بين رام الله وتل ابيب كان لي زيارتين متتاليتين. وكانت الكورونا في الزيارتين مركز تأملاتي. في رام الله، بينما ينتشر الوباء كالنار في الهشيم، فنرى ونسمع يومياً عن وفيات نتيجة إصابات، وارتفاع آخذ بالتزايد بعدد الإصابات، وامكانيات حكومية هزلية ضعيفة هشة لا تعرف كيف تتصرف وليس لديها ابسط إمكانيات التعامل مع الإصابات. كوارث تحدث بالمشافي والمراكز الصحية، ونفوس تزهق بانتظار دورها بالطوارئ. ومع هذا، الحياة في رام الله بدت طبيعية جدا. وقفت في طابور انتظار لدفع رسوم ما وذهبت الى صراف، ودخلت الى محل لشراء غرض ما، وتلفتت الى الشوارع والزحام والناس، وكانت الكمامة أقرب الى ان تكون رمزية الحضور على الافواه وكثيرة جدا على قرعات الطريق.
رأيت كمامات على الأرض متناثرة مدعوسة منتهكة أكثر بكثير من تلك التي رأيتها تغطي الافواه والانوف.
بدا التزام البعض غريبا، وبدا تجولي بالكمامة أكثر غرابة. وحديث الشارع برعب عن الحاجة الى تطعيم وتقصير السلطة الفاسدة بهذا ووجوب توفير التطعيم، وأحاديث لا تتوقف عن التجاوزات فيما تم ” شحذته” من جرعات.
ووسط كل هذا يبقى الالتزام الشخصي من قبل الافراد وبعض المؤسسات بلا أي أهمية، لأنه في لحظة الخروج الى الشارع فأنت تستطيع رصد الكورونا متعششة في كل الاحتمالات.
في تل ابيب – يافا ، والشعب بأكمله قد تم تطعيمه، لم ار انسانا واحدا يمشي بلا كمامة. دخلت الى موعدي ولم تفارقنا الكمامة ولا المعقم ولا التباعد. تجولت بالشارع وعلى مقربة من الشاطئ والعالم بأكمله يرتدي الكمامة. دخلت الى محل لشراء حاجة ولم أستطع الجلوس ولا التواجد في المكان وسط أي اكتظاظ بلا تباعد واضح. التعليمات والالتزام بها لا يحتاج الى حتى التفكير به.
ولكني فكرت بنا، وبالتطعيمات التي صارت طوق نجاتنا من الغرق في عمق الفيروس الوبائي المنتشر، هل سينجينا التطعيم من الوباء بدون التزامنا بمعايير مبدئية للوقاية؟
لو كنا شعوبا تتعظ من اخطائها واخطاء المحيطين بها لكان هذا الوباء فرصتنا بالنجاة من مصائب وجودنا. فكنا اول من تنبه لخطورة الوضع وأعلننا حالة الطوارئ والتزمنا بالبيوت. طهرنا أيدينا وعقمنا ملابسنا ولبسنا الكمامة الى حين. وتدهورت الاحداث والأمور الى كوارث متوقعة، لأننا نعرف كذلك ان الحكومة لن تستطيع مواجهة وباء فشلت حكومات العالم الكبيرة بمواجهته بدون مآسي وخسائر، ونعرف كذلك ان حكومتنا ينهشها الفساد، على الرغم من اعطائنا لها المزيد من الفرص وتعاوننا وقبلنا وهادننا وسكتنا وتحملنا. وعليه، كنا نحتاج الى وعينا الفردي والجمعي معاً. ولكننا أثبتنا بالوجه القاطع اننا نفتقد الى الوعي بكافة وجوهه. فصرنا نتعامل مع الفيروس كتعاملنا مع الاحتلال، نتلصص ونختبئ ونبدي التزاما امام الشرطي كمن يلتزم امام جندي الحاجز. او كمراهق يخبئ سيجارة من والده وكأن الخطر في خوفه من ابيه لا من خطر السيجارة.
كما كل شيء تعودنا عليه من هذه الحكومة، ليس بالمستهجن ما يحدث من احتكار للتطعيمات المتاحة وتحصين اولي السلطة في صفوفهم الأولى بها. ولا هو مستهجن حالة الاستهتار وعدم الاكتراث بالشعب. ولا هو بالعجيب مكاشفتهم لنا بكيفية توزيعهم للتطعيمات. وليس بالغريب ان يتركوا الشعب حتى يأتي فرج حكومة مانحة تمن علينا بالتطعيمات.
ولكن المؤسف بقدر ما هو غريب وعجيب استمرارنا بعدم الالتزام بأبسط ما يمكننا الالتزام به من مراعاة للنظافة والتباعد ولبس الكمامات.
في غياب ابجديات الالتزام لا يمكننا الخروج من هذه الدوامة الملتفة الخانقة. الفيروس ليس مزحة، وها نحن نعيش فقدان من نعرفهم واحدا تلو الواحد يوميا. لم يعد الخطر محدق فقط على فئة عمرية بعينها، فصار الموت يطال الشباب والأطفال كذلك. المعاناة التي يتكلم عنها المتعافين مرعبة. التعافي بالمستشفيات يأخذ اسابيعا واشهرا في الكثير من الأحيان، وهذا امر لا تستطيع تحمل مسؤوليته حكومة بها شح بالأجهزة التنفسية التي تعتبر ركيزة لمساعدة المصابين.
نعم، كان من الممكن خلال سنة كاملة الاستعداد لو كنا نعيش بحكومة بها أدنى معايير الاهتمام بالشعب والنزاهة والحكمة. ولكننا نعرف وعشنا على مدار أشهر طويلة مع هذا الوباء تعامل الحكومة معنا ومع الوباء. فلا يمكننا الاعتماد على حلول منها.
والفيروس بالمقابل بمكن السيطرة على عدم وصوله الينا إذا ما التزمنا. إجراءات الوقاية والتدابير المترتبة يجب ان تكون جزءا بديهيا من طريقة حياتنا اليومية.
لن ينقذنا التطعيم الا بقدر انقاذ المخدر للمدمن. تأثيره مؤقت فقط.
علينا ان نتعافى بأنفسنا بحماية أنفسنا وأحبتنا وان نكون قدوة أولا بالالتزام.