الفن ..ابداع ونبض حياة. من متحف الشارع الى دبكة الشاطيء

14721578_1165738346838278_219313797042455213_n

منذ أيام وقلمي يتصارع بين ما يريد ان يكتب ، وبين ما يفرضه الواقع . وبين اخبار مأساوية محبطة ، مل القلم

من خطها ، وبين واقع محاصر بمصائب وترهات متعاظمة ، شعرت بهذه اللحظات ببصيص امل ، وتركت ما كنت اكتب فيه من نحيب وشجن وبكاد على وطن منكوب يستمر بالضياع .

 قد تكون الاشياء البسيطة كبيرة في معانيها ،بغض النظر عن الاختلاف او الانسجام معها.

لفت انتباهي منذ ايام لوحة فنية بأحد شوارع بيت حنينا مكان لوحة اعلانات تابعة للبلدية (ربما ) . لم تكن تلك المرة الاولى التي تنبهت اليها فيما بعد ، انني رأيت هكذا لوحة . سعدت عندما رأيت صورة الفنان الشاب الى جانب اللوحة . علمت فيما بعد ، ان هناك مبادرة يشترك فيها فنانين مقدسيين ، او قد تكون المبادرة من الفنان المقدسي الشاب محمد الجولاني ، الذي لطالما تأملت اعماله بترقب ،بانتظار اعمال كثيرة بها ما يعد فيه طموح الشباب. اعترف انني اشعر بغبطة وكأنني بلحظات تمكنت من العالم عندما اصادف هكذا مبادرات . وبلا شك و فان للفن بكافة اشكاله طعم مختلف. وكأن غيث قادم بعد مواسم قحط كثيرة.

شعرت بانتصار بلوحات محمد الجولاني امامي احباطاتي . بزن هذا البلد سيكبر بأبنائه الطموحين المبدعين الصادقين بحبهم لهذه المدينة العتيقة الاسيرة.

متحف الشارع ، عبارة عن مبادرات فنية مختلفة ترعاها مؤسسة الرؤيا الفلسطينية . بلا شك ان تحويل الفراغات المختلفة في الشوارع والازقة المختلفة في القدس بلوحات محمد جولاني ، اضفت للمكان عبقا ،اخرجه من جموده وحزنه وحالة الاستياء المحيطة الدائمة.

صار المشي بشوارع المدينة حاملا معه رونقا مختلفا عن ذلك الذي يحاصره بين قذورات واسرلة ممنهجة. أثبت محمد الجولاني ومؤسسة الرؤيا الراعية لهذه المبادرة ، ان الانسان الفلسطيني مبدع لا يحتاج الى ملايين بلدية الاحتلال ولا نشاطاتها من اجل تجميل مدينته واضفاء نبضها به . ففي كل مرة تشرع بلدية الاحتلال لأسرلة المدينة من خلال نشاطات ثقافية تقحم فيها وتؤصل الاحتلال ، يفقد المقدسي شيئا من هويته . الا ان ما يجري بالقدس من حراك بمتحف الشارع يؤكد ان المقدسي كزيتون هذه البلاد ، لا تؤرقه سنين الجفاف ولا تسلبه حياته.

ولاصل لحالة غبطة حقيقية ، مر امامي فيديو يتم تداوله لفرقة دبكة مقدسية (عوشاق)  على شاطيء يافا ،بكلمات اغنية وهزات المسابح لا تزال تعيد نفسها في اذني مداعبة ، مؤكدة انه ما بتفرق عند الشعب ، انه فعلا انتوا من هالبلد والا سكنتوا بالغلط (على حسب كلمات الاغنية المرافقة للدبكة). وبلا شك انني من محبين هذه المدرسة التي تحب ان ترى الفولكلور يمارس من قبل الاجيال الجديدة بروح المستقبل لا بروح الماضي فقط. وقد يختلف معي الكثيرين بأن الفولكلور والتراث والزي الفلسطيني كتلة واحدة لا يمكن فضها ، ويجب المحافظة عليها . فبينما يبقى هذا الكلام حقا لمن يؤمنون به ، تبقى الحداثة طريقا لمحاكاتنا للمستقبل والاخر.

تخيلت ما كان من الممكن ان يدور في ذهن المارة من الاسرائيليين هناك ، عندما توقفوا لحضور عرض الشارع موقنين انهم سيرون عرضا لا يمت للانسان العربي او الفلسطيني بصلة ، ليتفاجئوا بأن هذا الفلسطيني فتاة ترقص الفولكلور الفلسطيني بخطوات الباليه ، وان المحجبة فتاة يافعة لا يعيقها حجابها من هز الارض من تحت خطوات رقصة فولكلورها ، وان هذا الشاب بلباس عصري ،بمسبحة يضبط فيها ايقاع رفاقه ويلوح للعالم بوجوده فرحا وراقصا ، بخطوات لا يتقنها الا من تشرب من حفنات تراب هذه الارض وتوسخت قدماه باللهب بأحيائها وبين ابنائها .

هذا الفلسطيني ، ليس الشاتم ولا الارهابي ولا المتشرد ولا المنتشر بالشوارع ولا العامل المنتظر لرب العمل الاسرائيلي ولا الفقير المعدم ولا السياسي الانتهازي . هذا الفلسطيني الانسان الذي يبحث عن الحياة كلما سمحت الحياة اليها معه سبيلا . هذا الفلسطيني المبدع بأرض له رغم تهويدها الفاضح .

 قد يكون المشهد على شاطيء يافا الممتليء بالمارة الاسرائيليين من ابلغ ما يمكن ايصاله في الوجود الفلسطيني المتجدد على هذه الارض. لقد جسدت هذه اللوحة كل ما كان يعتقده الاسرائيلي المار بتلك اللحظة عن الفلسطيني . وكأن بهذه اللوحة رد على الدعاية التي تم نشرها قبل اسابيع قليلة من قبل وزارة الخارجية الاسرائيلية في فيلم ترويجي قصير ، يظهر الاسرائيلي الامن في بيته يأتي عليه الغازي عبر القرون ويفتح له الباب مسلما حتى يأتي هذا الزمن فيكون العربي الملتحي لابسا عباءته وامرأة بثوب فلاحي الغازي الجديد. لم نسمع حتى كلمة استنكار واحدة من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية .ومر كغيره من الدعايات الصهيونية مرورا مخجلا امام قيادتنا النائمة بعسل التطبيع والتطويع .

قد يكون هذا الرد (غير المقصود) هو الرسالة الحقيقية لهوية الفلسطيني المتشبث بأرضه الحالم بمستقبل ا يقصيه عن العالم المعاصر حوله.  وقد تبدأ الشتائم بالانهمار على مقالي هذا ، كالشتائم المصاحبة للفيديو الذي يرى المنتقدون فيه ايذاء  للتراث وتبرج من قبل البنات خارج عن التقاليد. الا انني اصر ان هؤلاء الشباب والفتيات هم تأكيد على نبضنا كشعب . قد نختلف في توجهاتنا الفكرية التي مع الاسف انها تنحصر في هيئة لباس ومظاهر تفتقر من كل فكر وتدبر في زمن انهارت فيه النظم الفكرية العربية ، فلا عتب على ظلمات ما تبقى من العقل العربي\الفلسطيني . فلو تدبرنا بهذه اللوحات سواء بمشهد الدبكة على شاطيء يافا او لوحات الشوارع واعترفنا بأنها تسر النظر وترقق القلوب  وتبعث برسائل حقيقية هنا كشعب. قد لا نتشابه في كافة مستوياتنا واتوجهاتنا وطبقاتنا ، كغيرنا من الشعوب والامم . كلنا نستطيع ان نخدم الوطن اذا ما اخلصنا بحبه ….

 

نحن شعب نحتاج الى ان نحب وطننا لنستطيع ان نخلص له ونقدم انفسنا طواعية وبإخلاص بالحياة ….كما بالموت 

One comment

اترك رد