس ثوب عشيرة.
وبالطبع جرائم القتل الاسهل هي تلك المتعلقة بالنساء. فالرجل الذي يقتل ابنه الطفل او ابنته هو بالمحصلة رجل اقترف جريمة داخلية، لا دية ولا منشد. بضعة شهور في السجن ويخرج بحجج كثيرة يتحها له القانون. فالفجوات والاستثناءات في القانون كثيرة، وكل ما يحتاجه القاتل واسطة لا تحتاج أكثر من رجل امن بالعادة، وكلما كثرت المعارف والوساطات استطاع الجاني ان يفلت أكثر بلا عقاب.
من جانب اخر، تبدو الأرضية خصبة للجرائم، فالوضع الاقتصادي قاتم، والفساد مستفحل بالمؤسسات من أخمص الاقدام الى الرؤوس. المخدرات صارت عادية كما انتشار الأسلحة.
يعيش المجتمع فيما تبقى منه بحالة من اليأس والخوف.
كم هو مقيت ان نعيش في حالة يأس يملأها الخوف. وويل كل الويل لمن تجرأ على اليأس بمواجهته بلا خوف.
انقسام المجتمع بين من يريد ان يبسط سيطرة وبطش الذكورية تحسبا من ان ترفع المرأة رأسها في يوم، وبين من يريد للنظام الحاكم من سلطة البقاء تحسبا من فقدان رزق ينقطع مع تهديد بزوال السلطة، يضعنا جميعا بداخل شرخ يضغط عليه من الاتجاهين يزيد من التصدع الحادث صداعا مدويا يتركنا اما بحالة أكثر كربا او يأسا او يفر منا من هذا البلد الذي لم يعد للوطن فيه متسعا حالَما سنحت له فرصة.
أتساءل كيف وصلنا الى هنا؟
منذ مقتل نيفين العواودة واسراء غريب ورائد الغروف، تُركنا لنصدق ان هناك ضغطا شعبيا قد يساعد على إحلال بعض العدل. ولكن الضغط الشعبي ليس الا ضغطا مؤقتا حتى القصة التالية. يشتعل مثل فتيل المفرقعات ويخمد بعد دقائق إلى الأبد. فمنذ تغاضينا بقضية نيفين العواودة ليكون ملقط حواجب الدليل وسائق تاكسي عشيق، وتركنا بجبن صرخاتها واستنجادها ضد الفساد على صفحتها الخاصة بالفيسبوك. وسمحنا للجنّ ان يكون محور جريمة قتل اسراء واغلقنا آذاننا عن صوت صراخها بالمستشفى مستنجدة. وسكتنا عن مقتل الغروف بكاميرات لا تعمل وسيناريو آخر لتلفيق تهمة لغير قاتل، ليس بغريب ان نصل الى هنا. ان نصل الى مكان نناقش فيه أحقية القاتل بقتله لضحيته. كما جرى مع الاب القاتل من غزة والأب القاتل من الضفة والأب القاتل من الأردن واب قاتل اخر في مصر (كلها حوادث قتل جرت في الأسابيع الاخيرة). قتلة يكونوا في أحسن احوالهم آباء يحق لهم تربية بناتهم واطفالهم وغسل شرفهم، او يمكن ان يكون القاتل من اخ لابن عم لزوج لطليق او لعابر طريق. ما دام العقاب ينتهي على فنجان قهوة ودية.
والفساد الذي رأيناه بينما كبر وترعرع وعشعش، واكتفينا بتناول الفضائح كأنها نميمة، نتداولها على فنجان قهوة وبين رسائل التواصل الخاصة بالمجموعات المختلفة. وجعلنا من التعامل مع الكورونا انتصارا واستحقاقا وجزاء، بتنا ندفع منه جزية وجودنا بهذه البلد… ومن لا يدفع يسحل او يسجن او تحرق سيارته او يقتل. فلا رقيب ولا حسيب. والتهم جاهزة بالعمالة والاجندات الخارجية.
كلما سكتنا عن الفساد وعلقنا أسبابه وحججه على الاحتلال كلما استفحل بنا.
ارتبطنا بمصالح واهية، وتنازلنا من اجل ان يرفع العلم عن ارض ومن اجل بقاء السلطة عن وطن.
سكتنا سكوت الضعفاء حتى صار الوطن مصلحة نتسلق عليها ونرفع الويتها برجل نصبناه وطن.
سكتنا وغرسنا رؤوسنا بالتراب وهللنا بأننا أحياء…
وصرخنا فداء لشرف حملناه بأضحية اسمها انثى، ووطن وأدناه وأعلننا حدوده رجل يسعى الى الرئاسة أملا!