لا تزال الفضائح السيادية تتزاحم امامنا. وما من امل بإصلاح خلل او انصاف مظلوم او محاسبة فاسد او قاتل، لأن باب القضاء مخلوع، والساحة اليه متروكة كالمشاع الذي يتقاسمه أصحابه وفق مصالحهم ومن ثم يتناحروا فيما بينهم على امل ترك أحدهم فراغا في موت او مصيبة فيشغلها احدهم في اقتتال مستمر على الاستحواذ الأكبر له ولحلفائه من ذوي القربى. وكأن هذه الساحة لا علاقة للقضاء بها ولا شأن لما يشغله المكان بما يريده منه ورثته.
يبدو ان كل ما نقوله وندعو له فراغ في فراغ. مجرد صدى أصوات تتهاوى بنفسها الى عدم محتم. كيف لنا ان نأمل خير من أي شيء؟ كيف لنا ان نأمن حياتنا واحبتنا او مصالحنا او ارزاقنا ونحن نعيش في مكان القاتل ينجو بفعلته، والسجل الانتخابي يتم تزويره قبل حتى ان نبدأ بعملية الانتخابات؟
وهنا لا نتكلم عن أي خرق للسيادة واي استهتار واستخفاف بالشعب. فنحن نتكلم عن قضية رأي عام استمرت لشهور عديدة بلا توقف حتى التحقق من نيل القتلة عقابهم امام القانون. وقضية انتخابات تكرم الرئيس علينا بها بعد انتظار اكثر من ١٥ سنة، يراد منها تقاسم الوطن في ما تبقى به من مناطق سلطة بين من قصموا الوطن والمواطن.
بالحالتين نتكلم عن قضيتين كان بالأولى وجه للحقيقة جليّ، وشهدنا التواطؤ والتحايل والفساد في كل اشكاله، وكان ابسط ما يمكن ان يقدم محاكمة عادلة بشأن قتلة الشابة اسراء غريب. لنصفع نحو حائط الإحباط واليأس من جديد، بقرار إطلاق سراح القتلة ومحاكمتهم طلقاء!
وبالثانية، مؤشر لما هو قادم. فلم ينتظر هؤلاء للحظة الانتخابات نفسها فيشككوننا بنزاهة العملية الانتخابية، ولكنهم يريدون الاستئثار بحتمية فرصهم، حتى قبل ان تبدأ مرحلة التفكير بحسم الانتخابات لمصالحهم.
بالمحصلة هم يستطيعون فعل كل ما يحلو لهم. أولئك الذين يستطيعون النجاة بجرائمهم التي يتوجونها بقتل. وأولئك الذين يعملون من اجلهم بالتأكد انهم سيأمنون من أي عقاب.
منظومة سيادة بقضاء كهذا تفتح الأبواب على مصراعيها لكل من يستطيع ان يخترق القانون لأنه بكل بساطة يستطيع ذلك.
جرائم ترتكب ومجرمون طلقاء. قضية نيفين عواودة وقضية اسراء غريب ليستا الا غيض من فيض. قضية الام العراقية مريم التي لا يزال ابنها مختفيا بالرغم من حكم القضاء وإصدار التعليمات بالقبض على الوالد الهارب. عشرات الجرائم التي يجول مرتكبيها طلقاء وعشرات الجرائم بانتظار الارتكاب.
وبين جريمة قتل ينجو بفعلته منها قاتل، وبين انتخابات تشريعية يتناحر الشعب والحكومة وكل متنفذ ومستطيع على ضمان مقعد له في مجلسها، يبقى القضاء أساس العلة في وضع مجتمعي يستطيع كل صاحب قوة ان يرتكب ما يحلو له من انتهاكات وفساد وجرائم، كان هذا القوي رئيسا ام وزيرا او مديرا او متنفذا في حزب او ابن متنفذ او قريب متنفذ. وهؤلاء كلهم يرون في انفسهم أصحاب الولاية على المواطن بعد ان انهكوا الوطن وفرغوه من خيره وارضه وحولوه مشاريع استثمارية لهم للمقربين منهم، وها هو المواطن الباقي امامهم لانتهاكه كما يحلو لهم. سواء بفرض سطوة لانتخابات يريدون الظفر بها ليبقوا على شرعيتهم امام العالم المتفرج على انهيارنا المدوي، او بالاستحواذ على كل ما يريدونه ويحلوا لهم ويجدونه مناسبا لهم على طريقتهم وشريعتهم لأنهم أصحاب السيادة والقضاء مفصل لكي يرتكبوا جرائمهم وينجوا بها.
والمواطن ينفذ عليه القضاء ويحاسب ويجرم في كل مرة تعرض ولو من بعيد لسيادة هذا النظام الفاسد.
نظام فاسد ينتج افرادا فاسدين.
هذا هو واقعنا اليوم.
ليس بالأمر الهجين او الغريب ان ينجو قتلة اسراء، كما نجا غيرهم، فهذا القضاء يغلف سقوطه شعب صرخ ضد قوانين حماية العائلة والمرأة. شعب انتفض من اجل جريمة قتل امرأة ثار ضد فكرة ان يكون للمرأة حق تمسك فيه.
وليس بالغريب ان تزيف او تخترق حواسيب سجل لجنة الانتخابات، والشعب يتزاحم في قوائم انتخابية ليستحوذ على مقعد التغيير فيه هو استبدال شخص لا تغيير منظومة يغيب فيها القضاء ونتحول من خلاله الى قطعان من الافراد المتناحرين امام القطيع من اجل الحفاظ على مصالحهم والاستحواذ على ما يمكن ان يكون منفعة قادمة.
كيف لا ولقد عشنا ولا نزال شعار الاحقية باسم النضال.
شعب يحكمه مناضلون سابقون لهم الحق باستحقاق ما يمكن ان يفرزه هذا الوطن من أي شيء.
شعب لا مكان له الا إذا انصاع لزمرة “مناضل” او تبع زمرة “مناضل” او تمركز في زمرة “مناضل”.
وشعب يحتكم الى القضاء ويعرف ان بابه مخلوع وسقفه على شفى سقوط…. ومع هذا يستجدي العدالة ويصر على الاحتكام اليها… ولكن…العدالة بيد سلطان جائر وحاشية فاسدة.