القطاع الصحي بين اهمال وغياب للانسانية: الطفل بهاء النتشة هو آخر الضحايا

القطاع الصحي بين اهمال وغياب للانسانية: الطفل بهاء النتشة هو آخر الضحايا

في حمى الحر الحارق في هذه الايام، كانت وفاة الطفل بهاء النتشة بينما كان يلعب كرة القدم في ملعب الشيخ جراح بالقدس، اشبه بجرس انذار يصم الاذنين. فدرجات حرارة تحولت لتكون بالفعل قاتلة وسط فيروس لا يعرف احدنا فهمه او التعامل معه وكيفية البقاء على قيد الحياة وسط كل هذه التحديات التي تفوق تحكم البشر. بلحظة ما، توقفت امام الحادث لفهم ما جرى ، كأم اولا، وكانسانة محاطة بالكثير من ابناء الاخوات بهذه الاجيال. وقلت في نفسي انه لا بد ان يكون الطفل قد عانى من امراض ما كشفتا حرارة الشمس الملتهبة. وبلا ادنى شك، قد يكون هذا الحادث المؤسف، درسا علينا الجميع التنبه منه بكيفية التعامل والوقاية من درجات الحرارة في هذه الاجواء. ولكنني بينما كنت استمع لعم الطفل الفقيد، الذي كان معه في الملعب بتلك الدقائق المصيرية، تبين انه وعلى الرغم من الايمان المطلق ان الموت حق، وانه بالفعل عندما تأتي لحظة الموت لا يمكن الا الاستسلام امامها. فالطفل انتهى عمره وهذا قضاء الله وقدره. ولكن…. هل كان من الممكن انقاذه؟ للوهلة الاولى فكرت ان الوم عمه وامه وعائلته، ولكني تراجعت بسرعة وقلت في نفسي: طفل ابن ١٤سنة ذهب للعب مباراة في الصباح مع عمه الراشد. لم يكن هناك مجال لاطلاق حملات اللوم، لأن المباراة التي ذهب ليلعبها كان قد تم التنسيق لها بأخذ اذن بحجز الملعب. الاطفال يخرجون للعب.. وهو خرج ليلعب كرة القدم. كل ما جرى حتى مشاركته باللعب كان طبيعيا وبديهيا ويحصل معنا كلنا. ولكن في وضع طبيعي اخر، سيرى فيه المتابع ان من حسن حظ من يقع بالملعب لاي سبب كان، وجود مستشفى على بعد امتار قريبة . اي لو كما قدر الله مع الطفل بهاء النتشة او يقع فجأة او لأي سبب، فوجود المستشفى بهذا القرب سيكفل انقاذ حياة. وبالعادة، لا يعرف الناس التصرف في خضم حمى المصاب ووقع، ولكن هنا، كان العم المرافق لمجموعة الاطفال على مقدرة تامة بالحفاظ على رباطة جأشه والتصرف بعقلانية، وذهب الى المستشفى لطلب المساعدة…. ولكن….. وكأن المستشفى جزء من عملية ترتيب القدر الذي انهى حياة هذا الطفل. العم يستجدي من بالمستشفى على مدار دقائق طويلة كانت كفيلة بأن تنهي حياة الطفل الذي اصيب بسكتة قلبية. على الرغم من مأساوية المصاب بموت طفل بعمر الورود هكذا، الا ان المأساة الحقيقية تكمن هنا، بغياب العنصر الانساني عن عاملين بمستشفى. رفض الطواريء بتلك المستشفى ان تتجاوب مع العم بينما كان يستجدي ويشرح من اجل محاولة انقاذ الطفل، والتبجح بالمعاملة بالطلب منه ان يحضر الطفل هو الى المستشفى ، ومروره من شخص الى الاخر حتى يحمله طبيب ما الجميل بذهابه معه متقاعصا على حسب وصف العم بلا ادوات انقاذ ومع وصول سيارة اسعاف تابعة للجهات الاسرائيلية كان الوقت قد انتهى لبهاء… ليطفأ بهاء وتخيم العتمة على حياته. هنا ندخل مرة اخرى في معضلة صعبة بالقدس، مستشفى فلسطيني على بعد امتار تنعدم الانسانية من عامليه، لينتظر اهل المصاب رحمة سيارة الاسعاف الاسرائيلية. دقائق كانت كفيلة بأن تبقى بهاء على قيد الحياة… انتزعتها منه ملائكة الموت بالمستشفى. لا اعرف لمن او ممن يجب طلب المساءلة والمحاسبة.ولا اعرف ما الذي يمكننا ان نصرخ من اجله اكثر اذا ما كانت الانسانية غائبة في مستشفى… فأين لنا التوجه وانّى لنا السؤال؟ رحم الله الطفل بهاء النتشة والصبر والسلوان لعائلته

اترك رد