انهيار النظام المؤسساتي يتجلّى بكوارث عائلية متتالية

انتهت سنة ٢٠٢٠ بكل صعوباتها لتقدم ال ٢٠٢١ بامتحانات مفاجئة بلا تحضير. شأننا شأن طالب كسول مستهتر لم يستعد ابدا لامتحان تحضيري او مفاجئ. 

الكورونا حاضرة ولكنها ولكن لا حياة لمن تنادي. 

تبدو الكورونا بحجمها الحقيقي.. لا شيء امام اذية الانسان لنفسه ولأخيه الانسان. 

بدأت السنة بمصائب حقيقية، شاب  (بمشاركة خمس افراد اخرين) يقتل ثلاثة افراد من عائلته واصابة أربعة غير معلوم بعد مصيرهم.  ولحق بيوم خبر مفجع قتل فيه شاب امه. 

في الحالتين المصاب جلل . مصاب جلل بكل ما تحمل عبارة المصاب الجلل من معنى . وبكل اسف واسى أقول وأكرر ان ما حدث لن يتوقف لطالما القانون لا سيادة له، والمسيء آمن من العقاب، والمؤسسة الحكومية منهارة فاسدة.  فالفساد يطالنا بفلذات قلوبنا ولا يأمن الانسان جاره ولا الام ابنها. 

عوائل مكلومة يدمي سماعهم القلوب.

تابعت مجريات العطوة العشائرية التي عقدت اليوم في كفر عقب لعائلة الرجبي، وبلا شك لا يحتمل الوضع الحديث عن الخلل الحقيقي بفكرة تحكيم الامر الى العشائر، ولكن ما الذي يستطيع أي انسان عاقل يريد حقن الدماء في هكذا مصاب او بالأحرى كارثة ان يفعل؟ لو كان هناك نظام قانون سيادي عادل لما احتكم الناس في مصائبهم الى العشائر. ولن اخوض في الكثير مما قيل، لأنه لا يسع المرء الا محاولة درء الاحتقان للمشاعر باحتواء المصاب. 

المشهد يبدو وكأننا في مسلسل الهيبة او باب الحارة،  او بأحد المسلسلات التركية مثل الحفرة ورامو وصولا الى ارطغرل.

والد احد الشبان القتلى، الذي كان من المفترض ان يكون اليوم فرح ولده، ليقف باكيا منكسرا مظلوما.

دية دم واجلاء ودية مصاريف (على ما يبدو انها دية تم استحداثها اليوم بعرف العشائر) 

انتهت العطوة بإطلاق النار … ولكن القائمين على العطوة توقفوا وصرخوا بحزم بمنع وعدم إطلاق النار. 

اهل البيب والإسلام وتعاليم الدين وغيرها… كلام كبير وفنون خطابة والكثير من الرسائل المهمة ومحاولات حقيقية بلجم جماح الغضب والاحتقان. 

جموع كبيرة واغلاق شوارع بلا شك، كمامة واحدة بين الجموع يرتديها أحد المتحدثين تجلس عند ذقنه.

اتفكر بما جرى وأفكر، انه بالمحصلة استطاعت العشائرية بعرفها وقوانينها ان تدرأ وتحقن الدم وتمتص الغضب ربما. او نتمنى. لأنه ما جرى لن مع هذه العائلة اليوم ليس ببعيد على ان يجري مع عائلة أخرى. وقد يكون ما جرى مهم بالدعوة الى نبذ السلاح والدعوة للتخلص من السلاح غير الشرعي والعشوائي. 

بصراحة لا اعرف ما هو السلاح غير الشرعي او العشوائي. من يحمل السلاح في هذا البلد ومن يبيعه؟ 

حمل أحد المتحدثين وزير الداخلية رئيس الوزراء المسؤولية بما حدث وما يحدق وهو بدون أي شك محق. 

المشكلة تفاقمت منذ اعلان رئيس الوزراء وزير الداخلية اعلان الطوارئ وإعطاء زمام الأمور الأمنية للتنظيم في مناطق ككفر عقب وغيرها. 

ولكن المشكلة كذلك في البيوت، في التربية التي تقول للابن الذكر ان يرجع الى البيت ضاربا وويله ان رجع مضروبا. 

في حوار أحد المكلومين عما جرى وعن تحذيرهم لاب الشاب القاتل عن أفعال ابنه، كان الاب مشجعا داعما له. ان تكون هدية عيد ميلاد شاب قطعة سلاح بمئة ألف شيكل وسيارة يفحط بها بنصف مليون شيكل، سواء كانت العبارة تعبيرية ام حقيقية فهي تعكس حجم المشكلة. اوصلنا هذا المجتمع لمكان صارت قيمة الانسان فيه بقيمة الأموال التي يجنيها لا يهم كيف. والحقيقة كذلك، انني اتوه دوما بفهم من اين تأتي هذه الأموال، من اين للناس ثمن قطع أسلحة بعشرات الالاف من الشواكل وسيارات بمئات الالاف ومن اين تأتي هذه التجارة التي تدر الملايين؟ 

الا يسأل الاب ابنه؟ الا تسأل الزوجة زوجها؟ 

ولكن كيف يسأل أحدهم والمال هو قدر قيمة الناس في هذه الأيام. 

لم اعرف ان كان الامر قد استدعى أي تعاطف مع الجهة القاتلة من العائلة عن دفع تلك المبالغ من اجل الدية ومستحقات العطوة، وفي لحظة عندما حاول من يلبس فراش عطوة الجهة القاتلة بتخفيض المبلغ تكلم عن صعوبة وضع الرجل والد القاتل، فعندها فكرت، هل هو نفس الرجل الذي وقف بظهر ابنه وحمله السلاح ودعمه بالاستقواء على الناس؟ 

هذه نتيجة بديهية لقلة التربية وانعدامها. 

الجريمة الأخرى التي راحت بها ام على يد ابنها، تؤكد اننا فقدنا السيطرة على بيوتنا كما لا سيطرة لنا على ما يجري بالخارج ولا علاقة لنا بما يفسده النظام بحياتنا. فهذه الام – إذا ما صحت الروايات ان الشاب كان مصابا بمرض عصبي نتيجة تعرضه لإدمان ما- أفقده عقله، ورفضت الام ان تودعه بمصح وآثرت وحملت على عاتقها ان تعالجه ـ فنحن امام قصة تعيد تكرار نفسها، بالعادة لم نشهد بها هذا التردي والانحدار – فلا أصعب او أبشع من قتل الابن لامه. ولكنها جريمة نشارك فيها نحن الاهل بتصويب أخطائنا التربوية بالطبطبة والدعم بالحق والباطل. فلربما، ارادت هذه الام ان تعالج ابنها من ادمانه بتزويجه، او ظنت انها تستطيع توفير له العلاج بنفسها ولكن جاء قدرها قبل ان يأتي القدر على انسانة أخرى. نحن ضحايا تربيتنا وها نحن نصل لان نكون ضحايا من ربيناهم كذلك. 

مرعب ما يجري ليس بسبب فظاعته فقط، ولكنه باقترابه منا أكثر في كل يوم. لم تعد هذه الجرائم بعيدة تخص طبقة بعينها بالمجتمع، ولم يعد بالإمكان تشخيص المشكلة، فكلنا نعاني من نفس الاعراض. 

إذا ما سلمت التربية بالمنزل من مخاطر قلتها او انعدامها، فإننا لا نسلم مما يحدث عندما نفتح باب البيت ونضع رجلنا بالخارج. 

لم نعد نعرف ان كان بالإمكان ان نسلم من الصداقات الخطيرة والفاسدة، ولم نعد نعرف ان كان بالإمكان ان نسلم من رصاصة طائشة بطوشة لا علاقة لنا بها، او غاضب لم يغسل وجهه صباحا قرر ان اليوم يوم غضبه. 

لم نعد امنين. 

كان قبل وقت كقليل، أكبر همنا كأهل، ان يمر ابننا من حاجز ويتعرض لإهانة جندي فيستفزه…. كم تبدو هذه الهموم لا شيء امام الخطر المحدق بنا بينما فوهات بنادق الجنود لا تزال موجهة نحو أبنائنا ولكن الخطر المحدق بنا وبهم أقرب الينا من نيران الاحتلال. 

كم مؤسف ان نصير شهداء لأن قاتلنا هو ابننا او ابن عمنا او اخينا او زوجنا او ابينا او اخينا او جارنا.

فلا تربية ممكن ان تحمينا ولا تعليم يمكن الاعتماد عليه واحتلال متربص بنا وفوضى من كل الاتجاهات. 

نعول مهما عجزنا على التربية لأنها بالمحصلة تبقى أضعف الايمان

ولكن مرة أخرى، التربية لا يمكن ان تقوم بمعزل عن النظام، والنظام الحاكم والمتحكم بنا نظام فاسد، لا يمكن ان تصلح به التربية ما دام الفساد يخر في رأسه. 

نظام من امن العقاب ساء الادب

طريقة حياتنا من رأس الهرم بها حتى أطفالنا مبنية وبكل اسف على مبدأ من امن العقاب ساء الأدب. 

اترك رد