قرأت مقال رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض بصحيفة الشرق الأوسط والتايم (بتاريخ ١ تموز) باهتمام شديد. اعترف أنني أبحث عن بعض العقلانية في ظل الغوغائية الحاصلة.
لم أعرف أبدا كيف أقيّم مشاعري كمواطنة تجاه دكتور سلام فياض. بالمحصلة لا أعرف كيف لأوسلو ان تخرج لنا أي خير، وسلام فياض كان بالنسبة لنا من مخرجات أوسلو بطبيعة الحال.
وعليه، كان تقييمي دائما متراوحا نحو السلبية، خصوصا لما قيل عنه اثناء حكومته من تدمير الاقتصاد الفلسطيني. وللحق، لا افهم من هذه العبارة شيء. كنت أخاف من ذاك الازدهار الذي يشبه الفقاعة وتوقعت دائما ان تفقع في يوم ما ونواجه واقعا لا يمت للفقاعات الجميلة بصلة. او ربما ككل فقاعة عندما يسقط صابونها ارضا تتحول الى سائل لزج ممكن ان يزحلق وممكن ان يتحول الى طين وسخ إذا لم ننظفه فورا، او كما تبين امامنا اليوم، سخاما ظننا ان الفقاعة حملته لا نتاج عدم تنظيفنا الفوري للصابون بعد فقع الفقاعة ونزولها الطبيعي ارضا.
الا انه، وبعد رحيل الدكتور سلام فياض وتركه الحكومة بكل أريحيّة، كان الامر يُحسب له، فالرجل بلا شك كان متواضعا، لبقا، تعامل مع المنصب وكأنه وظيفة لها فترة بداية ونهاية، وقد انتهت. ولكنه نوعا ما اختفى عن الساحة وهذا لا يحسب له، فهو بالمحصلة كان رئيس حكومة. ولا اعرف ان كان اختفى بالفعل ام لا، لأن المرحلة اللاحقة له كانت مرحلة تمحي كل ما سبقها عن وعي وإدراك، كما هي المرحلة الحالية.
تلته حكومة الدكتور رامي الحمدلله المحسوب جزئيا على الفصيل الحاكم، وكانت حكومة انتقالية مؤقتة دامت لسنوات عديدة، وتذبذب وضع الحكومة بالنسبة لنا كمواطنين، وظهرت مشاكل أكبر، وبدا ما اعد له دكتور سلام على مدار سنوات وكأنه لم يكن. وبدا ان الفقاعة عندما فقعت أخرجت بالفعل سخاما.
ثم جاء دكتور محمد شتية ابن الفصيل والمتربع على مركزيته ليجعل حياتنا بداخل فقاعات استمتع هو بتحليقها وأطلق عليها اسم عناقيد، وجعل المتجمهرين حوله يظنون ان الفقاعات صابونية على الرغم من سوادها ورائحتها ووضوح حقيقتها، وان العناقيد ستثمر عنبا او بلحا.
وطبعا، مع كل تغيير جديد، نرى ان السابق كان كنزا بالمقارنة بمن لحقه. وما كنا نعترض عليه بالأمس صار اليوم حلما مستحيلا لا يمكن التفكير به.
ولكن اعترف انني بكل مرة، يزداد احترامي للدكتور سلام فياض كما اول مرة. واعترف انني افتقد حكمه وحكومته. على الاقل، كان سلام فياض رجل سياسة واقتصاد حقيقي. كان يعي مكانه جيدا وامكانياته. كان يتفوه ويتصرف بلا حقد ولا يخفي ضغينة ولا يؤذي، ولم يطلق شعارات بالهواء ولم يفعل بعكس ما قال.
طبعا، أقول هذا وانا انظر لما يجري اليوم من مطاردة واعتقال واذية للناس على خلفية تعبيرهم عن آرائهم، واشهد على تردي الوضع الاقتصادي الى الحضيض، وتفشي العنف والجريمة وغياب الامن وتمكن حكم العشيرة وقوى التنظيم على القانون المطوّع لمصالح فئة بعينها.
ولا اعتقد انني بهذا القدر من السذاجة، بحيث أرى الأمور بهذه البساطة المسطحة. الواقع ان حياتنا كانت أفضل عشرات المرات عندما كان سلام فياض رئيس حكومة. كذلك كانت حكوماته، فما نراه اليوم مأساة حقيقية، كان علينا عدم الاستهانة بعدم اتباعهم لحلفان اليمين الحكومي اول مرة بطريقة صحيحة.
كان علينا الحرص والرعب منذ عاد الدكتور محمد شتية من زيارته لمصر، وقد اعجبته الطريقة المصرية في بناء المدن والصحة وعلى ما يبدو الامن.
بمتابعة تصرفات رؤساء الحكومة اللاحقين، وما يخرج من تصريحات، نفهم بالفعل الفرق بين رجل الدولة ورجل الحزب. اتكال رئيس حكومة على مبدأ الخطأ والتصويب وكأنه الفعل العادي لرجل الحكومة مأساة بحد ذاتها، كما اسلفت سابقا، حلفان يمين خاطئ، لحكومة وصلت الرقم ١٨ بتعدادها.
خطاب سلام فياض في مقاله ذكرني بكل ما سردته للتو، فكأننا بحالة اشتياق لكلمة بها عقل. مهما لعبت بفحوى الكلام ومضمونه، الا انها كلمات تحترم القارئ وتناقشه لا تملي عليه ولا تظنه مطبّل سيصفق في نهاية الحديث.
وطبعا، سلام فياض في وضع مريح اليوم، لا يحتاج ان يزن كلماته بطرق مختلفة، يستطيع ان يقول ما يريده هو ما لا تمليه عليه الظروف والشخوص، الا انه لا بد القول ان كلامه كان دائما كلاما موزونا ومدروسا.
وربما مقاله يشبه حقبته الحكومية، فقاعة، ولكنها فقاعة جميلة، لو أدركنا حينها انها فقط فقاعة لاستطعنا استغلالها قبل ان يتحول الصابون الى سائل لزج يقع على الأرض فيزحلقنا ويتحول الى سخام.
ربما لأننا لا نملك الا الفقاعات… وهذه حقيقة اكيدة.
وصف سلام فياض المرحلة بدقة وبكلام موزون لا تعتريه شائبة. ممتع ومهم وصحيح بكل عبارة. بدأ المقال بوصف دقيق وتشخيص تام للوضع الحالي بشأن الضم قائلا: “بصرفِ النَّظر عن توقيت إعلان سلطة الاحتلال الإسرائيلي المضي قدماً في تنفيذ برنامجها الهادف لضمّ مناطق من أراضي الضفة الغربية، فإنَّ ذلك البرنامج يستدعي فعلاً فلسطينياً، طال انتظاره، إزاء عقود متصلة من سياسات وإجراءات استعمارية توسعية، بما أفضى لجعل مساحات واسعة من الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، لكل الأغراض العملية، امتداداً للسيادة الإسرائيلية. وعليه، لم يبقَ إلا الترسيم الإسرائيلي لواقع هذه السيادة انتقائياً وفق رؤية عنصرية خالصة. السؤال المطروح هنا يتعلق بجوهر الفعل الفلسطيني المطلوب.”
وعرض ما طرأ من تغيرات على الساحة الفلسطينية بموضوع “الحل” من الاتفاقيات قائلا: “…بعد سنوات من تلويح القيادة بنيّتها الخروج من الدائرة التدميرية التي أرست معالمها الأساسية، على مدار ما يزيد عن ثلاثة عقود، عملية سياسية لم تُفضِ مرحلياً إلا لإجهاض الانتفاضة الأولى، بما مثلته من روح التحدي المقاوم، وتعاظم الشعور بالقدرة على الإنجاز، ولاحقاً لتوفير غطاء مكَّن إسرائيل من الخروج من عزلتها الإقليمية والدولية، ومن الوصول لتحقيق أقصى مطامعها التوسعية، أعلن الرئيس{..} بلغة واضحة وقطعية، تحلل الفلسطينيين من الالتزامات المترتبة على الاتفاقيات والتفاهمات المعقودة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ومع أنَّ ذلك الإعلان لم يتطرق إلى الإجراءات العملية التي ستتخذ على أساسه، والتي شُرِع في تنفيذ بعض منها منذئذ، بدا مرجحاً أنه سيكون له ما بعده من حيث تداعياته وانعكاساته..
في مطلق الأحوال، فإنَّ السؤال الذي ينبغي أن يشكل محور الاهتمام الأساسي على الساحة الفلسطينية في هذه المرحلة، يتعلق بمدى قدرة الإعلان{…}على التأثير الفاعل على مجريات الأمور، أولاً لجهة وقف قطار الضم الإسرائيلي، وثانياً، وما هو أهم، لجهة إحداث تغيير جوهري في المعطيات الأساسية القائمة، والتي تأتت بشكل رئيسي من جراء إغفال «عملية السلام» للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، والتآكل المضطرد في مرجعيات تلك العملية، مما أدى إلى جعل حتى مجرد التفكير في تنفيذ الضم أحادياً، من قبل إسرائيل، أمراً ممكناً.”.
برأيي، ان هذه الفقرة تطلبت جرأة كبيرة من الدكتور سلام فياض. وربما، قبل لومي له كمواطنة، أفكر بأن ما جرى لنا كشعب بسبب أوسلو كان جمعيا بالمسؤولية. من السهل ان أحمّل وزر ما جرى على كل من هو بالسلطة من سابقين ولاحقين، ولكن الحقيقة، ان أوسلو بمبدئيتها كانت مطلبا على ما يبدو شعبيا. فلقد التفّ الشعب بداخله وخارجه على امل ان تكون بدء مشروع التحرر. وعليه، كان المطلوب منّا جميعا ان نقاومها كما قاومها ادوارد سعيد وحيدر عبد الشافي وغيرهم عندما تنبّهوا سريعا الى الشرك التي تمخضت عنه الاتفاقيات. ولكننا اخترنا ان نُسكت تلك الأصوات العظيمة ونُخرسها، بل نخوّنها أو نُحبطها، وجعلنا صوت الشعارات الرنانة التي لا تزال تكرر نفسها ونسمعها على الرغم من اننا لم نعد نصدقها اطلاقا هي صوتنا.
كلنا انزلقنا نحو ما قدمته أوسلو واعتبرنا “قيام السلطة” هو الإنجاز الأول، ومارسنا ما ترتب عن هذا الإنجاز كأنه الإنجاز الأخير.
وقد يكون الدكتور سلام فياض كانسان متفائل وواقعي، قرر ان يمسك ما خرج من تصريحات ويجعل منها فرصة. على الرغم من تأكيده على أنه لا يجدر أن يكون هناك أيّ وهم بأ التحلل او التخلي عن الاتفاقيات بالفعل نهائيا، سيكون مدخلا حتى لمجرد البدء بمعالجة ما هو قائم.
ولكنه بنى “أمله” على ما هو ممكن. والممكن على حسب رأيه هو: “استحضار القدرة الكامنة للتوجه القائم على التحلل من التزامات منظمة التحرير الفلسطينية، بموجب الاتفاقيات والتفاهمات {…} من خلال الإعلان عن انطباق مفهوم التحلل ليس فقط على إطار أوسلو، وإنما أيضاً، من حيث المبدأ، على التحول في برنامج المنظمة الذي تم تبنيه فعلياً في إطار مبادرة السلام الفلسطينية لعام 1988.”
ويمكن وصف كلام الدكتور فياض بالمنصف عندما قال: فإنَّ الرد الفلسطيني على مشروع الضم الإسرائيلي يمثّل فعلاً وطنيّاً طال انتظاره، ألا وهو إعادة النظر في تحوّل عام 1988، الأمر الذي يستوجب أيضاً أن مجرد تحلّل منظمة التحرير من إطار أوسلو فقط، يعني تخليها عن برنامج اعتمدته من الناحية الفعلية لاثنين وثلاثين عاماً من دون التقدم برؤية بديلة، يمكن أن يلتف حولها الشعب الفلسطيني، والذي من المنطقي جداً له أن يتوقع استعداد ممثله الشرعي الوحيد لإعادة النظر، في ضوء ما آلت إليه القضية الفلسطينية في أعقاب التحول المذكور.”
ولكن يؤسفني القول، اننا نرجع دوماً الى نقطة البداية في افعالنا وتصريحاتنا، فيكون الفعل الأول هو الفعل الأخير. أي ان التصريحات التي خرجت لم يكن وراءها أي شيء آخر غيرها. وقد يكون ما يجري اليوم من تصريحات جديدة توعز بان مشروع الضم فشل، وعليه فإنّ السلطة تدرس إعادة التنسيق الأمني، يؤكد على هذا. بأن ما يجري هو مجرد تصريحات لا نية بتغيير الوضع الى ما هو أفضل لهذه القضية التي صارت قضية اشخاص بعينهم. هم القضية المنشودة. وقضيتهم هي مصالحهم الشخصية وامتيازاتهم.
فما يجري التلويح به من نقاط قوة هو أضعف نقاطنا. لأن التهديد بحل السلطة الذي يعني انفلات الامن ورمي المسؤولية بالكامل على إسرائيل، كما جرى بعدم قبول أموال المقاصة العائدة للشعب، يؤكد على ان الرهان الحاصل هو رهان على التضحية بالشعب كوسيلة ضغط. وهذا مرعب..
يضيف الدكتور فياض قائلا:
“هنالك حاجة ملحة لأن تتمخض إعادة النظر المطلوبة عن توافق عام بشأن المرتكزات الأساسية لجهد فلسطيني فاعل، وطنياً وإقليمياً ودولياً، لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني تستمد شرعيتها من الحق المطلق للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرض آبائه وأجداده، الأمر الذي يتطلب انعقاد لقاء وطني يضم مكونات النظام السياسي الفلسطيني كافة. كما يتطلب أيضاً، وفيما يمهد لتطوير وتفعيل منظمة التحرير بما يفسح المجال لجميع هذه المكونات للانضواء تحت لوائها، عدم الاستمرار في السماح لتعدد الرؤى وتضاربها بشأن مفهوم الحل الشامل المقبول وطنياً في إعاقة توحيد الجهد الوطني”.
ولكن كيف يمكن ان يعقد هذ اللقاء الوطني بينما رأينا كيف تعقد اللقاءات الوطنية الأخيرة. فكان اجتماع المجلس الوطني الذي تم طرد او منع بعض الأعضاء من المشاركة فيه قبل أشهر قليلة. نحن نعيش واقعا وطنيا يفرض وجود فصيل واحد متحكم بكل مناحي القضية الفلسطينية، سواء بمنظمة التحرير او السلطة او المجلس الوطني او غيره. تبدو الاجتماعات فقط فرصة لتكريس هذا الواقع المفروض على الشعب. .
عندما وصل الدكتور فياض الى اقتراحه قدم ما هو موجود، وقبل ان نفكر بأن ما قاله ليس بجديد، أخبرنا بأنه يعي تماماً أنه لا جديد بموضوع الحلين ولكن…
قبل اللكن.. اقترح سلام فياض إمّا حلّ الدولة الواحدة أو حلّ الدولتين.
بشروط واضحة لكل من الحلّيْن لا تقبل المواربة. قال
“
وكخطوة أولى … قد يكون من المجدي السعي الحثيث للتوافق على صيغة لموقف وطني جامع، تقوم منظمة التحرير نفسها بالإعلان عنه، حول استعداد الفلسطينيين للقبول بأَيٍ من الخيارين التاليين كمخرج لعملية سياسية، تهدف إلى الوصول إلى حل مرْضٍ للقضية الفلسطينية، ألا وهما:
أولًا: دولة واحدة على كل أرض فلسطين التاريخية، يكفل دستورها المساواة التامة لسائر مواطنيها، ودونما أي تمييز بينهم على أي أساس كان..
أو ثانياً: دولة فلسطينية مستقلة على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام ١٩٦٧، بما يشمل القدس الشرقية، بكاملها، وذلك شريطة أن يسبق أي عملية سياسية تهدف لتحقيق ذلك اعتراف أممي، بما في ذلك إقرار من قِبل إسرائيل نفسها، بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني كما عرفتها الشرعية الدولية، وتحديداً، حق العودة وفق القرار الأممي ١٩٤، والحق في تقرير المصير، بما يشمل الحق في دولة مستقلة كاملة السيادة على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام١٩٦٧.
وهنا تدخل اللكن،
يريد دكتور سلام فياض إجماعاً شموليّا فلسطينيّاً على أحد الحلّين. وهنا يعتبر أنّ هناك فرصة لأيّ من الحلّيْن.
أي أنّ على الفلسطينيّين حسْم أمرهم تجاه حل واحد والمضيّ قدماً به. وهذا بإعادة تشكيل حقيقيّة لمنظمة التحرير يكون فيها للكل الفلسطيني تواجد ومكان وكلمة. أن تكون كلمتنا بشأن أحد الحلّين واحدة وثابتة.
ذكّرني كلام الدكتور سلام فياض بموضوع وضعيّتنا بالقدس. فلطالما قلت انّ امامنا أحد الحلّيْن، إمّا الانسجام المطلق مع الاحتلال من حيث الجنسية، أو إعلان الرفض التام والعصيان. لا حلّ وسط. إمّا نأخذ الجنسية جميعنا او نرفضها ونبدأ بعصيان مدني جميعنا. هكذا فقط يمكن أنْ نصنع تغيير حقيقي. تغيير نفرضه لا يُرمى علينا فتات الوجود بين كوننا كالبِدون. لا نحن مواطنين ولا نحن مقاومين. لا تابعين ولا عاصين.
وهنا يبدو اقتراح دكتور سلام فياض مهمّاً ومنطقياً، ولكن هل هو اقتراح ممكن التطبيق وواقعيّ؟
نعم، كان هناك إجماع على إعلان وثيقة الاستقلال لم يَلْق من قبله هكذا التفاف، كما قال. ولكنّا، كنّا حينها نعاني من بطش الاحتلال فقط، وكنّا نقاوم، وكنا نتشوق للحرية. كنّا نحلم بأنْ يرفرف العلم على أي بقعة من فلسطين، وكنا نحلم بالعودة.
ولكنّنا اليوم منقسمين، بل أكثر، صرنا فرقاء وأعداء. وما كان يقوم به الاحتلال، استمر بالقيام به، وزاد عليه بطش السلطة.
وقد يكون الواقع أكثر ظلمة، لأن أحد الحلّين هو ما سيكون بالفعل. ولكنه سيكون حلّا يأخذنا نحو مكان أصعب. فحلّ الدولة لن يكون قائماً الا على العنصرية، ولن نرى الا نظام جنوب افريقيا أمامنا إن حالفنا الحظ، وعملنا على نزع حقوقنا كما يجري اليوم مع أهلنا بالداخل.
أو ستكون دولة فلسطينية منزوعة السيادة، ومقطوعة الاوصال، ومحدودة الأرض، تقوم بأعمال تنسيق وتسيير شؤون الشعب. ستكون أكثر انقساماً وأكثر فرقة وأكثر عداوة وكراهية. وسيتنازع الفرقاء في مختلف المناطق على إعلان سيادتهم المستقلة التي تتم مباركتها سراً أو علانية في رام الله ويحرك أذرعها في كل منطقة قوى الأمن المختلفة ويشرف عليها رئيس عشيرة. كلٍّ وقوة عتاده وبطش رجاله.
ما تطلبه هذه المرحلة من الدكتور سلام فياض هو العمل على إعادة العمل على بناء إنسان فلسطيني صحي. من خلال تجمع وطني حقيقي لأصحاب الرؤى والفكر من الفلسطينيين الخالين من أي انتماء حزبيّ او فصائليّ الا الانتماء للوطن الذي يكرّم فيه الانسان ويعلو ويبني. لا يمكن ان نخطو خطوة إلى الأمام بلا بناء للإنسان الفلسطيني من خلال حث الكفاءات وبنائها، واغلاق الصدع الحاصل، وتفكيك آليّة التفكير والتنفيذ ببناء الدولة كما نعيشه اليوم، من خلال بناء وتأهيل مؤسّسات مجتمع مدني حقيقي، تسعى إلى بناء الانسان والاقتصاد.
لا بد ان الدكتور سلام فياض تعلّم الكثير من تجربته كرئيس حكومة، ويعرف أين أخطأ وأين أصاب. وقد يكون الانسان الأكثر كفاءة وفهما للحالة الفلسطينية الداخلية وما يحيطها إقليمياً وعالمياً ليبدأ ببناء قاعدة جديدة.