تخطى إلى المحتوى

الانسان الفلسطيني وما تبقى منه … حكاية اهتراء تحت احتلال

الانسان الفلسطيني وما تبقى منه
حكاية اهتراء تحت احتلال

لا أعرف من أين خرج إلى رأسي هذا العنوان ، ولكن قبل ان يبدأ دماغي بعادته السقيمة بتهذيبي ، وقبل ان يكبلني استعمال الحروف من خلال لوحة المفاتيح ، وقبل ان تطير الأفكار الصارخة ما بين أصابعي واللوحة ، قررت بأن اخرج ما يحوم بداخل دماغي كالذبابة .
انتهينا وبحمد الله من الانتخابات الإسرائيلية ، فحللنا ونقحنا ودلونا بأفكارنا واقتراحاتنا الفذة . وكعادتنا انتظرنا القائد القادم منهم الذي سيعطينا املا جديدا في حل هذه القضية . حل هذه القضية هي العبارة الصحيحة . فيبدو واننا نعيش في حالة انحلال سننتهي به الى حل ننحل به ونحل .
فحياتنا محاصرة متينة محكمة مكبلة باحتلال بأحسن احواله واسوئها بات يحل علينا بمنزلة حياتنا نفسها . ففي كل مرة ننظر حولنا ونبدأ بلعنة الاحتلال وسبه والتذمر والشكوى نتأكد اكثر بأن مصيبتنا ليست من حولنا فقط ولكن بوسطنا وارجائنا ومن فوقنا ومن تحتنا . مشكلتنا فاقت سوء الاحتلال وقذارته . مصيبتنا منا وفينا .
نمر عبر الحواجز ولا يكفي مرارة الشعور والوقوف والموقف وذل الوضع المستمر ، ينتهي بلحظة الاحتلال عند العبور على اخلاقنا . فالتزاحم والتراشق وانسداد الطريق والاطفال والعالم على الطرقات والقذورات صورة نحن اصحابها . لا تشكل انعكاسا او تشويها .
نتظافر على قساوة واستبداد المحتل عندما نسمع بالاستيلاء على منزل ومنازل هنا وهناك ، ونتناسى ان الاستيلاء بيع وقبض وثمن دفع . ونهرول بالسب على السلطة والقيادة وكأن البائع ضحية ، ونطالب بإجراءات وممارسات ومقايضات تمسكنا بالتواجد وتمنعنا من البيع وتسريب الاراضي والبيوت ، ونلومهم على انحطاط اخلاقنا ، وقلة انتمائنا وانعدام القيم التي ذابت فينا .
نلعن الاحتلال ليلا ونهارا ، ونطالب بحقوق المواطن بسويسرا . نريد قتلهم بالعلن ونلتصق بأرصفتهم ونرجوهم الاعتراف بنا وابقائنا لهم في الخفاء.
قلبنا وقلبت معنا المعايير ، اصبحت الخيانة في زمننا وجهة نظر . وطنيتنا تتمحور حول فائدة هنا ومصلحة هناك ولقمة زائدة ورداء فوق لباس مستورد.
ونستمر بلعنهم وسبهم . يهدمون البيوت ويزجون ابناءنا بالسجون ويشدون الخناق علينا وكأننا في عنق زجاجة لا نقوى على الخروج رهبة وجبنا ولا نتجرأ على الدخول خوفا وذعرا . مؤسساتنا اهترأت وتهترىد منا وبنا . تذهب الى المستشقى صحيحا وتخرج مشخصا بورم خبيث خاطيء.
هذا هو سبب هذا المقال …..
حكاية ، ليست الاولى ولن تكون الاخيرة في حكايات مستشفياتنا . نسمع كثيرا عن تهديد بإغلاق مستشفى المقاصد و طبعا نلوم الاحتلال …. ولا احد منا يدرك التفاصيل . فلا نحتاج الا ان يغيم علينا القدر بايامه السوداء لنضطر بالذهاب للعلاج فيه . طبعا ، والحمدلله ، اهل القدس مثلي لا يحتاجون لهذه المأساه ، لاننا مغطون بالتأمين الصحي من قبل الاحتلال وعلاجنا والحمد لله بمستشفياته . فالمحظوظين من اهل الضفة وغزة هم من يحالفهم الحظ بالقدوم للعلاج بمستشفى المقاصد في القدس . فتخيل ما هو وضع المستشفيات في الضفة ؟ حدث ولا حرج ….. حكاية والد صديقتي التي تم تشخيصه بسرطان الرئة وتحويله للبدء بجلسات علاج كيماوي لن تكون غريبه وليست اكبر المصائب في حكايانا ومصائبنا . فتخيل وقع الخبر على الاهل عند اعلامهم بمصابهم ، ولفكاهتنا طبعا ، وقف الطبيب الشاب امام المريض بعد التشخيص قائلا : ” عمي معك سرطان بالرئة ” . هيك عادي بدون احم ولا دستور . ولحسن الحظ بان الوعي كان سيد الموقف ، وبينما ذهبت العائلة للتنسيق لبدء العلاج بعيادة مختصة اخرى ، انتبه طبيب اخر بان هناك لبس في التشخيص ، وعلى راى الطبيب الاخر لصديقتي : ” عمي انا صار لي عشرين سنه بشوف مرضى سرطان وابوكي ما شكله منهم ” . فالحمد لله بان نظرة الطبيب الحاوي غير نظره الطبيب الهاوي وفعلا تبين بلا لبس بان الرجل صحيح ومعافى تماما . طبعا من اجل اخراج الاوراق من المستشفى تطلب الامر بروتوكولات كان ينقصها فقط موافقه الرئيس للخروج من المستشفى . ففعلا يبدو المشهد كمن يدخل الى المسلخ. للمفارقه الهزليه ، فإن المختبر يقع في قلب المطبخ التابع للمستشفى …. نعم هذا ليس تصورا خياليا لايجاد ديباجة مفتعله . لتضخيم المشهد . فبحياتنا الواقع دائما أشد تصويرا من اي خيال .
وهل يزيد الامر احباطا بالاشاره الى ان اهل المريض لا يحملوا هوية القدس ؟ فتخيل القدوم والخروج والتوسل للاصدقاء للقيام بأعمال تعجيزية من أجل اخراج ورقة .
فأين الاحتلال هنا … من الذي يؤهل هؤلاء الاطباء ويأتمنهم على حياتنا ؟ من الذي يربي هذا الشعب ليرقى بنا ؟
بعد يومين سنحمل الورود والهدايا الى امهاتنا ، وسنملأ مساحات الفيسبوك بالشكر والامتنان وسنعرض جمال حياتنا ونشكر الله على امهاتنا . اين نحن من تلك التربية التي قيل بان الجنة تحت اقدامنا .
ما الذي تقوله الام مثلا لابنها الذي ربته واستثمرت به ليصبح طبيبا قد الدنيا ؟ اين تلك الام الذي باع ابنها الدار لشركات الاستيطان ؟ اين تلك الام التي يقود ابنها السياره عند الحاجز ويتزاحم بالمرور ويسير بعكس السير ويسب ويقاتل ؟ اين الام التي يترمى اولادها عند الحواجز يتوسلون بضعة شواكل من اول النهار لما بعد منتصف الليل ؟ اين الام التي ربت مرتشي وحرامي وخائن ومبتز وصايع ؟ اين الام التي يضرب ابنها الحبيب زوجته ويخونها ويهينها يذلها ؟ اين ام الاستاذ والمدير والمهندس والمحامي والمحاسب وصاحب المصنع والمطعم الذين فقدوا اخلاقهم وقيمهم وانسانيتهم ؟
لقد افقدنا الاحتلال كرامتنا ، ولكن لا بد اننا نسينا اصولنا التي تبدأ بالبيوت . تبدأ بتربيتنا لابنائنا الذين نتفاخر في ما يحملون من شهادات وما يجنون من اموال . نتفاخر في اي مدارس نضعهم واي ملابس نلبسهم واي نشاطات نلحقهم بها ….ونسينا دورنا الحقيقي في التربيه .
فمشكلتنا ليست بالاحتلال ولا بالسلطه ……فقط…
مشكلتنا الحقيقية والاساسيه والاولى والاخيره هي بنا نحن الامهات …اللاتي ننتظر ابناءنا بعد يومين بهدية وورده ليقروا بالعرفان والجميل والشكر والتقدير …ونحن تلك الامهات التي نصنع هذا المجتمع الردي .
فصدق قول الشاعر حافظ ابراهيم حين قال : الام مدرسة اذا اعددتها …اعددت شعبا طيب الاعراق .

3 أفكار بشأن “الانسان الفلسطيني وما تبقى منه … حكاية اهتراء تحت احتلال”

  1. تنبيه Pingback: الانسان الفلسطيني وما تبقى منه … حكاية اهتراء تحت احتلال | nadiaharhash

  2. كلامك صح ماءة بالماءة لان الشعوب التي تريد العيش بكرامة ان وبداء بالبيت واولها ان الام والأب عليهما ان لا يكذبا على أولادهما ، طبعاً حباً بهم مثل على ذلك عندما يبكي الطفل تقول لة والدتة ان لم تسكت عن البكاء سياتي الدكتور وضرب إبرة لاحظي لا تقول لة مثلا يعطيك إبرة بل يضربك، فيصبح هذا الطفل يخاف من اي طبيب وعندما ياتي الطبيب لعلاقة يصرخ ويبكي ويهرب من الطبيب ، او تقول لة اذا لم تتوقف عن الصراخ سأحضر لك الشرطي او البوليس وهدمت ياتي الشرطي لإنقاذ هذا الطفل فيهرب من الشخص الذي يريد إنقاذك، مع الاسف مازلنا أحبنا لاطفالنا نكذب عليهم ، طبعا هذا مثال بسيط، ولكن انشاء اللة نحن سنتحسن

  3. تنبيه Pingback: مصارع الاستعباد في طبائع التعليم – نادية حرحش

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading