سياسة رأس المال والحاكم في فلسطين: محاكمة بلفور وحسم الترشح لفريق الحزب المسيطر
قرار الانتخابات بمرسوم رئاسي وقرار إبطال وعد بلفور بمحكمة نابلس يشكلان بالضبط ما نعنيه عندما نقول انّ هؤلاء يؤمنون ويعتقدون أنّ الشعب ليس أكثر من حفنة رعاع سيؤيّدون بلا تردّد ويصدّقون ما يُدلونَه علينا من أقاويل وقرارات ووعود تنتهي إذا لم نلتزم بها أو إن لم تتمخض عن مخطّطاتهم كما هو مخطَّطٌ لها بتطويع المواطن وتركيعه والهائه.
كم تبدو الأمور متشابهة، بلا متشابكة بين ما نشهده من تصرفات السيادة السياسية ممثلة بالرئيس الفلسطيني وحاشيته، وبين ما يمثله رأس المال ممثلا بالمشهد الأقرب بوصفه الى “المسخرة” الحقيقية بالمحكمة التي أجريت بنابلس بعد ان رفع المليونير الفلسطيني منيب المصري فيها قضية على الحكومة البريطانية بإبطال وعد بلفور.
يتذكّر الكثيرون ربما مسرحية شاهد ما شافش حاجة ومشهد المحكمة، هذا ما حصل تقريبا بالنسخة الجديدة من مسرحية مدعي عليه لم يحضر المحكمة لان المحكمة ليست صاحب اختصاص والمدعي عليه لا يعرف أصلا عن الدعوى والمدعي مقتدر هاو يرى الناس من خلال قصره اعلى قمة الجبل مجرد قطعان في مزرعته الواسعة. ينزل الى المدينة ليشهد الناس على قدره من خلال القصر البعيد في الأعلى.
منيب المصري الذي ربما يقدم الكثير بمشاريعه واستثماراته، وقد تخدم استثماراته بالفعل الكثيرين، ولكن مع كل استثمار ينتفع منه العشرات يغتني هو أكثر وأكثر. وهذا حقه ولا شأن لنا به، ولكن ان يقرر منيب المصري تحرير فلسطين من خلال رفع قضية ضد الحكومة البريطانية من محكمة نابلس (مدينته) ويشغل بها موارد الحكومة ويضع الشعب كله موضع الغباء والحماقة، ليعيش هو بمشهد كوميدي اشبه مرة أخرى بأفلام عادل امام فهذا غير مقبول.
يكفينا ما تقوم به السلطات السيادية من استنزاف لطاقاتنا ومواردنا وحياتنا بكل شيء واخرها الانتخابات، التي تُعتبر حقاًّ يراد به باطل.
كل يوم نرى ونتأكد انّ ما أريدَ من إجراء الانتخابات ليس ما أراده الشعب. فما يُراد من الانتخابات تكريس شرعية النظام الذي لم تعد له أي شرعية واهترأ وتهاوى بالكامل بتوزيع السلطة بين افراد نفس النظام بنفس اليّة وضع اليد على الشعب من قبل المتناحرين من أصحاب السلطة، ليخرجوا امام العالم الذي لم يعد يصدّقهم ويقبلهم وأنهى شرعيتهم تقريباً ويقولوا ها هو الشعب اختارنا من جديد.
هم ظنّوا بإجرائهم هذا انّ العالم سيجدد اعترافه ، وستقدّم الامدادات لهم بلا عراقيل وبسهولة، وربما يبدون امام هذا العالم بوجوههم الجديدة في بعضها أكثر شرعية، فالشعب اختارهم مرة أخرى الى أجل غير معلوم. وربما ما خططوا له كان ممكنا، فالعالم لا يعنيه امرنا كثيرا، يفضلون شرعية قائمة على قبول الشعب لها، كما يقال ربما ” فخار يطبش بعضه” إذا ما نجحوا بخططهم. فبالمحصلة الشعب الذي يعيد اختيار هكذا سيادة يستحق ان يعيش بهكذا وضع. ولكنهم لم يحسنوا الظن والتخطيط بأصحاب بيتهم والشعب. فأصحاب البيت يريدون الاستحواذ أكثر ويريدون لبقائهم نفوذا ممتدا ولسلطتهم سيادة لا تنتهي. وما خلقوه من توابع وقطيع ينتظر ان يصبح افراده في معظمهم اسياد ورعيان. وها هي تتهاوى التخطيطات وتتحول الى أزمات يصاحبها مؤشرات خطيرة لانفجار واقتتال داخلي سيكون في أحسن محصلاته قرار تأجيل الانتخابات.
فلم تعد إمكانية التحكم بالنتائج يقينية مهما حاولوا السيطرة على الأغلبية المخطط لها بائتلاف مشترك مع الحزب العدو الابدي. فلقد اقتربنا على عقدين من الكره والضغينة والشيطنة من قبل كل حزب للحزب الاخر، فانقسم الوطن الى شطرين وانشطرت اجزاؤنا ولم نعد نعرف من نحن من أنفسنا وانتهت قضيتنا الى اطماعهم واستغوالهم وتحكمهم بما يشكل مصالحهم الخاصة.
والمليونير صاحب القصر العظيم والأموال والاستثمارات قرر ان يقدم نفسه بحلة المخلص الكبير، وقام بما يؤكد ان لا فرق بين رأس المال والساسة. كلاهما من نفس المدرسة التي اعتشت وتغذت وصارت على حساب المواطن.
فلو أراد المليونير الوطني تقديم فكرة كبيرة بتحدي وعد بلفور، لكان لهذه الفكرة صدى وتأثير قد يرتقي للحقيقي في بريطانيا نفسها او في محكمة دولية صاحبة اختصاص.
الا انه أراد ضمانات رجل الاعمال لاستثماره بفتح ملف تعيين محامي، أراد لقضيته ان تضمن النجاح وتأخذ الصدى اللازم، فجمع محكمة كاملة وضيع وقتها ووقتنا وجلب الاعلام بعرض ساخر وأحدث جلبة تافهة ان اكدت على شيء، فلقد اكدت ان وضعنا كشعب صعب وصعب للغاية.
فشخصيات كنا نراها مؤثرة ممن صدح بصوته ضد اعتداءات غزة، اصدعنا بسخرية سقوط بلفور بمحكمة نابلس، بأغنية ودحّيّة.
عرض وجلبة وشخصيات ومحكمة وشرطة وصحافة وكاميرات روت ظمأ المليونير للظهور وتقديم الإنجازات الفارغة بأقل التكاليف على الأرض وعرج الى قصره بانتظار مكالمة من المندوب السامي ربما، يخبره عن تأثر حكومة بريطانيا العظمى وخوفها وهلعها من قرار محكمة نابلس الأبيّة. فهذا قرار لا يسقط بلفور فقط، ولكنه قد يهدد أوروبا بأسرها، فلقد يخرج وطني حريص متفان اخر ويرفع قضية مماثلة على سايكس او بيكو.
وكأنّ اسقاطه الصوري والهزلي لوعد بلفور بمحكمة ليست ذات اختصاص امام جمهور “المطبّلين” من الشعب، يجعل هذا الشعب ينسى صفقات التجارة والاستثمار مع “إسرائيل” التي أنشئت بسبب وعد بلفور الذي رفع قضية ضده. وكأن رامي ليفي وقواد الجيش الإسرائيلي هيئة حفظ السلم وارجاع فلسطين لما كانت عليه.
مؤسف ام مسخرة ؟ لا اعرف بالحقيقة أي مصطلح أكثر تعبيرا بوصف الواقع.
مشهد المحكمة الهزلي بكل لحظاته، كفيلم هابط الإنتاج، ومشهد متخيل لما يجري في مراكز السيادة السلطوية وما يخرج الينا من تصريحات تلوح وتهدد ب “طخ” فلان ان لم يلتزم، وبتهديد بعدم السماح لفلان بالخروج عن الصف الفتحاوي المركزي.
فكما سقط وعد بلفور على يد محكمة نابلس ستبقى فتح أبية على أي انشقاق.