تخطى إلى المحتوى

بين مأزق حكم الشعب والشعب المحكوم : نتانياهو والسلطة مثالا

قرار مركزية فتح فصل عضو اللجنة المركزية فيها الدكتور ناصر القدوة جاء متوقعا على الرغم من استهجان حدوثه. فمن جهة، خرج القدوة عن السرب في وقت حرج تحتاج فتح فيه الى ان تتكتل لا ان تتشرذم. كان السرب في وضعية الطيران ولا يمكن التشتت بأي تحليق خارجه. ومن جهة ثانية، فرئيس مركزية فتح، رئيس السلطة الفلسطينية يتمتع بهذا القدر من القوة والسطوة بالتفرد بالأحكام والتشريعات والقرارات. فالمراسيم الرئاسية التي تصدر لم يعد بإمكان المؤسسات الحقوقية والقانونية والإنسانية متابعتها. منذ حل المجلس التشريعي، يتم الحديث عن اصدار الرئيس الفلسطيني ٤٠٠ مرسوم رئاسي بقرارات وقوانين تتضمن إعفاءات وفصل وتعيينات واستباحة بكل ما يمكن ان تشكله تشريعات يتفرد بها رئيس سلطة. فلا غرابة ان يتفرد الرئيس كذلك بمركزية فتح التي يترأسها. والحق هنا، ان سطوته وسيطرته على فتح وقراراته بمن يفصلومن يعين يبقى شأنا فتحاويا لا شأنا شعبيا. يعني بالمحصلة، بغض النظر عما يبدو لنا من اجحاف وسطوة الا انه شأن فتحاوي صرف. وفي منظومة الابوية التي يمثل الرئيس فيها “الأب” والقدوة ” الابن”، فللأب عقاب ابنه وتصويبه وحرمه من الميراث ان شاء. 

هذا ما آل إليه حالنا، نظام الأب الرئيس الذي يتفرد بالقرارات حسب ما يريده ويقرره ويرتئيه، وعليه لا يحق لنا التدخل في قراره الفتحاوي بشأن ابنه الفتحاوي، ولكن علينا التصدي لقراراته التي تطالنا نحن الهائمين بهذا الوطن بلا بيت الحزب الحامي والمسيطر. 

ربما من اجل هذا، تصبح الحاجة الى الانتخابات التشريعية أكثر إلحاحا، لأنه لا يمكن ان نبقى هكذا في عراء بلا بيت جامع لنا. المسألة الفتحاوية شأن فتحاوي خالص. ولكن، في وقت ننشغل فيه بمشاكل فتح، علينا التركيز في مساءلة اهم، نرى يوميا من خلالها الفشل الذريع الذي الحقته هذه الحكومة ” الفتحاوية السيطرة” علينا. مسألة التطعيمات والمهزلة التي لا تتردد وزارة الصحة في إعلانها تتطلب اقالة حكومة لا اقالة عضو مركزية غرد خارج السرب. 

انهيار منظومة الصحة والهلع المقموع لدى الشعب من كارثية الوضع الوبائي بلا حلول على الاطلاق، وانعدام الأفق الاقتصادي أمام الناس الا لرأس المال المتنفِّذ بتنفُذ الحكومة والتعليم الذي تنصهر مدارس القدس تباعا فيه الى المناهج الإسرائيلية بلا تردد، لأن الانهيار الحاصل حدّث ولا حرج، وانهيار الدبلوماسية الفلسطينية وفشلها الذريع بما آلت اليه اتفاقات التطبيع العربي المتوالية. مجرد سياسات قمع واحتواء وتشديدات وتعيينات لأغراض سياسية خاصة بمصالح الحزب الحاكم التي من الأرجح ان تكون متعلقة بالانتخابات المرتقبة. سيطرة مطلقة على ما كل ما يمكن السيطرة عليه، ومحاصرة ما لا يمكن السيطرة عليه بشد الخناق والقمع. 

لسان حال المواطن هو القلق المرعب من مغبة خطر محتم. ضحايا الوباء يتساقطون تباعا امام اعيننا. المستشفيات تخلو من ابسط الإمكانيات، والفشل الذريع بعدم التمكن من الحصول على التطعيمات يزيد من الحقن والخوف المتربص بين الناس. 

بسلطة تحترم شعبها، وتعرف انها لا تقوى على توفير العلاج والمرافق اللازمة، عليها ان يكون شغلها الشاغل تأمين التطعيمات وبأي ثمن. وفي المقابل، لا يخجل أصحاب السلطة من تطعيم أنفسهم واستخدام التطعيمات للمقربين منهم، وتبرر وزارة الصحة ما تقوم به من أفعال مهينة بحقٍّ بحقنا، عند الإعلان عن توزيع التطعيمات لمن لا يستحقونها كأولوية بلا خجل ولا اهتمام لمشاعر الناس الخانقة، والتجني على الحكومة الأردنية بإعطاء بعض التطعيمات لها، في وقت تم الإعلان أصلا ان تلك التطعيمات قد تم منحها للحالات الطارئة. 

بعد ضغوطات شعبية أعلنت الحكومة عن نيتها شراء تطعيمات وفتحت باب التسجيل الالكترونية للراغبين بالتطعيم، لتخرج وزارة الصحة ببيان ان دل على شيء يدل على المستوى المتدني الذي ترى فيه الحكومة وعي وفهم الشعب. فجاء البيان الوزاري ليخبرنا ان الشركات المزودة للتطعيمات ” تراوغ” بتزويد فلسطين بها لأسباب لا اريد بالحقيقة حتى ارهاق نفسي بالعودة للبيان لأعيدها هنا (مرفق ادناه). 

في نفس الوقت، ترى وزيرة الصحة تتغني على صفحتها بإعجاب الحكومة اليابانية بها واعطائها لقب “من أوائل من أخذ اللقاح في فلسطين” (مرفق ادناه) 

هذه الحالة من “البهدلة” و”قلة القيمة” للإنسان الفلسطيني التي تضعنا الحكومة بها، يجب المحاسبة عليها. كيف حوّلنا هؤلاء لشعب ” الشحاذين”. والمغتنين باستحقاقات فارغة ” اول امرأة تشغل منصب وزيرة صحة في فلسطين”، ” وسيدة العقد”، وغيرها من الألقاب التي صدقها هؤلاء وقرروا السيادة علينا، ومع هذا يتوسلون التطعيمات علينا. نحن حكومة فقيرة هو لسان حالهم، ولم يخجلوا من الإعلان ان الانتخابات ستكلف ٢٣ مليون دولار. ما هو الأهم الاستعداد للانتخابات ام توفير تطعيمات للشعب لكي يستطيع ان ينتخب؟ 

في حالة وبائية متفاقمة لن تسمح لخروج أحد من بيته قريبا، يبدو ان خطة الحكومة هي هذه، التأكد بأن أحدا لن يدلي بصوته بصناديق الانتخابات التي تم صرف ٢٣ مليون دولار من اجلها، الا من تأكدت الحكومة من جزم ادلاء صوته لها. 

مبدأ ” بدكم مصاري اكتر او وطن اكتر” الذي صرح به رئيس الوزراء الحالي يبدو ان معناه “بدكم وطن اكتر ام سلطة لنا عليكم اكتر”

وطن تم تسويته بالتراب كما سوّيت كرامة افراده، وسلطة تعتبر نفسها الوطن وعليه كل من يتنفس منا عليه الإذعان لمطالبها واوامرها علينا. علينا ان نحمد الله ونشكره على وجود هذه السلطة المتسلطة علينا. هذا هو الإنجاز الأكبر والاهم. نحن هنا من اجل وجودهم. وكل من لا يعجبه ذلك فليضرب رأسه بأي حائط قبل ان يسوّى على أيديهم بالتراب. 

في المقابل، بينما تستعد إسرائيل للانتخابات، ويصطف المتظاهرون ضد نتانياهو يوميا مطالبين بمحاكمته لقضايا فساد، وهو الذي قدم لشعبه ما لم يقدمه أكبر زعماء العالم الحالي لشعوبهم، وزعماء إسرائيل منذ نشأتها. فهو يحقق الاحلام التي لم يحلم بها هيرتسل، فمن كان يرى حتى في ابعد أحلامه يوما تصير فيه الدول العربية تتسابق لتطبيع علاقاتها مع إسرائيلبهذه الطريقة. 

وبينما يتسابق العالم على انقاذ شعوبه من مغبة الوباء، في وقت عزفت أوروبا عن شراء التطعيمات لشعوبها بمبلغ ١٢ يورو للتطعيم (واستَغْلَتْه)، اشترت الحكومة الإسرائيلية التطعيم بمبلغ ٢٣ يورو وطعمت مواطنيها بدرجاتهم الأولى والمقموعين المرفوضين بها، فتطعم اليهودي والاثيوبي والعربي والفلسطيني تحت مناطق سلطتها واحتلالها المتفق عليه مع سلطة اوسلو. وحكومتنا تنتظر ما منّت عليه إسرائيل لها تحت البنود الإنسانية، لتتسابق بتطعيم حاشية الرئاسة والمقربين من افراد السلطة. 

هذه الفضيحة تسقط بالفعل بها حكومات. رأينا بألمانيا كيف استقال وزير لتلقيه التطعيم قبل دوره. وعندنا وصل الفساد لدرجة الاستباحة، والحكومة عندنا لا تزال تتغنى بإنجازات واهية ووعود سرعان ما تتحول الى وعيد إذا ما تقدم أحد بمساءلة.

المستشفيات تفتقر الى أدنى الإمكانيات للتعامل مع الوباء، بينما تم بناء وحدة كاملة في المقاطعة من اجل الرئيس بالملايين.

ليحيا الرئيس ويموت الشعب! 

وضمن الحملات الانتخابية الضارية، تخسر كل يوم فتح قوة تأييدها حتى من أبنائها بعقوق وانشقاق كما رأينا بالقدوة اليوم والدحلان بالأمس، استطاع نتانياهو ان يخترق الشارع العربي بما يصيب المرء بالفعل بالذهول. قدرة هذا الرجل على قلب الموازين تستحق الدراسة والتقدير والتمعن. قدرته قدرة الساحر بقلب الأمور لمصلحته في كل مرة. 

ولكن، قدرته على خرق الإمكانيات هي المذهلة، فاختراقاته كانت دوما تطال الشارع الإسرائيلي بمكونه اليهودي ومتوقعة فيما يمكن ان نسميه فن الممكن، وكذلك تلك الإقليمية والدولية. ولكن هذه المرة استطاع خرق المستحيل باستمالة الشارع العربي نحوه بعد ان استطاع بحركة واحدة تمزيق القائمة المشتركة الى أشلاء. 

وفي وقت يتم تخيير المواطن فيه بين الجوع او الوطن، من الطبيعي ان يختار المواطن الا يجوع. ونتانياهو وفر للمواطن هذا حتى المسمّى عدوّه فرصا اهم من الجوع، وفر له الصحة بتوفير التطعيم كمن مد يده الى فم الحوت ليحصل عليها من اجل “الشعب” لا من اجل حاشيته. وبينما يرى العربي الخاضع لحكومة نتانياهو أخيه الفلسطيني الخاضع لحكومة شتية، وما جرى من إخفاقات لم تقدم للوسط العربي بمن يمثلونه بالكنيست الا الكوارث، وما يجري من جرائم يومية هو أكبر برهان على انشغال الساسة بما لا يجلب الأمان للشعب، فلا مفر امامه الا من شكر الله على وجود أبو يائير واكرامه وام يائير واستضافتهم “بخيمة العروبة الاصيلة” والتجوال في الأسواق وشرب القهوة مع العامة.  

فنتانياهو – أبو يائير لا يحتاج لفهم الكثير من أمور العربان، ففعلها من قبل لورنس ولبس العقال والبس العرب الساعات وباعهم حلم العربات في الصحراء، والتف ترامب على خزينة السعودية والامارات وقطر والبحرين برحلات لم تستدع أكثر من عناء جلب ميلينيا وافانكا.

وكما التف نتانياهو نحو الدول العربية بسبب خنوع وغياب الدبلوماسية الفلسطينية، فاستطاع ان يجلب الصفقات بلا حاجة العرب الي الوساطة الفلسطينية التي وصمت نفسها بالفساد. استطاع كذلك الالتفاف نحو الناخب العربي في المدن الخاضعة لحكومته، بلا حاجة للوسيط العربي في الكنيست.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading