تخطى إلى المحتوى

فيلم الهدية: قصة المهانة الفلسطينية في أقل من نصف ساعة

فيلم الهدية: قصة المهانة الفلسطينية في أقل من نصف ساعة

منذ أيام وتتوالى التعليقات على الفيسبوك بدعوة لمشاهدة فيلم الهدية على نيتفلكس. كل من يشاهد الفيلم يصاب بالذهول ويتلو ذلك الكثير من المديح والشكر للفنانين الفلسطينيين الذين قاموا بأدوارهم فيه. 

الفيلم من بطولة صالح بكري، مريم كامل الباشا، الطفلة مريم كنج، اخراج فرح نابلسي. ولقد تم الإعلان عن ترشحه للأوسكار ضمن قائمة الأفلام القصيرة لهذا العام.

قام الممثلون بأدوارهم بحرفية عالية. او ربما لم يكن هناك حاجة للحرفية في الأداء… فلقد قدموا حياتهم كفلسطينيين في فيلم قصير. 

بدوري شاهدت الفيلم لمدة ٢٥ دقيقة وهذا اهم ما في الفيلم انه قصير. ٢٥ دقيقة من حبس الانفاس ووجع القلب المصاحب لحياة الانسان الفلسطيني اليومية. 

قصة الفيلم هي قصة يومية للفلسطينيين العالقين بين الحاجز والحاجز. ليست القصة اليومية للحواجز بين المدن الفلسطينية، ولا قصة حواجز طيارة ولا قصة الحواجز التي تحولت الى معابر. قصة الحاجز الذي يفصل عن البيت والسوق. قصة الحاجز الذي يعزل القرية عن كافة مقومات الحياة، قرى مثل النبي صمويل وحي الخلايلة والكثير من القرى الفلسطينية المعزولة بين المستعمرات والحواجز ويعيش سكانها على مدار الساعة تحت رحمة جنود الاحتلال عليها. 

شاب عادي، ينام على زوايا الجدار العازل ليصطف يوميا على حاجز مكتظ من اجل لقمة العيش لعل عملا قادما في سوق المقاولات الإسرائيلية قادم. مشهد يومي يعيشه عشرات الالاف من الفلسطينيين. تحديدا ما يراوح المائتي ألف عامل، يعيشون يوميا هذا الذل من اجل لقمة العيش. حواجز هدفها حشر الجسد وخنق الروح حتى يكون المخرج الوحيد للأنفاس هو الذل والانصياع والتّرجّي تحت رحمة جندي لا يرى ممن يقفون داخل اسلاك القفص الموصل الى الحاجز أكثر من اشباه انسيين نستهم سلطتهم ورمتهم للعوز الذي يسده صاحب العمل الإسرائيلي. 

يتعب ويشقى ويرجع الى بيته ليلبي احتياجات زوجة وطفلة. 

يصادف ذلك اليوم عيد زواجه، ويذهب مع ابنته ياسمين لشراء الهدية الموعودة وحاجات البيت من بقالة واغراض تموينية.

يمر وصغيرته من القفص المؤدي الى الحاجز ويتم إيقافه وتعطيله ووضعه في قفص منتظرا رحمة جنود الاحتلال بتسريحه الى الطريق. ما كان يوما احتفاليا بدأ بالتلاشي تدريجيا، ومع هذا استمر بالحفاظ على رباطة جأشه محاولا عدم كسر لهفة ابنته الصغيرة. والطفلة بطبيعة الحال تشاهد وتبكي وتخاف وتبلل بنطالها. يستمتع الاب وابنته برحلة التسوق الى السوبرماركت، ومن ثم يذهب لشراء الهدية، ثلاجة. في الطريق هناك حاجز طيار يمنع السيارة التي تنقل الثلاجة من المرور، فيأخذ الرجل الثلاجة ويجرها عودة الى القرية. يقف مرة أخرى عند الحاجز المقابل لبيته. يمارس الجندي عليه هواية الذل البديهية. وعند محاولته الدخول مع الثلاجة لا يتمكن من تمريرها من الحاجز ويرفض الجندي السماح له بمرورها من غير المكان المخصص لعبور الفلسطينيين. يفقد الرجل اعصابه ويحيطه الجنود من كل الاتجاهات، وتمر الطفلة بالثلاجة من خلال الشارع نفسه بينما ينشغل الجنود بوالدها الذي أرعبهم فقدانه لأعصابه. 

ويبدأ الجنود بالصياح ويهدئ أحدهم الاخر بترك الطفلة وشأنها ثم يتركونهما للذهاب الى المنزل. 

وانتهى الفيلم. 

كان هذا أفضل ما جرى بالفعل. 

نهاية سعيدة. 

لان الحقيقة ليست بالضرورة بهكذا نهاية سعيدة. نجا الرجل وطفلته بالهدية. وتركوني كمشاهدة اتخيل فرحة الام بثلاجتها الجديدة. ولا اعرف ان كان للزوج قوى بالحصول على الهدية التي وعدته به الزوجة قبل ذهابه والطفلة صباحا. فالرجل يعاني أصلا من الام ظهر واضحة، وجر الثلاجة مع الام لا يقوى فيها على رفع ظهره. وأفقده الجنود روحه وقواه. وما تبقى له ولطفلته كان اللوذ بالثلاجة. 

قبل يومين، وقفت امام جمهرة محددة بحي الشيخ جراح لسكان الحي المهددين بالترحيل من بيوتهم. 

كان هناك سيارة شرطة وافرا شرطة محيطين برجلين طاعنين بالسن. اقتربت لافهم ما يجري ليتبين ان الشرطي كان يريد مخالفة الرجلين لعدم وضعهما الكمامة كما يجب. 

كان الرجلان يقومان بتعريف لمجموعة صغيرة من الصحفيين عن الوضع. كان المجموع كله لا يتعدى الخمسة او الستة افراد. والشرطي الشاب ينكّل بالرجل الطاعن مصرّا على تصدير مخالفة ويصرّ الرجل عدم الإذعان لإجحاف الشرطي الواضح. اقتربت من الرجل والشرطي لأحاول ربما ابعاد الشرطي الذي كان يصيح بالمتواجدين ان عليهم الابتعاد مترين. 

قانون الكورونا الذي يقف كالسيف في تلك اللحظة. معه الحق الكامل بحجة الكورونا. ولم البث اقترب حتى صاح بي طالبا مني الابتعاد. وانا مثل القطة رجعت الى الوراء ولم افتح فمي بكلمة. 

كان الشعور قاتما، قاتلا لشيء ما بداخلي. ذكرني بحقيقتنا. هذه هي قيمتنا بالعيش في ظل الاحتلال. ظل ثقيل يخيم علينا، يكتم انفاسنا. 

هذه هي حياة الفلسطيني الذي يحاول العيش بكرامة. 

كرامة سلبتها السلطة الفاسدة، فجعلت من المواطن رهينة للقمة عيش لا يتم الحصول لعيها الا بتجرع الذل يوميا. 

وكرامة يسلبها الاحتلال العنصري الذي لا يرى من الفلسطيني الا كائنا يمكن قتله والتخلص منه بأي طريقة شاء، يستمتع بإذلاله ومهانته وتحقيره فيسلبه انسانيته مرارا وتكرارا على مدار التقاطه لكل نفس.  

2 فكرتين بشأن “فيلم الهدية: قصة المهانة الفلسطينية في أقل من نصف ساعة”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading