تخطى إلى المحتوى

الانتخابات الفلسطينية: حلم التغيير أمام حلم الترشّح

أحاول استجماع عدد المرات التي كتبت فيها عن ضرورة الانتخابات. كمّ النداءات والاستجداءات والتوسلات الى رئيس السلطة بضرورة اجراء الانتخابات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حالة التردي الذي نعيشه كفلسطينيين. كمّ المرات التي تحسرنا فيها على غياب الانتخابات امام تكرار الانتخابات في الجانب المقابل للاحتلال الإسرائيلي.

واليوم بينما جاء المرسوم الرئاسي بتحديد موعد انتخابات تشريعية يليها انتخابات رئاسية ثم انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، نقف جميعا امام الامر بين مصدقين ومشككين بحقيقة اجراء الانتخابات فعليا. ومتأكدين مع مرور كل يوم، ان قرار الانتخابات حق يراد فيه باطل. فجدوى الانتخابات وضرورتها ليس انقاذ ما يمكن إنقاذه من الدمار الذي طال المجتمع الفلسطيني وعاث في نسيجه خرابا وتآكل، ولكن من اجل إضفاء شرعية لأرباب السلطة المسيطرين على الضفة الغربية وغزة.

فلا يختلف اثنين على دعوات الفلسطينيين منذ الانقسام بضرورة المصالحة. كما لا يختلف اثنين على ضرورة الانتخابات. ولكن ان تحل مشاكل الانقسام الذي قصم الشعب الفلسطيني الى أشلاء من اجل مصالح يتم فيها اقتسام الوطن بين الفرقاء فهذا ان دل على امر، يدل على كم نحن وعلى مدار هذه العقود نأمن من لا يؤتمن علينا.

هذه الاستباحة الفجة لنا كشعب هي الأسوأ في لعبة الانتخابات التي ترتكز في فكرتها على كونها مؤامرة ضد الشعب من قبل المؤتمرين عليه. وكأنها لا يرون الا أنفسهم وقواهم ومراكزهم. وكأن هذا الوطن شركة يتقاسمون فيها المناصب ليتقاسمو الأرباح. وكأن الوطن عزبة اقطاعية يهرم شيخها ويتسابق نظرائها على السيطرة على أكبر عدد من الدونمات قبل ان يحين الاجل، يتدخل الباب العالي ويسترجع العزبة بترتيب جديد.

وهناك من “الفلاحين” بتلك المزارع التي يسيطر عليها النظراء من يظن ان فرصته قد حانت ليصير هو الناظر إذا ما صار ناظره رئيسا للعزبة.
فانقسمنا للعديد من المجموعات والحراكات والقوائم التي تشكل نفسها وتتشكل قوائمها من اجل المنافسة على المواقع والمناصب المحتملة القادمة.

فمن جهة، هناك أصحاب السلطة الذين يريدون للانتخابات تفويض لشرعيته، فيظنون ان تقاسمهم من خلال تحالفهم بالانتخابات سيجعلهم يعيدوا تشكيل أنفسهم بسيطرة كل منهم بمنطقته كالسابق، وبهذا يشكلوا اغلبية لا تترك مجالا كبيرا للأعداء الجدد المتمثلة بتيار رئيسي يهددهم، بقناعة اكيدة ان كل القوائم الأخرى ستتشتت ولن تأخذ نسبة الحسم أصلا، مع تحالفات على مقعد او مقعدين او عشرة ربما لما يتبقى يمنّون فيها على من سيسمحون لهم بالتحالف معهم من “تحت الطاولة” او ورائها.

ما نراه يوميا من قوائم لمرشحين محتملين يؤكد ان ما خلقته السلطة من دمار جعلنا كمشهد في رواية البؤساء، عندما ينتهز اللصوص موت المقاومين والمساكين لسرقة ما تبقى على جثثهم. وكأن هناك فرصة تاريخية لكل من ينتظر دوره في طابور الاستوزار والاسترئاس والاستشراع. فهذه وظائف واستحقاقات تبقى مع صاحبها وعائلته والمقربين منه مدى الحياة.

فهي فرصة لمعاش ثابت، وسيارة ومرافق وامتيازات وبعثات وسفرات وفرص يعرفها هم أكثر من تلك التي نسمع عنها ونراها في تسريب لوثيقة ترينا حجم الفساد والانهيار في كل مرة.

ولكن، هناك فرصة تخرج من وسط هذا الانهيار الجارف، نستطيع الإمساك بها، لم تكن مواتية قبل لحظة الإعلان عن الانتخابات، الا انها كانت ضرورية منذ وقت طويل. وهي فرصة حقيقية لتكتل يحاول جمع ما يمكننا إصلاحه وسط الركام.

هناك فرصة يجب الا نضيعها بتجميع من يرد الخير لهذا الوطن بلا اجندات شخصية ومصالحية. هناك فرصة لتجميع المختلفين عن هؤلاء. هناك فرصة لمن يريد الاسهام في إعادة بناء النسيج الفلسطيني ليشكل الهوية التي تمثلنا، هوية فلسطينية جامعة، يجمعها الحرص على ما تبقى منا وتريد إنقاذه من اجل من سيكون منا مستقبلا.

هناك فرصة لأن تكون فلسطين “بلدنا نحن”، “لا بلدهم هم”.
هناك فرصة لنقول عاليا اننا ” نريد وطنا أكثر” ولكن بلا مساومة على قوتنا وحقوقنا وحريتنا وانسنايتنا.
هناك فرصة لنكسر حالة الاغتراب التي نعيشها، ونلم شملنا بلا فئوية او حزبية او نخبوية.
هناك فرصة ان يتجمع من يحرص على فلسطين في جبهة شاملة جامعة يصطف فيها في جبهة واحدة كل من يريد الخير لفلسطين.
هناك فرصة لتكون فلسطين هي ما سعى اليه ادوارد سعيد وحيدر عبد الشافي وعبد الستار قاسم وسدّت امامهم الطرقات ولم تأت ابدا في وقتهم هذه الفرصة.

فرصة ان نشكل من الحريصين والمؤمنين بحق بأننا نستحق ان نعيش أفضل. ان يكون لأبنائنا بهذا الوطن مكانا لهم. ان نعيد لفلسطين قيمتها بأهلها، بنسيجها المتماسك الذي طالما كانت مكوناتها الإصرار وحب الحياة والايمان بعدالة قضيته والعمل من اجلها.
هناك فرصة امامنا لنكون نحن التغيير.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading