تخطى إلى المحتوى

التوقعات الأخيرة من ٢٠٢٠

التوقعات الأخيرة من ٢٠٢٠

كانت سنة لا تشبه أي سنة. سيذكرها التاريخ كذكر الإسلام لعام الفيل ربّما. قد تُبنى عليها الأساطير التي ستحمل عبء الحضارة الإنسانيّة خرافة جديدة. لأنّ الحاضر لا يمكن أسطرته، فما يجري مصيره الخرافات فقط. 

تتزاحم الأحداث على الساحة الفلسطينيّة بانتظار لما هو غير معلوم من مستقبل قاتم. هل يمكن تعليق الآمال على ٢٠٢١ كما علقت قيادتنا الآمال على فوز بايدن بانتهاء ترامب. هل انتهاء ٢٠٢٠ واقتراب ٢٠٢١ كفيل أن يعطينا بداية جديدة تحمل التغيير. 

الجواب بكل أسف لا، لأن التغيير لا يحدث قصراً- أو صدفة الّا عندنا. عندنا نحن الشعوب التي تعيش على حواف التاريخ والجغرافيا والكون. نعيش لأننا نتنفّس مؤقتاً حتى تعيش السلطات الحاكمة أو يأتي الله أمرا كان مفعولا بموت حاكم. 

فعلقنا الآمال وعقدنا العزم على الرهان بخسارة ترامب من اجل وعد بالانتخابات. انتهى ترامب واختفى الوعد. في وقت كانت الانتخابات الشغل الشاغل للفلسطينيين على مدار أشهر قليلة سابقة، حراك سريع وتدابير غير متوقفة على كل الأصعدة من اجل لحظة قد تأتي بخسارة ترامب لتغير مسار تاريخنا ولو مؤقتا.. كما اعتقدنا بسذاجة. لننتهي بسلسلة من التنازلات المقيتة بشعارات فارغة لا تخلو الا من انتصار المنتصرين لهزائمنا المستمرة باستمرار وجودهم. 

استوقفني تصريح لرئيس الوزراء بتفاخر قائلا: ” تذهب إدارات وحكومات ونحن نبقى صامدين فدائيين في طريقنا للانفكاك عن الاحتلال والتطوير بالعناقيد الزراعية ومشاريع الشباب.” 

أمّا الرئيس فيخرج من عزلته ويذهب رغم الكورونا برحلة مكّوكيّة الى الأردن ومصر وغيرها (ربما) ليلملم ما يمكن لملمته من بقاء الوضع السلطوي على ما هو عليه، خلاله يخرج أمامنا بتصريح رئيس مهتم خائف على شعبه من الكورونا. 

لماذا يبدو التهكم سمة كلامي لما يجب ان يكون إيجابيا؟ لأن التعامل مع الكورونا يدعو الى التهكم، فالوباء توطّن على ما يبدو، والتدابير المفروضة لا تشكل الا حالة من السخرية في ارجاء الشارع الفلسطيني، الذي لم يعد يأبه للوباء الا بخوف من انقطاع رزقه. فتحذير الرئيس من الكورونا بينما هو على سفر، لا ينسجم مع السياق العام. توقعت من خطاب رئاسي في ظل الازمات المتلاحقة والتغييرات الإقليمية ان يوضح لنا مثلا سبب إحلاله لإعلانه السابق في حِلّه من الاتفاقات مع إسرائيل. توقعت من الرئيس الذاهب الى الخارج ضمن رحلته ان يوضح لنا موقفه من التطبيع الحاصل. توقعت من الرئيس الرد على الإعلان الأمريكي الأخير بخصوص الضم ووسم الأراضي. ولكن كما العادة، تصدر قيادات السلطة تصريحات لا تمت بصلة لما تقوم به. فنحن نعرف من الاعلام الإسرائيلي والتسريبات عن حقيقة ما يدور. 

وعلى الصعيد الدبلوماسي، صمت مدوي الا من تعيينات وتنصيبات جديدة. 

ربما تكون السلطة قد نجحت بالفعل بكيّ الوعي الشعب على مدار العقود الأخيرة، وربما لسعنا الكيّ لدرجة لم تعد الحروق تظهر. فلا يمكنك كيّ ما هو مكويّ أكثر. 

وبين الرئيس ورئيس الوزراء هناك على ما يبدو الكثير مما يدور بالسر ليصرح بالعلن عكسه او يعلن ما لا يبطن، ويتمركز هذا في سباق الاسترئاس الحاصل من جهة. وعلى صعيد التنافس او ترشيح النفس للمناصب التي تركها صائب عريقات من الجهة الاخرى. 

فعلى ما يبدو بالسيناريوهات الحاصلة للحفاظ على الوضع القائم والخروج بأقل الخسائر بالنسبة للسلطة هو تحديد أبو مازن لنائب له في أي من المراكز التي يحكمها، ففي مركزية فتح هناك من يحاول ان يكون نائب رئيس المركزية، وفي منظمة التحرير هناك من يريد المنصب الذي تركه صائب عريقات لأمين السر الذي سيشكل حلا في معضلة تغيير السلطة إذا ما رحل أبو مازن فجأة. 

فترى من يكتب ناصحا للرئيس أبو مازن بإجراءات على من يرث ملف المفاوضات يجب اتباعها. وآخر يعرض نفسه كالمفاوض الأول الجديد فيصدر منشورات تنسيقية تفاوضية الطابع. وهناك من يبرر فعل التنسيق والمقاصة بتحليل بنود باريس وكأنها كانت تائهة من القيادة التي وقعت اتفاقيات ولم تقرأ ولا تفقه القوانين الا عندما يفسرها لنا المختصون بالقوانين والسياسات الدولية، ويخرجون امام الشعب دفاعا عن أفعال الحكومة بفتاوى معقدة لا يفهم الا أصحاب العقيدة العلمية الراسخة. 

لسان حال هؤلاء ابتذال  للخبرات المنقطعة النظير، وترجّي وتمنّي علّ الرئيس ومن يمونون عليه يلتفتوا لهم.

وطبعا، هناك الحرب الباردة والطاحنة بداخل أصحاب السلطة والمال من مرشحين تترجح ترشيحاتهم. 

فلم نعد نسمع عن الانتخابات الموعودة حتى بالذكر، ولم تعد تمر لا مرور الكرام ولا الاشحاء. نسمع عن احتمال إجراء انتخابات إسرائيلية جديدة، لنجدد انتصارنا بالبقاء امام خسارة يتم الدعاء لها وتكريس الجهود والموارد بخروج نتانياهو، لنعلق الآمال وتوقعات على حل يأتي من أحدهم (حتى ول كان من قريق الأعداء) وينهي لعنة نتانياهو وترامب… كما سابقيهم من معطِّلين ومقوِّدين لعملية السلام التي تريدها السلطة لنفسها على انفاسنا. 

أيامنا صارت ذكرى مرور لموت قائد وإعلان انتصار وتنكيس لهزيمة وتبرير لانكسار ومواجهة عقيمة لمؤامرات كونية علينا. وانتظار لأموال تُفرج عنها سلطات الاحتلال او ُتصرف بشنطة توزع على الناس بورقة المئة دولار.  ننتصر فقط امام شعارات لا يصدقها الا من له مصلحة مع قائلها. نرفع السلاح بوجه بعضنا ليسقط الأخ اخاه، ويقتل الجار جاره، ونكمم الافواه، ونشمت في كل سقوط لمن لا يعجبنا، ونلعن الاحتلال مع كل جريمة جديدة يذكرنا فيها بديمومته. 

والعالم ينفضّ من حولنا تدريجيا، فدبي أصبحت أقرب لتل ابيب، وبيتار القدس العنصري حامل شعار الموت للعرب صار اماراتي الرصيد، والرئيس يتجول من اجل استجداء لمؤتمر يرعاه أمراء الخليج، لعله يصد لعنة ٢٠٢٠ بتمديد لإبقاء الحال على ما هو عليه.. لأن بقاء الحال هو الحال المطلوب لأبدية الحفاظ على بقاء هذه السلطة. لا انتخابات نحلم بها ولا تغيير نأمل به. 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading