وموعد مع نصف قرن من العمر

ها هي حياتي تقترب من اقفال نصف قرن.

شعور غريب… كم كبرت

سنة أخرى بانتظار هذه القفلة لنصف قرن من الزمن.

مع تزايد سنوات العمر تقل الاهتمامات بما كان هو الأهم في السابق. 

اتأمل المشهد حولي وأفكر بكم تغيرت..

كم جميل ان نكبر لنتغير أقول في نفسي بتأني. 

أتذكر عدد السنوات التي تقترب لتصير ٥٠ وأقول كم مضى من الزمن وكم بقي.

ضحكت عندما قررت هدية عيد ميلادي. اريد جلاية صحون لأن الجلاية الحالية تنازع بأنفاسها الأخيرة. لا يمكنني ان ابدأ النصف القادم من القرن المشكل لحياتي منشغلة بجلي الصحون. 

استيقظت في اليوم الأول بعد ٤٩ لأنظف المنزل. بعد عشرة أيام من السفر البقاء الاضطراري لأيام كثيرة قادمة سيتطلب ان اتعامل مع ٤٩ وايامها بقدر من النظافة بالبيت. فلملمت نفسي بعد قهوتي الصباحية لأنظف البيت والملم ما دمرته الكلبة بيلا من نباتات اعتنيت بها لأشهر. 

كم جيد اننا تركنا بيلا ترحل قلت في نفسي. دمرت كل نباتاتي. شعرت نفسي كالغارقة بين التراب وما كان من نباتات دمرتها بيلا. الملم واعيد تشكيل الاحواض وأفكر بالنباتات وأقول: هكذا تكون حياة المرأة عندما تصير ٤٩ سنة ويوم. 

كم كان جميلا شعور تنظيف الدرج. 

كم كان الشعور مليء بالروعة بينما أرى الاوساخ تتلاشى.. الام في الظهر شعرت بها عندما انتهيت. 

كوب اخر من القهوة. 

فكرت ببعض الأصدقاء بعيد ميلادي. ورأيت نفسي ابعث لصديقة لم اتواصل معها منذ مدة اعيدها بعيدي. 

نعم، صادف مولدي السنة الهجرية هذا العام.

كم جميلة هذه الإشارة الربانية… او الفلكية ربما… 

شعوري ولقد اقترب على اغلاق نصف قرن من العمر ملئ بهذا الفضاء الشاسع من اللامبالاة. لا مبالاة جيدة.. إيجابية. 

اتوقف وادير نظري الى الوراء لأفكر ما قدمته لحياتي القادمة.. انظر من جديد وارى فضاء شاسعا… مليئا بالاحتمالات.. او ربما مجرد فضاء… 

ولكن هذا ما يجعل كل شيء أفضل.. 

فضاء شاسع كانت حياتي متزاحمة ممتلئة مكتظة بكل شيء. وها هي امامي بالتفاتة الى الامام، هل سأعيش نصف قرن اخر؟ بكل المقاييس المنطقية لقد مضى بالفعل من العمر أكثر بكثير مما سيبقي. 

اسأل نفسي ان كنت حققت ما اريده من حياتي؟ 

واجد إجابة بلا مبالاة كبيرة.. لا يهم… 

ما يهم هو ما اشعر به الان.. 

اشعر ان ما ينتظرني من حياة هو هذا الفضاء الشاسع.. مليء بالمساحات المفتوحة. بلا تزاحم ولا ريبة ولا رهبة…

لا يهم ان كنت لم احقق احلامي بعد…

لا يهم ان لم أكن اعرف ما هي احلامي… 

ولا يهم ان تيقنت انني لم احلم من قبل… 

فأنا أعيش ما اريده بلا أحلام…

احلامي وواقعي واحد.. 

تجانس تماهي لكل شيء في خيره وشره.. 

اريد الطمأنينة فقط… 

هذا ما اريده لحياتي القادمة… 

الطمأنينة… 

سواء صرت مليونيرة ام بقيت مكبلة بالقروض

سواء صرت اهم كاتبة بالعالم ام بقيت اهم ما انا عليه الآن… 

سواء تحسنت أحوال هذا البلد ام استمرينا في التمني لأيام أحسن.. 

سواء بقي الأبناء بقربي او حلقوا لحياتهم…

سواء امضيت حياتي مع رفيق ام مع نفسي…

سواء كنت على بحر او في صحراء …

بسيارة او حافلة..او مشيا على الأقدام…

لم اعد اكترث الا لشعور وحيد: 

ان أشعر بالطمأنينة… 

حسنا… 

سأكون مطمئنة… 

سأنتهي من مشاريعي الكتابية التي عزمت عليها في السنة الماضية والسنة التي سبقتها… هذه السنة. 

سأنهي الدكتوراه على مدخل الخمسين… كم هو مراوغ العقل البشري!!! 

سأستمر بالقيام بما أقوم به بحياتي..

سأستمر بجنوني وشغفي… 

سأستمر بالتأمل والتمني… 

سأستمر بأن أكون انا …. كما انا … 

وسيبقى الشعور المصاحب للغرابة والغربة مرافقا… بين تأقلم واحتواء أحيانا ربما… وبين رفض وهروب بأحيان اخر

بمهاترات او شذرات او تأملات…

اترك رد