تخطى إلى المحتوى

الحق في التطبيع لمن؟

الحق في التطبيع لمن؟ 

وصلنا الى مرحلة تهكم يفوق التهكم، فلقد تعدينا الكوميديا السوداء، وصرنا اضحوكة، نضحك على أنفسنا ويضحك الناس علينا.

نتهكم على ما وصلنا له من حال لا يسر الا العدو.. ولربما يكون للعدو بعض الرحمة، فصار يرحم أبناء هذا الشعب البائس ويترك له ثغرات في الجدران من اجل استراق لحظات في شم هواء البحر ولمسه. 

في العالم من حولنا بؤس اكيد، ولكن بؤسنا محاصر مثلنا، فحتى الهواء العليل لبحر لا نستطيع التمتع به. وما رأيناه على مدار الأيام السابقة من مشاهد مؤثرة بكل المعاني للآلاف من الناس يدخلون عبر ثقوب الجدار العازل لتلمس أجسادهم مياه البحر على بعد كيلومترات معدودة لأول مرة بحياتهم للكثيرين منهم. 

هل هناك أكثر بؤسا من هكذا حياة. حياة تمر على البشر منا بلا فرصة للمس مياه البحر في بلادهم؟ 

والبحر في بلادنا بعلاقتنا به كالضم والتباعد. 

فما قامت به حكومة السلطة من اغلاق بهدف التباعد، فتح ثغرات الجدار وصار ضما حصريا. ورأى الكثيرون منا مشاهد ذكرتهم برحيل النكبة وكأنه عودة.. عودة منكوسة لساعات، بصرّة طعام وبعض الحاجيات، لساعات فقط… 

لساعات فعلية هذه المرة.. على عكس الساعات التي تحولت الى عقود متتالية من الانتظار ولا امل منها الا التمني بعودة لم يعد أحد يعرف معناها. 

سلطة تخبط بنا وتتخبط بنفسها. تملي القوانين وتجعل من ازمة الوباء فرصة لاستمرار اعلان حالة الطوارئ التي يمرر اربابها من خلالها ما لا نعرفه ولا ندركه، وإذا ما أدركناه او عرفناه فالقانون القائم على تكميم الافواه والردع جاهز. 

شعارات خاوية لا يفهمها أحد ولا يصدقها أحد. لا المتكلم ولا المتلقي. والشعب في انقسامه فوق انقسامه بين غزة والضفة، وفتح وحماس، منقسم بين معارض وسحيج. بين مستفيد ومتضرر.. كل على حسب قربه من هذه المنظومة او بعده. 

وجاء موضوع اعلان اتفاق السلام بين الامارات العربية وإسرائيل برعاية أمريكية كالصاعقة على أصحاب السلطة والكثيرين. واعود وأكرر، استغرب..

استغرب استغرابهم ومفاجأتهم، وإذا ما كان الامر مفاجئا فهي مصيبة وإذا ما كان الامر لعبة لامتصاص ردة فعل الشعب فهي مصيبة كذلك. 

فاين الدبلوماسية الفلسطينية من كل هذا؟ ماذا يفعل كل هؤلاء السفراء والبعث الدبلوماسية التي تستنزف في ميزانيتها تعب الشعب واستحقاقاته إذا ما كان الاتفاق مفاجئا! 

وإذا ما كان الامر منسقا، وما نراه من تداعيات لردة الفعل مجرد تمثيلية لدرء المصاب لكيلا تثور ثائرة الشعب أكثر، فان الشعب لا يصدق. الشعب لم يعد يصدق صدقهم او كذبهم. فلقد مر الوقت الذي كان من الممكن ان نأمن او نصدق. 

فالإمارات هذه هي نفسها التي فتحت نيران الحرب ضد اليمن مع التحالف السعودي، وما كان من السلطة الا مباركة صنيعها “الحكيم”. فالظلم ظلمات.. ولكننا لا نتعظ.

وما يجري هو مجرد وجودنا بفوهة التحليلات بين فرق المؤيدين والمعارضين. وهذا حالنا الجديد. 

ولكن، لنضع بعض العقل في كل ما يجري من غياب للعقلانية، وقد أكون مجحفة في حق قضيتي التي عشت عمري واربّي ابنائي من أجلها. وقد يعتري كلامي بعض الجهل، ولكني لا أستطيع عدم سؤال نفسي سؤالا علنيا مباشرا: ما الجديد في هذا الإعلان؟ 

فلقد افتتحت قنصلية لإسرائيل في دبي قبل سنوات، وتم تشييد كنيس يهودي ضخم في ابي ظبي، واستضافات الرياضيين والمؤتمرات على قدم وساق منذ سنوات.

ناهيك عن موضوع التأشيرات للإسرائيليين مقابل التضييقيات للفلسطينيين منذ اغتيال المبحوح.

بالمقابل، هناك التطبيع العربي الذي تقوده السعودية منذ سنوات بعرابها الأمير ولي العهد. والكثير من الأمور التي تطبخ وتمارس في العلن كما في السر. 

ورشة البحرين لم تكن الا اعلانا لعلنية هذه العلاقات التي يتم توطيدها ومشهدا لمشاهد متكررة كنا سنراها ورأيناها. طائرات تحط في مطار اللد واجتماعات دولية هنا وهناك. 

هذا من جانب، اما من الجانب الاخر، فهناك علاقات تطبيع رسمية إذا ما كانت اتفاقات السلام المبرمة بين بلدان عربية أخرى تسمى تطبيعا. لا اعرف ان كان هناك تسمية أخرى لهذا. ولكن ما الفرق بين اتفاق السلام هذا وبين سابقيه من الاتفاقيات العلنية مع مصر والأردن؟ ماذا عن العلاقات الرسمية وغير الرسمية مع قطر والمغرب؟ لا اعرف ما الذي يسمى تطبيعا إذا لم تكن هذه الاتفاقات تطبيعا؟ 

ولنقل ان ما كان من علاقات واتفاقيات يجب الا نعتبره كفعل محقق واجب الاتباع. ولتؤثم كل دولة بإثم فعلها. ولكن ما الذي قدمناه نحن الفلسطينيون بهذا الامر؟ 

الم نفتح باب التطبيع على مصراعيه؟ 

الم يقل رئيس سلطتنا ان زيارة السجين ليست كزيارة السجان؟ 

اليس التنسيق الأمني مقدس بإعلان رئيس سلطتنا؟ 

الا يصف ممثلي سلطتنا إسرائيل بدولة جوار أحيانا، وبالمستعمرات على انها مستوطنات؟ اليس هناك إسرائيل يقرّون بحدودها؟ 

 السنا نعيش في حياة كلها مفاوضات نقبل فيها ما يعطونا إياه وما لا يعطونا إياه طالما ان الحياة على حد تعبير صائب عريقات مفاوضات.

نعم مؤسف ان نرى دولة عربية تطبع علنا مع إسرائيل، ولكن كيف لنا ان نتأسف؟ 

ما الذي قدمته القيادة الفلسطينية على مدار ثلاثة عقود من اتفاقيات سلام؟ الا يحق لدول العرب ان يعقدوا اتفاقيات سلام مع إسرائيل بعد ان نسقت السلطة وباعت وامتصت الأموال كمصاصي الدماء على مدار السنوات وباعت ما تبقى من ارض وقضية تحت اسم القضية؟ 

هل نستغرب ما تقوم به الدول من اللحاق بمصالحها؟ 

في كل مرة كانت هذه الدول تجر نفسها الى تطبيع كان على مشهد ومرأى القيادة الفلسطينية، فلم تقدم موقفا رافضا، إذا ما تابعنا ما جرى بالإمارات تحديدا على مدار السنوات الأخيرة. فتحت القنصلية الإسرائيلية. ما الذي قالته السلطة في ذلك؟ هل سحبت سفيرها، هل غضبت، هل قطعت علاقاتها؟  مع كل وحدث رياضي، رأينا وسمعنا عن مشاركة إسرائيلية. هل انسحبت الفرق الفلسطينية؟ اكسبو دبي كان على الأبواب، وأعلنت مشارك\ إسرائيل بجناح فيها. هل انسحبت فلسطين او اعترضت؟ 

الحقيقة ان لهذه الحقيقة وجه محق، وهو الحاجة بحق ان يتذوق العرب العلاقة مع إسرائيل. ليتعاملوا معهم وليحبوا بعضهم الاخر.. لعل لإسرائيل وجوها تتفتح بالحب والسلام لم نعرف نحن الفلسطينيون رؤيتها…لأنه لن يفهم مرارة الاحتلال الا من يعيشه.  

والحقيقة الأهم التي يجب ان نعترف بها نحن الفلسطينيون أولا واخرا: فلسطين لم تعد قضية العرب، انها قضية الفلسطينيين وحدهم. فبلاد العرب لم تعد تحتمل قضايا غير قضايا شعوبهم، فمصر وسورية والعراق ولبنان والسودان واليمن مصابهم قد يكون أكبر من مصاب شعب يعيش تحت احتلال، تحرسه سلطة تريد التفرد بضخ ما يمكن ضخه من ثروات الى جيوب اربابها على حساب القضية والشعب. 

خسرنا دعم دول الجوار وغيرها عندما جعلنا قضيتنا سلطة تحارب من اجل مقاطعة وعلم واسم دولة بلا سيادة وحدود لا تحكم فيها حتى على مداخل بلداتها. 

القضية الفلسطينية ستبقى قضية حق طالما هناك فلسطيني متشبث بحقه وأرضه وهويته، ومؤمن بوجوده ويحارب يوميا من اجل البقاء رغم جبروت الاحتلال. وهذه القضية ليست قضية أصحاب السلطة.    

2 فكرتين بشأن “الحق في التطبيع لمن؟”

اترك رداً على nadiaharhashإلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading