بين شعار “لا تزر وازرة وزر أخرى” وبين شعار “وان حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”: متى يعود الطفل الى حضن امه؟

بين شعار أفرجوا عن منال وبين شعار أنصفوا مريم: متى يعود الطفل الى حضن امه؟ 

منذ أشهر وتتصدر قضية الأم العراقية ألمانية الجنسية مريم العزاوي الرأي العام الفلسطيني. 

يبدو الامر غريبا، ان تغلق جميع سبل حل قضية ببساطة قضية كهذه.

 بدء تطلقت مريم من زوجها الفلسطيني الذي تعرفت عليه بألمانيا وانجبت منه طفلهما. خرج الاب بابنه من المانيا الى فلسطين وجاءت مريم بعد أشهر الى فلسطين عندما تأكدت من ان طليقها لن يعيد لها الطفل. 

قصة تحصل ربما يوميا في كل انحاء العالم وفي كل المجتمعات. علاقات الطلاق التي يذهب ضحيتها الأطفال. ردود فعل أحد الأطراف التي تنتهي الى حرب شعواء يكون الطفل ضحيتها الأولى والأخيرة. لأنه مهما طالت هذه القضايا، يذهب بنهاية اليوم كل الى حياته سواء الرجل او المرأة. يلجأ كل منهما بالمحصلة الى زوجة \زوج او ام او صديق يداوي جروحه ويهدئ غضبه، ويبقى طفل مع جروح تتزايد وتتحول الى قروح تنتهي بألم لا يتوقف. يعيش الطفل بخدوش وتشويهات واصابات لا تترك قلبه ولا عقله وتطارده اوجاعها في كل لحظة قادمة من حياته. 

قضية مريم العزاوي الذي بت فيها القضاء الفلسطيني لمصلحة الام – مريم- بحضانة ابنها الطفل- جميل- ابن الأربع سنوات، وكان القضاء الألماني من قبل قد حسم القضية لصالح الام، والحقيقة ان قانون الطبيعة يعطي الام بديهيا حقها في حضانة طفلها، انعدمت سبل حلها في خراب سيادة القانون الفلسطيني وتحكم النظام العشائري الذي أعلن عجزه في هذه القضية. 

وما من شك، ان عدم مقدرة سيادة القانون من احضار طفل لحضن امه في مدينة محددة يملأها الامن والشرطة واشكال السيادة المختلفة، يدق ناقوس الفلتان بأبشع صوره. عندما تفشل منظومة امنية متعددة الابعاد والتشعبات والاتصالات برصد شخص وطفل عادي، بينما تستطيع هذه المنظومة الوصول والقبض على شخص تعرض بمنشور للسلطة.

من نفس المدينة – الخليل- رأينا اعتقالات الناشطين بأكثر صوره قمعية، وفي نفس المدينة تعجز السلطات مجتمعة على إيجاد شاب مختبئ بطفل.

وكعادة السلطة، او ربما تعودنا الا نستغرب بعلاج الخطأ بالخطأ. فلم يكن بالمستغرب ان تقوم أجهزة السلطة باعتقال والدة الشاب – منال- الفار بابنه. 

الحقيقة، لا اعرف ان كان الرجل فارا ام لا. ويبدو بعيدا عن أي حكمة موقف الشاب الذي وجد نفسه الان فارا مطلوبا للعدالة بتهمة خطف طفله، او إذا ما كان بالفعل خارج البلد على حسب ادعائه (ادعاء الشاب في الرد على فيديو زوجته السابقة قبل عدة أيام انه متواجد حاليا بألمانيا مع طفله). ولكن الاغرب هو اعتقال والدة هذا الشاب – منال- حتى ظهور الشاب. 

للوهلة الأولى، على الرغم من الاستهجان الحقيقي لهكذا فعل، يبدو الامر ممكنا. بالنهاية عجزت كل السبل التي حاولت السلطة وام الطفل والجهات قاطبة عن إيجاد الشاب والطفل. وقد يكون هناك ما يسمح للقانون بحجز ام الشاب لكونها طرفا بالنزاع القائم على حضانة الطفل، حيث انها طالبت بحضانة الطفل اثناء وجود امه بألمانيا، الا انها ليست طرفا بالأمر وبحكم المحكمة الآن بعد ان استردت الام – مريم- حضانة طفلها. أي ان صاحب العلاقة المباشرة في هذه القضية هو الزوج السابق لمريم. 

وبلحظة محاولتنا الخروج من دائرة القانون وتفعيله الشرعي، الذي يبدو انه من المستحيل الخروج منه في هذه القضية، تتداخل كل الأمور ببعضها، لنجد أنفسنا امام قضية عائلية تتشعب بها كل المشاكل وتمتد بكافة مشارب السلطة من تأثيرات، بالاتجاهين: ذلك الداعم للام والطفل وذلك الداعم للشاب المختفي مع الطفل. فيهرب المنطق وتغيب الحقيقة وتطفو سمة أخرى الى جانب الغلبة العشائرية بالأمر، الى غلبة العواطف والنخوة والشرف والعزة وعكسها. 

أتساءل مند اعتقال ام الشاب -السيدة منال- عن كيفية تعاطييّ الخاص بهذا الامر. فمن ناحية، لا أجد لحظة ولو عابرة في منطق الحكمة لدي، او العقل او التعاطف لا أقف بها بحزم مع الام الشابة – مريم- التي تتوسل العالم منذ ستة أشهر من اجل رؤيتها لابنها مجددا. 

في ظل التجاذبات والاستقطابات التي يبدو انها قوية بداخل القضية للعائلة الموسعة، لم تعد مريم – الام الشابة- هي الضحية الوحيدة لهذه القضية. فصارت منال- ام الشاب الهارب بابنه ضحية هذه المسألة كذلك. 

ببعض “المنطقة” للعقلية الخليلية، كنت أفكر جازمة ان اعتقال السيدة منال ام الشاب، سيفضي وبسرعة لا تحتمل التأخير ظهور الشاب وتسليم نفسه. 

فكما لا يقبل العقل التقليدي المحافظ الذي تملأه النخوة والعزة أي تنازل عن السطوة الذكورية، فلا يمكن لهذا العقل ان يقبل ان تخدش الام ولو للحظات ببهدلة الاعتقالات. 

بالنهاية، السجن ليس بالأمر العادي، ويؤثر سلبا على سمعة الناس ومركزها الاجتماعي حتى ولو كان لقضية معالمها قصة حضانة طفل. كنت شبه اكيده ان الشاب لن يتحمل ان يتم اعتقال امه. وهنا تبدو المعادلة إشكالية واخلاقية، ايهم أكبر خسارة بالنسبة للشاب: طفله الذي سيسلمه لامه؟ ام امه التي زجت بالسجن؟ وفي الحالتين هو الذي يتحمل مغبة الامرين. ان أصاب ابنه ضرر فهو المسؤول، وان أصاب امه مكروه فهو المسؤول. وان كانت هذه السيدة كما يتم تداوله من قبل عائلتها تعاني من مشاكل صحية، فكيف يحتمل ابنها ان يعرض امه لهذه المخاطر؟ 

نهاية هذه القصة محسومة لمصلحة مريم – ام الطفل الذي يعتبر مختفيا مع والده لأكثر من شهر. فبالنهاية لا يمكن له ان يستمر بالاختباء، ولا يستطيع ان يخفي الطفل الى ما لا نهاية. إذا لم يظهر اليوم فسيكون ذلك غدا، او بعد شهر او سنة. في كل الأحوال يحتاج ان يتحرك وان يعيش وان يرسل الطفل ربما الى المدرسة. وإذا ما خرج التدخل عن نطاق السلطة – واستلمت السلطات الألمانية القضية بالكامل وتدخلت السلطات الإسرائيلية على حسب اتفاقية لاهاي، إذا ما تأكد زعم ان الشاب لم يعد موجودا بالخليل. (يعني بالمحصلة عجيب ان لا تتمكن الأجهزة الأمنية برصده او اعتقاله حتى اللحظة- الا إذا كان بالفعل قد خرج منها) وعندها ستكون مسألة وقت حتى يتم اعتقاله.

مهما حاولنا التجرد بهذه القضية الى مسائلها القانونية المختلفة، تبقى كارثة عدم سيادة القانون وبالتالي تجاوزاته هي الأكبر. ولا اعرف كم يمكننا الحديث عن القانون في وقت لا يمكن تطبيقه. فمن ناحية، اعتقال ام الشاب- جدة الطفل- منال من السهل عدم تفنيده، ولكن اين تفنيد القانون عند عدم تنفيذه. 

مطالبة عائلة منال- ام الشاب – تبدو شرعية، فاذا نظرنا الى الامر بمعزل عن قضية الطفل واختفائه ووالده منذ أكثر من شهر، يضحك علينا كل من يرى المشهد من بعيد. ولكن، تبدو محاولة تنفيذ سيادة القانون بكل الوسائل مباحة في ظل قانون تغيب عنه السيادة بمبدئيتها الأولى. 

لماذا يجب ان تأخذ قضية بهذه البساطة كل هذه التعقيدات؟ 

أتساءل بيني وبين نفسي إذا ما كانت ام الشاب- منال – بالفعل هي من يقف وراء هروب ابنها والطفل. اشعر وكأنني امام مسلسل تركي تتحكم به مؤامرات النساء. وتبدو مناشدات عائلتها، والتي تظهر بمعزل عن عائلة الشاب المختفي وطفله، وكأن لا علاقة للموضوع بالآخر. وكأن الامر دخل في قضية مختلفة تماما. 

وهنا، لم اعد أستطيع التمييز، إذا ما كان حجز ام الشاب- منال- مجدي، بالإضافة الى إشكالية قانونيته، وابنها لا يبدو انه سيسلم نفسه للسلطات مع طفله. 

مثلا، هل سيتم اعتقال والد الشاب كذلك؟ واخوانه واخواته؟ بدون أدنى الشك، يمكن التماس التحريض كحجة مهمة هنا، ولكن تبقى المسألة الأساسية هي الطفل المحروم من امه حتى هذه اللحظات. ما الذي سيحدث لمن يختبئ الشاب لديهم إذا ما تم القاء القبض عليه؟ بالمحصلة فإن الشاب وابنه الطفل لا يمكن ان يعيشا بهروب في طقس مثل هذا وأوضاع صعبة كالتي تمر بنا. 

من ناحية، قد يكون تخوف الشاب وعائلته من عدم ضمان خروج الام بطفلها في حالة استلامها للطفل من البلد كلها مشروعة، ولكن، لا يمكن لهم ان يستنجدوا بالقانون وان يطلبوا الضمانات بينما لا يكترث هو للقانون.

بنهاية المطاف، لجوء مريم- الام الشابة للقضاء الفلسطيني وللرئيس الفلسطيني وللشعب الفلسطيني في محنتها هذه هو أكبر ضمان لهم على التزامها بما ستقرره المحكمة والوساطة الموجودة بهذا الصدد. فبنهاية الامر، يتدخل في هذه القضية اعلى هرمية القضاء الشرعي والسلطة التنفيذية المتمثلة بالرئيس ورئيس الوزراء. ولا اشك ان القانون عندما يعطي الام حق الحضانة يستثني او يحجب الاب من حقه. ومع يقيني بتعقيدات الامر، حيث انه من المعلوم جيدا ان الام مقيمة بألمانيا، والطفل ولد في المانيا، فهناك بالتأكيد ضمانات سيتم الاتفاق عليها بطريقة مرضية لجميع الأطراف. اما القرار المسبق ان الضمانات لن تؤخذ وان القانون لن يتنفذ هو المشكلة، ولكن بطبيعة الحال، افهم عدم تأكد الاب الشاب وعائلته من هذه الضمانات لأنه استطاع ان يضرب القانون بعرض الحائط على مدار أشهر، وشغل الرأي العام والرئيس ورئيس الوزراء وقاضي القضاة والسفارة الألمانية ووزارة الخارجية. فموقفه وضع الجميع في مأزق أكبر. 

بينما اشعر بالحزن على وجود سيدة كبيرة بالعمر قيد الاعتقال بلا احقية قانونية واضحة وصالحة، اشعر بالحزن على الام الشابة التي جاءت من اجل احتضان ابنها ووجدت نفسها تصارع بالمحاكم من قضية الى أخرى، تكسب ربما عداء اشخاص لا أصل للخصومة معهم، ولا يزال الطفل جوهر هذه القضية مختفيا هو ووالده لا يستطيع أحد اقتفاء أثره. 

اسأل نفسي مرة أخرى، قد تحتمل منال- ام الشاب- وزر ابنها، فتخاف على كسر قلبه إذا ما ترك ابنه، مع العلم ان الشاب لا يزال في مقتبل العمر، ولقد قرر المضي قدما في حياته وخطب من شابة أخرى، تنتظره حياة كاملة بلا أسى، سيكبر بالنهاية ابنه ويحمل اسمه دائما وفي أسوأ الأحوال سيعرف مكان وجوده ويكون مطمئنا عليه. 

على عكس الام التي كما نرى نذرت حياتها لطفلها، فما تحملته هذه الام الشابة منذ ستة شهور متواصلة سبقها شهور كثيرة في حروب قضائية واجرائية بألمانيا يؤكد انها لا يمكن ان تساوم على ابنها. 

وقد يكون الاب في نفس الموقع من عدم المساومة، ولكن هنا يكمن الفرق، لا يمكنه ان يتجاوز القضاء والشرع والقانون الكوني الذي يقر بمبدئية حضانة الام لطفلها في هذا العمر المبكر تحديدا. 

في هذه الحروب هناك من يعلن خسارته، وهناك من يلملم الخراب الذي الحقته هذه المعارك. لا منتصر في معارك حضانة طفل. 

هناك طفل يجب ان يكون محور تركيز كل الأطراف، عائلة الاب والام. من يتسترون على إخفاء الطفل ويرضون بابتعاده المجحف عن امه. 

 مؤسف جدا ما يجري… 

مؤسف على الطفل الذي يفتح في وجدانه جرح كل يوم في حرمانه من امه.

مؤسف على الام التي يذبل شبابها في كل لحظة بينما يغيب عنها شمس حياتها. 

مؤسف على ام الشاب التي زجت بالسجن لان ابنها هارب مختفي بابنه.

مؤسف ان تهدر حياة شاب لا زال في ريعان شبابه منعا لأم من ان تحضن طفلها. 

مؤسف ان لا يكون في هذا البلد من يستطيع بالفعل اصلاح ذات البين… 

مؤسف ان يكون كل ما يجري في مدينة كالخليل… تذود فيها الحقوق عندما يتعلق الامر بامرأة غريبة البلاد لجأت إليهم. 

أعجب كيف انهار في هذه القضية جبروت نظام العشائر المستحكم بنفس انهيار سيادة القانون.  

اترك رد